إن حق النقض «الفيتو» الذي يمنح للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن حق الاعتراض وإجهاض أي مشروع قرار يُقدم إلى مجلس الأمن دون إبداء أسباب للاعتراض، لهو وصمة عار في جبين البشرية ومنظمتها الكرتونية التي تسمى مجازاً بالـ «الأمم المتحدة»، وميثاقها الذي ينص في ديباجته على أنه «نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب، وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد، وأن نأخذ أنفسنا بالتسامح، وأن نعيش معاً في سلام وحسن جوار، وأن نضم قوانا كي نحتفظ بالسلم والأمن الدولي،......إلخ»، إلى غير ذلك من العبارات الرنّانة والشعارات البرّاقة، فلا الحرب توقفت يوماً منذ إنشاء هذه المنظمة في عام 1945، ولا عمّ السلم والأمان كوننا، ولا حُفظت كرامة الفرد وإنسانيته.

إن استئثار هذه الدول الخمس «أمريكا- روسيا- فرنسا- بريطانيا والصين» بامتياز حق النقض «الفيتو» ساهم بشكل أساس في الاضطرابات والمشاكل التي يعاني منها عالمنا اليوم، وذلك نتيجة لأنه يمكّن لدولة واحدة أن تقف ضد رغبة بقية الدول في المنظمة، لذا فإنه لا عدالة ولا مساواة ولا حقوق داخل هذا الكيان الكرتوني نفسه، ولا قيمة لميثاقه الذي وُضع ليكون سيفاً مسلطاً على رقاب الضعفاء من الدول، ووسيلة لابتزازها من أجل أن تسعى لتخطب ود الخمس «العظام» مقدمةً في سبيل ذلك الغالي والنفيس من أجل خلق تحالفات سياسية تضمن لها صوتاً مسموعاً وظهراً مسنوداً داخل منظومة الاستعمار العالمي الجديد الذي يستمد شرعيته من ميثاق الكيان الكرتوني نفسه .

هذه الكلمة «فيتو» كانت ولا زالت السبب في حماية الكيان الإسرائيلي الغاشم من قرارات الأمم المتحدة المتعددة منذ قيامه المشؤوم على أرضنا الفلسطينية الحبيبة، وهي الكلمة نفسها التي أجهضت الكثير من القرارات التي كانت تسعى إلى حقن الدماء الإنسانية التي سالت، وإلى تأمين اللاجئين الفارين من بلادهم بسبب الحروب التي تفجرت نتيجة لمصالح وأغراض سياسية ضيقة لا تُراعي فينا لا رحمة ولا إنسانية ولا كرامة.

هؤلاء الخمس العظام، من أعطاهم الحق في التحكم في مصائر البشرية؟! ما هي مميزاتهم التي بموجبها تم منحهم هذا الامتياز الظالم؟! وكيف لصوتٍ واحدٍ أن يغلب 192 صوتاً؟! عن أي عدالة تتكلمون وبأي منطق تتوقعون أن يعم السلام والأمن عالمنا؟!

أهم الأكثر تنمية وتطوراً؟! لا، فهناك العديد من الدول التي تفوقهم تطوراً ونماءً. أهم الأكثر تقدماً في مجال التنمية البشرية؟! لا، فهناك الكثير من الدول التي تسبقهم في هذا المجال. أهم الأكثر تسامحاً وعدالةً اجتماعية وتعليماً وحريةً ؟!! لا ثم لا ثم لا. أهم الأقوى اقتصاداً؟! ربما نعم ولكنهم أيضاً الأكثر تلويثاً لبيئتنا واستهلاكاً للمواردنا الطبيعية. أهم الأقوى تسليحاً ؟!! ربما نعم ولكن، هل عالمنا محتاجٌ إلى تسابقٍ وتنافسٍ في التسليح والخراب والدمار أم محتاجٌ للتنافس في البناء والتطوير والتنمية؟!

لا شك في أن منظمة الأمم المتحدة مطالبةٌ اليوم بتعديل نظامها وهيئاتها لاستحداث آلية لاتخاذ قراراتها بما يتماشى مع متغيرات العصر وضمان التمثيل المتوازن لجميع القارات والدول بما يتسق مع تطلعات الشعوب ورغباتها في عالم تحكمه العدالة ومرتكزه الإنسان بلا تمييز أو تفرقة. لا فرق لدولة على دولة الا بتعظيمها للإنسانية وسعادتها، ولا امتياز لدولة على أخرى إلا بمقدار مساهمتها في تنمية وتطويرالدول الأقل تطوراً.

يا شعوب العالم الطامحة للمستقبل، اتحدوا وأوقفوا هذا الـ «فيتو» فعالمنا من دونه أجمل، وغدنا بعده أعدل وأرقى وأفضل.