كتبت - زهراء حبيب:
أكدت المحكمة الدستورية في تفاصيل حكمها بالإحالة الملكية بالمادة «5» مكرر لمشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون البلديات، الخاصة بإقامة مجلس أمانة العاصمة بدلاً من مجلس البلدي، أن القانون جاء مطابقاً للدستور، مشيرة إلى تميز العاصمة بتنظيم خاص عائد لمصلحة عامة، وهي واجهة المملكة وتضم أغلب وزارات الدولة وهيئاتها العامة والسفارات والقنصليات الأجنبية، إضافةً إلى أن العديد من المرافق التي توفرها العاصمة غير قاصرة على القاطنين فيها بل تشمل بخدماتها جميع المواطنين والمقيمين.
وجاء في حيثيات الحكم أن قانون مباشرة الحقوق السياسية الصادر بمرسوم بقانون 14 لسنة 2002 قد ورد مقتصراً على التنظيم التشريعي لانتخابات مجلس النواب، وخلى من ثمة إشارة إلى الانتخابات البلدية، وأن المذكرة التفسيرية لدستور مملكة البحرين المعدل لسنة 2002 لم تورد في ثناياها تفسيراً للمادة 50 من الدستور من حيث أداة تشكيل هيئات الإدارة البلدية بالانتخاب أم بغيرة، كما إن الدستور عهد إلى المشرع تحديد أداة تشكيل هيئات الإدارة البلدية في سياق ما يستقل بتقديره من اعتبارات تستهدف المصلحة العامة. وأصدرت المحكمة الدستورية في 9 يوليو الجاري حكمها في الإحالة الملكية بشأن مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون البلديات بقانون رقم 35 لسنة 2001، المادة «5» مكرر من القانون الخاصة بتشكيل مجلس أمانة العاصمة بدلاً من مجلس بلدي بمطابقتها للدستور.
وحيث إن المادة 50 من دستور مملكة البحرين لسنة 2002 قد نصت في البند (أ) منها على أن (ينظم القانون المؤسسات العامة وهيئات الإدارة البلدية بما يكفل لها الاستقلال في ظل توجيه الدولة ورقابتها، وبما يكفل لهيئات الإدارة البلدية إدارة المرافق ذات الطابع المحلي التي تدخل في نطاقها والرقابة عليها) وحيث إن إعمال مقتضى القاعدة الدستورية على النصوص التشريعية يقتضي استظهار إرادة المشروع الدستوري كشفاً لهذه الإرادة التي صاغ على ضوئها نصوص الدستور لتحديد مضمونها واستيضاح ما أبهم من ألفاظها واستصفاء إرادة المشرع تحرياً لمقاصده ووقوفاً عند الغاية التي استهدفها من تقريره إياها، لما كان ذلك وكان من المقرر أن الأعمال التحضيرية للدستور تشكل إطاراً خلفياً لنصوصه تتحراها جهة الرقابة على الدستورية وتستلهمها في أحكامها.
وكانت المذكرة التفسيرية لدستور مملكة البحرين المعدل لسنة 2002 لم تورد في ثناياها تفسيراً للمادة 50 من الدستور من حيث أداة تشكيل هيئات الإدارة البلدية بالانتخاب أم بغيره. وإذ صدر البند (أ) من هذه المادة قد جرى بالصيغة ذاتها الواردة في المادة 87 من دستور دولة البحرين لسنة 1973 فإنه يغدو متعيناً للإحاطة بمقاصد المشرع الدستوري بهذا الشأن استقصاء أصل المادة (50/أ) من الدستور الحالي واستجلاء مناطها على هدي الأعمال التحضيرية الممهدة لنظيرتها في دستور 1973 بحسبان أن ذلك مما يعين على استخلاص مقاصد المشرع الدستوري التي يفترض أن المادة 50 عبرت عنها.
وأوضحت المحكمة الدستورية «بالاطلاع على مضبطة الجلسة الثانية والثلاثين للمجلس التأسيسي (السبت 14 أبريل 1973 والمنشورة في الجريدة الرسمية لدولة البحرين، ملحق العدد 1024، بتاريخ الثلاثاء 18 جمادى الأولى 1393ه، الموافق 19 يونيو 1973م، السنة السادسة والعشرون، ص 26) فإنه يستشف من وقائع الجلسة آنفة الذكر أن أعضاء المجلس الوطني التأسيسي قد أثاروا في مداولاتهم مسألة تشكيل الهيئات البلدية ما إذا كان الانتخاب هو السبيل إلى ذلك أم أن البلدية تعين من قبل الدولة. وقد خلص الأعضاء إلى استيفاء الاستيضاح إلى مناطٍ للمادة قوامه أن (الجواب في المادة ينظم القانون)، على النحو الوارد في متن المضبطة. بما موادها أن الدستور عهد إلى المشرع بيان طريقة تشكيل هيئات الإدارة البلدية في إطار ما يستقل بتقديره من اعتبارات سائغة.
وحيث إن الدستور لم يميز من حيث أداة التشكيل بين هيئات اللامركزية الإقليمية وهيئات اللامركزية المرفقية إذ جعل من هيئات الإدارة البلدية صنواً للمؤسسات العامة بهذا الشأن قارناً بينهما في متن المادة 50 منه، محيلاً بشأن تنظيمها إلى القانون. ولم يغل الدستور من ثم يد المشرع عن المفاضلة بين البدائل في شأن أداة تشكيلها إذ لم يوجب في ذلك كله أن يكون الانتخاب قوامه حصراً، والتمثيل الشعبي أساسها حكماً، مقتفياً المسلك ذاته الذي اعتمده دستور سنة 1973. وهي شرعةٌ مؤداها أن هيئات الإدارة البلدية تتمحض شكلاً من أشكال اللامركزية الإدارية، شأنها في ذلك -من حيث كونها هيئات إدارة بصريح عبارة الدستور- شأن المؤسسات العامة. يظاهر ذلك كله ويسانده إيراد الدستور للمادة 50 منه آنفة البيان ضمن أحكام الفصل الثاني منه الموسوم بـ(السلطة التنفيذية. مجلس الوزراء - الوزراء).
وذكرت المحكمة إلى أن قانون مباشرة الحقوق السياسية الصادر بمرسوم بقانون 14 لسنة 2002 قد ورد مقتصراً على التنظيم التشريعي لانتخابات مجلس النواب، وخلى من ثمة إشارة إلى الانتخابات البلدية، إذ نص في مادته الأولى على ما يلي» يتمتع المواطنون رجالاً ونساء بممارسة الحقوق السياسية الآتية إبداء الرأي في كل استفتاء طبقاً لأحكام الدستور، انتخاب أعضاء مجلس النواب، ويباشر المواطنون الحقوق سالفة الذكر بأنفسهم وذلك على النحو وبالشروط المبنية بالقانون.
ومؤدى ما سلف أن الدستور قد عهد إلى المشرع تحديد أداة تشكيل هيئات الإدارة البلدية في سياق ما يستقل بتقديره من اعتبارات تستهدف المصلحة العامة، فإن قضاء المحكمة الدستورية قد جرى على أن جوهر السلطة التقديرية للمشرع في تنظيم الحقوق يتمثل في المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقدره أنسبها لمصلحة الجماعة، وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها في خصوص الموضوع الذي يتناوله بالتنظيم.
وأضافت المحكمة الدستورية «حيث إن مناط المادة المعروضة إفراد العاصمة بتنظيم بلدي قوامه إنشاء أمانة للعاصمة يعين أعضاؤها بمرسوم ملكي، حال أن باقي المجالس البلدية بمملكة البحرين تتشكل بمقتضى الانتخاب العام المباشر على النحو المنصوص عليه في قانون البلديات سالف البيان. فإن المشرع لئن كان قد عدل بذلك عن اتجاه ساد عملية التشريع في البحرين، كان الانتخاب سبيلاً لتشكيل المجالس البلدية، فإن قضاء المحكمة الدستورية قد جرى على أن عدول المشرع عن نهج تشريعي متواتر لا يستقيم في ذاته موطئاً لعوار. بحسبان أن مناط تقدير دستورية النص التشريعي هو باتفاقه أو مخالفته لأحكام الدستور، لا في مجرد اطراده شرعةً ومنهاجاً.
وحيث إنه لئن أفرد النص محل النظر الماثل بلدية العاصمة دون غيرها من البلديات بتنظيم خاص فإن القضاء الدستوري المقارن قد استقر على أن عموم القاعدة لا يعني انصرافها إلى جميع الموجودين على إقليم الدولة، أو انبساطها على كل ما يصدر عنهم من أعمال، وإنما تتوافر للقاعدة القانونية مقوماتها بانتفاء التخصيص، ويتحقق ذلك إذا سنها المشرع مجردة من الاعتداد بشخص معين أو بواقعة معينة تحديداً.
وحيث إن النص المعروض يتمخض بالشروط التي حدد بها نطاق ومجال تطبيقه، عن قاعدة عامة مجردة لتعلقه بتنظيم وقائع غير محددة بذواتها أو انسحابه إلى أشخاص بأوصافها. وكان مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون لا يقوم -على ما استقر عليه قضاء المحكمة الدستورية- على معارضة صور التمييز جميعها ذلك أن بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادة 4 و18 من الدستور، فالتمييز المنهي عنه بموجبهما هو الذي يكون تحكمياً، ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصوداً لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يعتبر هذا التنظيم ملبياً لها، وتعكس هذه الأغراض إطاراً للمصلحة العامة التي يسعى المشرع لبلوغها متخذاً من القواعد القانونية التي يقوم عليها هذا التنظيم سبيلاً إليها.
وحيث إن مشروع المادة 5 مكرر من قانون البلديات المضافة بمقتضى المادة الثانية من مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون البلديات الصادر بالمرسوم بقانون رقم 35 لسنة 2001، فيما اقتضاء من إفراد العاصمة بتنظيم بلدي اختصه به، مبناه قاعدةٌ عامة مجردة تستند إلى أسس موضوعية لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزاً من أي نوع بين المخاطبين بها، المتكافئة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها. وكان تمييزه العاصمة بتنظيم خاص عائداً إلى مصلحة عامة بحسبان العاصمة واجهة المملكة وتضم الأغلب الأعم من وزارات الدولة وهيئاتها العامة والسفارات والقنصليات الأجنبية، علاوة على أن العديد من المرافق التي توفرها العاصمة غير قاصرة على القاطنين فيها بل تمتد لتشمل بخدماتها جميع المواطنين والمقيمين أياً كانت المناطق التي يقيمون بها في إقليم المملكة وما يستلزمه ذلك من تدابير وتراتيب استثنائية فإن مؤدى ذلك كله أن القواعد التي يقوم عليها هذا التنظيم الخاص لأمانة العاصمة تغدو مرتبطة بأغراضها النهائية ارتباطاً غير منتحل، مؤدية إليها، مفضية لها، غير مخالفة من ثم للدستور.
وفيما يخص البند الثاني من المادة (5) مكرر المعروضة على المحكمة قد أقتضى أنه «لا يعفى أمين العاصمة أو نائبه أو أي من أعضاء مجلس الأمانة من منصبه إلا بمرسوم» وكان مؤدى هذه العبارة إطلاق يد السلطة التنفيذية -دون عاصم- في إعفاء أعضاء مجلس الأمانة، ويكون بذلك قد أخل بضمانة الاستقلال المقررة دستورياً لأعضاء هيئات الإدارة البلدية، ومخالفة المادة (50) من الدستور.
وبناء على ذلك قضت المحكمة بمطابقة المادة (5) مكرر من قانون البلديات المضافة بمقتضى المادة الثانية من مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون البلديات للدستور، فيما عدا عبارة «لا يعفى أمين العاصمة أو نائبه أو أي من أعضائه مجلس الأمانة من منصبه بمرسوم». وكانت المحكمة الدستورية تلقت 25 الماضي كتاباً من وزير الديوان الملكي رقم (ز1/1/13) تنفيذاً للأمر الملكي رقم 36 لسنة 2014 بإحالة مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون البلديات الصادر بالمرسوم بقانون رقم 35 لسنة 2001 إلى المحكمة الدستورية قبل إصداره لتقرير مدى مطابقة المادة 5 مكرر منه للدستور.