أقام حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى مأدبة افطار في قصر الروضة مساء اليوم بحضور صاحب السمو الملكي الامير سلمان بن حمد ال خليفة ولي العهد نائب القائد الاعلى النائب الاول لرئيس مجلس الوزراء.
حضر المأدبة اصحاب السمو كبار افراد العائلة المالكة الكريمة ورئيسي مجلسي النواب والشورى واصحاب الفضيلة العلماء والوزراء وعدد من المدعوين .
وقد صافح جلالة الملك المفدى الحضور وتبادل معهم التهاني بمناسبة العشر الاواخر من شهر رمضان المبارك، سائلين المولى عز وجل ان يوفق الجميع لما فيه الخير والصلاح لمملكة البحرين وشعبها الكريم ويديم عليها نعمة الامن والامان مبتهلين الى الله سبحانه وتعالى ان يعيد هذا الشهر الفضيل على الامة العربية والاسلامية بالعزة والامن والسلام والرخاء .
وبعد تلاوة آي من الذكر الحكيم تحدث سماحة الشيخ ناصر بن الشيخ أحمد خلف العصفور بحديث ديني ( البحرين بلد التعايش والتسامح الديني ) استهلها بحمد الله وشكره والصلاة والسلام على النبي صلي الله عليه وسلم وقال الحمدُ للهِ الذي جعل الحمدَ مفتاحاً لذِكرِهِ, وخلقَ الأشياءَ ناطقةً بحمدهِ وَشُكره، والصلاة والسلام على أشرف خلقهِ وسيدِ رُسلهِ، محمدٍ المصطفى المبعوث رحمةً للعالمين، صلى الله عليه وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين.
صاحبَ الجلالة الملكَ حمد بن عيسى الخليفة حفظه الله ورعاه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
في أجواءِ هذا الشهرِ المبارك شهرِ الله الكريم، الذي جعلهُ اللهُ ميداناً للتسابقِ إلى الخيراتِ واكتسابِ المثوبات.
وفي العشرِ الأواخرِ منْ شهرِ المغفرةِ والرحمةِ، والذي قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ): (شهرٌ أوّلهُ رحمة، وأوسطهُ مغفرة، وآخرهُ عتقٌ مِن النار)
يَنعمُ المسلمونَ في هذا الشهرِ برحماتٍ وبركاتٍ وفيوضاتٍ إلهية، ويعملونَ على الإستفادةِ من أبعادهِ المختلفة، روحيةً ونفسيةً واجتماعيةً، فهو محطةٌ ربانيةٌ ومدرسةٌ تربويةٌ إيمانية.
في هذا المحفلِ الكريم، أستميحكم في التحدُّثِ حول بعضِ الجوانب المُرتبطة بالتعايش والتسامح انطلاقاً من قول الله تبارك وتعالى, بسم الله الرحمن الرحيم
(ياأيها النّاسُ إنّا خلقناكُم مِن ذكرٍ وأُنثى، وجعلناكُم شعوباً وقبائلَ لتعارفوا، إنَّ أكرمكُم عِند اللهِ أتقاكُم)
اقتضت حكمةُ اللهِ عزّ وجل في خلقهِ، أن جعلهُم شعوباً وقبائلَ وأمماً متنوعِينَ في انتمآئاتهم, مختلفينَ في ألوانهم وأشكالهِم وألسنتهِم, وتبعاً لهذا الاختلاف فمن الطبيعي أن ينعكسَ ذلكَ اختلافاً في الطبائعِ والثقافاتِ والعاداتِ والتقاليدِ والأعراف, وهذا بذاتهِ يُشكِّلُ دافعاً ومحرّكاً نحوَ التعارفِ والتواصلِ, فثمرةُ التعارفِ هو التعايشُ والتعاونُ وتبادُلِ الخُبراتِ والتّجارُبِ، فالحضارةُ الإنسانية إنّما هي مجموعُ تراكُمِ خُبراتٍ وتجارُبَ ومعارفَ مختلفةٍ ومتنوعة، وعلى هذا الأساس فإن الانغلاق والانطواء على الذاتِ يُمثّلُ خلاف السنّة الإلهية والطبيعة الإنسانية، والتي من أبرز نتائِجِها وسلبيّاتِها هو تَكَوّن تلكَ الصّورة المشوشة أو الناقصةِ، وغير الواضحة عن الآخر سواءً على الصعيدِ الفردي أو على مستوى المُكوّناتِ المختلفة.
ومن المفارقاتِ أنّه في الوقتِ الذي يدّعونا القرآن الكريم ويحثُّنا على التعارفِ والتواصلِ والانفتاحِ على الثّقافات والشعوبِ والأممِ والحضاراتِ الأخرى، نَجِدُ أنفُسِنا كمُسلمين وكأمةٍ قد وضَعْنا الكثيرَ من العوائقِ وصنعنا حول بعضنا الحواجزَ والمتاريس، ونحنُ الأمةَ الواحدةَ التي قال عنها سبحانه وتعالى (وإن هذهِ أمتكُم أمةً واحدةً وأنا ربُكم فاعبدون)
وإذا كانت المذاهبُ الإسلامية في الأمةِ تُشكلُ تنوعاً ورافداً وإثراءً للحالةِ الإسلامية في إطارها العام، وهي حالةٌ إيجابيةِ إلا أنّه وبسببِ الجهلِ والتّعصبِ، قد تتحولُ إلى مادةِ تنازعٍ وتصارعٍ وتطاحنٍ، بدل أن تكون سبباً للتقاربِ والالتقاءِ والتعاون, وأن هذا التمايز والتنوع يُفترضُ أن يُشكِّلَ قيمةً إيجابيةً تنافسيةً للإرتقاءِ والنهوضِ والتقدّمِ وليس العكس.
ومعلومٌ أن الفتن الطائفية لا يقتصرُ خطرُها على الفِرقةِ والتنازع، وما ينتجُ عن ذلكَ مِن وَهنٍ وضعفٍ وتخلّف، بل نجدُ الآنَ خطرَ الفتنِ الطائفيةِ والصراعاتِ العِرقيّةِ تقودُ إلى محارقَ حقيقيةٍ وتُلقي بظلالها على تقسيم البلدان وتدميرِ الأوطان.
إننا ننتمي لهذا الدينِ العظيم، وهو دينُ الرّحمةِ والإنسانيةِ والسلامِ والأمان, دينٌ لا يوجدُ فيهِ مكانٌ للحقدِ ولا للكراهيةِ ولا للعنصريةِ ولا العصبية, يتعاملُ مع الآخرينَ على أساسٍ من الكرامةِ الانسانية، وأن اختلافَ الدينِ واختلافَ العقيدةِ لا يَعني عدمَ احترامِ الآخر، ورعايةَ حقّهِ الإنساني، بل أكثرَ مِن ذلكَ فالإسلامُ يدعونا إلى الإحسانِ والبِرِّ بالآخرينَ مِن غيرِ المسلمين، يقولُ الله تعالى ( لا ينهاكُمُ اللهُ عَنِ الذينَ لَم يُقاتِلوكُم فِي الدّينِ ولم يُخرِجُوكُم مِن دِيارِكُم أنْ تَبرّوهُم وتُقسِطوا إليهم، إنّ اللهَ يُحبّ المُقسِطينَ)
كما يُعلّمُنا الإسلامَ أنْ نُظهِرَ إيجابياتِ الآخرينَ ومَن نَختلِفُ معهم أيضاً، كما قال الله تعالى جل شأنه ( ولا يَجْرِمَنّكُم شَنآنُ قَومٍ على أَنْ لا تَعْدِلُوا، اعْدِلُوا هُو أَقْرَبُ للتّقْوَى)
ويُريدُ لنا أنْ نكونَ مُنصِفينَ ليسَ فقط مَع مَن نَختَلِفُ معهم، بل حتى مع الأعداءِ، إنّها قيمة راقية تُقدِّمُ للعالم الصورة الحضارية الحقيقية عن الاسلام وقيم الدين, ولكن من المؤسفِ أَن هذه الصورة مغيبةٌ ومُختَطَفة، وما يراهُ العالمُ اليوم وما يَحمِلُ من تصورٍ عن الإسلام والمسلمين هي صورةٌ مشوشةٌ ومشوّهةٌ من خلال ما يرونهُ مِن تشدّدٍ وانغلاقٍ وما يشاهدونهُ من ممارساتٍ منحرفةٍ على الأرضِ نتيجةَ ظهور الفكرِ التكفيري الإقصائي الذي أضرّ بالإسلامِ أيّما إضرار.
صاحبَ الجلالة:
إن أيّ أُمّةِ إنما تُقّدرَ وتُقيّمَ بإنجازِها وبتاريخِها وما تزخرُ بِهِ مِن عطاءٍ وتُراثٍ وفكرٍ، كما تفخرُ بحاضِرِها وبما تُنجِزهُ في واقِعِها, فالتاريخُ الكبير والرصيدُ الضخم هو المُحرّكُ للأجيالِ والدافعُ لهم لتحقيقِ الانجازاتِ والابداعات, فالأمةُ الحيّةُ والنّاهضةُ هي التي تَعتزُّ بتاريخِها وتفخرُ بماضِيها، ولا تُغفِلُ حاضِرَها ومُستقبلَها، بل تُوظِّفُ هذا التاريخَ والتّراثَ لصناعةِ مسيرتِها وتسخرّهُ في بِناءِ مجدِها، وبلدُنا البحرينُ العزيزةُ لها تاريخُها الكبير، وإنجازُها التّليد، وتُراثُها الغني؛ الحافلُ بالعلومِ والمعارفِ في مختلفِ الحقولِ العلميّةِ التي أبدعَ فيها عُلماؤُها الكبار ومفكّروها الأفذاذ على مرِّ تاريخِها العريض، الذين كانت تزخرُ بِهم هذهِ البلاد وأسهموا في بناءِ مَجدِها وتاريخها وعزّها.
صاحبَ الجلالة:
إنه من دواعي الفخر والاعتزاز أن البحرين الغالية كانت ولا زالت نموذجاً راقياً للتسامحِ والتعايشِ وعلى مرِّ تاريخها الطويل في ظلِّ الانسجام والترابطِ والتراحمِ بين مكوّنات هذا المجتمع الواحد، الذي تداخلت وشائجُهُ وتعزّزت أواصِرُهُ وتوطّدتْ عِلاقاتُه على مرِّ السنين، وهذا هو مَصدرُ قوّتِها وغناها، بحيث أصبحَ الإنسانُ البحرينيُ مَضرَبَ المثل في تعايُشهِ وتَسامحهِ كما هو في طِيبتهِ ونقاءِ سريرَتِهِ ودماثةِ أخلاقِهِ، فهو نموذجٌ لثقافةِ التسامحِ والمحبةِ الانسانيةِ الراقية، وهذهِ نِعمةٌ إلهيةٌ كبيرةٌ نشكرُ اللهَ ونحمدُهُ عليها.
وأهلُ البحرينِ عموماً بِكُلّ مكوّناتِهِم وبالخصوصِ الطائفتين الكريمتين في تعايشُهِم وتسامُحِهِم وحُرصِهِم على وحدتِهِم الإسلاميةِ والوطنيّةِ ورَغمَ ما حَصَل ويحصلُ في المنطقةِ والدِّولِ من حولنا من انزلاقٍ في وحلِ الطائفيةِ إلا أن هذا البلدَ وأهلَهُ يمتلكونَ مِن الوعيِّ والحكمةِ والبصيرةِ ما يُشكِّلُ ضمانةً وحصانةً منيعةً صُلبَة من أيِّ انجرارٍ في هذا المُنزَلقِ الخَطِر والمُنحدِرِ الوَعِر.
نسألُ اللهَ تعالى جَلّ شأنُهُ في هذا الشهرِ الفضيل، أن يحفظَ بلادنا وسائرَ بلادِ المُسلمين وبالخصوص شعبَ فَلسطين وأهلَ غزةَ المُحاصرين، وأن ينعمَ علينا جميعاً بالأمنِ والأمان.
اللهمَّ إنا نسألُكَ رحمةً مِن عِندكَ تَهدي بِها قُلوبَنا, وتجمعُ بِها شَملَنا, وتُصلِحُ بِها حَالَنا, وتَرُدَّ بِها الفِتنَ عنّا, يا أرحمَ الراحمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ثم تفضل جلالة الملك المفدى بتوجيه كلمة سامية هذا نصها
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ،،
أصحاب السمو ، أيها الإخوة ،،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ،،
ونحن نسعد بالأيام والليالي المباركة من هذا الشهر الفضيل ، نهنئكم جميعاً والمواطنين الكرام ، وأمتنا العربية والإسلامية ؛ بدخول العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، سائلين المولى العزيز الحكيم ، أن يوفقنا لصالح القول وخالص العمل. وأن يتم علينا نعمة صيامه وقيامه ، وأن يعيده علينا أعواماً عديدة وأزمنة مديدة ، بالأمن والسلام والصحة والعافية. كما يسرني أن أتقدم بالشكر والتقدير لسماحة الشيخ ناصر بن الشيخ أحمد خلف العصفور على محاضرته القيمة التي تحدث فيها عن ( البحرين بلد التعايش والتسامح الديني) ، فجزاه الله تعالى خيراً على ما يبذله مع إخوانه العلماء والدعاة والمصلحين من نصح وإرشاد ، نظير ما قدموا لدينهم ووطنهم وما سخروا له أنفسهم ووقتهم خدمةً للمجتمع ، فلهم منا جزيل الشكر والتقدير والإمتنان .
أيها الإخوة ،
ونحن نعيش نفحات وبركات هذا الشهر الكريم ، ينبغي علينا جميعاً أن نحرص في هذا الوطن العزيز على وحدة الكلمة ، ورَصِّ الصفوف، والتكاتف والتآخي والمحبة ، ونشر ثقافة التسامح والتعايش ، والمحافظة على الأصول الدينية والثوابت الوطنية ، والتلاحم الصادق بين أبناء شعبنا الوفي على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم وتوجهاتهم .
ولا شك ؛ فإن هذه الدعوة ستعمق روح الأسرة الواحدة ، وستعزز مسيرتنا الإصلاحية ، ومكتسباتنا الوطنية التي حققناها وأنجزناها معاً.
ختاماً نسأل الله تعالى ، أن يتقبل منا ومنكم ، الصيام والقيام ، وصالح الأعمال ، في هذا الشهر الكريم ، وأن يوفقنا وإياكم ، لخدمة ديننا وأمتنا ، وأن يؤلف بين قلوبنا وأن يحفظ مملكتنا الغالية البحرين ، ويُديم علينا نعمة الأمن والأمان والسلام ، إنه سميع مجيب الدعاء .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه ، وسبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وقد اعرب الحضور عن بالغ شكرهم وتقديرهم لصاحب الجلالة على جهود جلالته الكبيرة في خدمة الاسلام والمسلمين ، مشيدين بحرص جلالته واهتمامه بالأعمال الخيرية والانسانية واعمار المساجد وإنشاء مراكز تحفيظ القرآن الكريم في جميع انحاء المملكة ورعايته للعلم والعلماء ،متوجهين بالدعاء الى المولى عز وجل أن يعيد هذه الايام المباركة على جلالته بوافر الصحة والسعادة وان يحفظ مملكة البحرين وشعبها العزيز ويديم عليها نعمة الامن والامان والاستقرار والازدهار .