عندما يعلن أحد الزوجين أو كلاهما رغبتهما في الطلاق وعدم العيش معاً تحت سقف واحد، يهب أفراد العائلة والمختصون في الإرشاد الأسري لمساعدة الزوجين لحل المشاكل بينهما ليتجنبوا هذا الطلاق وفض الميثاق الغليظ الذي نشأ بينهما، ويكون الدافع الحقيقي وراء اجتهادهم للم شمل هذه الأسرة مرة أخرى هي مصلحة الأبناء فهم عادة ما يضعون أمام أعين الأبوين حجم الضرر الذي سيتعرض له الأبناء نتيجة هذا الطلاق من أضرار مادية ونفسية واجتماعية، وغالباً ما يكون التركيز على الأضرار النفسية والخلل الذي سينتج عن فراق الوالدين في تربية الأبناء وتنشئتهم، فتربية الأبناء تربية صحيحة لا تكون إلا في ظل أسرة بها أبوان متحابان متماسكان يضعان نصب أعينهما هموم تربية الأبناء ويحرصان على مصلحتهم ويتعاونان على تنشئتهم تنشئة سليمة، وكثيراً ما تنجح هذه الجهود وتعود المياه إلى مجاريها ويصطلح حال الأسرة ويستقر الأبناء وذلك بالنصح والتوجيه وأساليب التهدئة والوصول لحلول وتسويات للمشكلات التي تقع بين الزوجين وغيرها من الجهود التي يبذلها بعض أفراد العائلة أو المعنيون بالإصلاح الأسري ويكون الأبناء هم الطرف المستفيد.

ولكن هناك نوع من الطلاق تقع آثاره الخطيرة على الأبناء دون أن يمد أحد يد العون للأبناء إنه الطلاق غير الرسمي والذي يحدث عادة في صمت إن صح التعبير، فقد يختلف الأبوان ويدب الشقاق بينهما حتى يؤدي إلى الفراق الحقيقي، فيقرران أن يفترقا «بدون طلاق رسمي»، فيعيشان تحت سقف واحد ولكن دون علاقة تجمعهما فلا مودة ولا رحمة بين الزوجين، ولا لغة حوار ولا مصارحة بينهما بل ربما لا تواصل فيكون الأبناء هم حلقة الوصل عندما يحتاج أحد الأطراف طلب شيء ما من الآخر فيصبح زواجهما منتهياً فعلياً ولكنه مستمر شكلياً. هم يحافظون على شكل الأسرة بسبب خوف كل طرف من تبعات الطلاق الشرعي، ونقد المجتمع. فيحرص فيه الزوجان على إدارة المنزل والالتزامات الروتينية وتربية الأطفال، ويتم الاتفاق ضمنياً على الحياة معاً ولكن كل طرف ليس له علاقة بالآخر فلا يؤذي بعضهما البعض، ‏وتتعاظم المشكلة عندما يسل كل طرف سيف العداوة ضد الآخر في صمت فيتعمد كل طرف تشويه صورة الطرف الآخر لدى الأطفال.

فتلك الأسرة التي تتصدع في صمت تعجز عن تربية الأبناء تربية صحيحة ويعاني الأبناء من نفس الأضرار التي يعاني منها أبناء المطلقين فلا يشعرون بترابط أسري يحفهما، ولا تماسك أسرياً يحميهم من عاديات الزمن تلك البيئة غير السوية تؤثر سلباً على تنشئة الأبناء ونموهم النفسي والاجتماعي، فقد يعاني الأبناء من الاكتئاب الشديد، وعدم القدرة على مواجهة الحياة، وبالتالي يعيشون حالة من القلق، هذا إضافة إلى بحثهم المستمر عن الحنان المفقود ما قد يُعرِّضهم إلى المخاطر. بل يتعدى ذلك إلى الحرمان العاطفي لدى الأبناء، فيكبت كل طرف صرخاته وآلامه فلا من مغيث، ولا أحد يستطيع أن يمد يد العون لهذه الأسرة ويعاني الأبناء من آلام الطلاق غير الرسمي وغير المعلن في صمت ويتجرعون آلام الصبر حتى وإن كانوا صغاراً.

تلك الأسرة هي أولى بالإرشاد الأسري وأولى بمساندة الأهل، فالزوجان يحتاجان لنصح ولمساندة تعينهما على تجاوز المحن والخلافات التي تدب بينهما والتي أدت إلى الطلاق الصامت «غير الرسمي»، ولربما أسباب الخلاف بسيطة فلو باح الزوجان بها لأحد أفراد الأسرة القادرين على حل المشاكل الزوجية لاستطاعا تجاوز تلك الأزمة ولما عاشت الأسرة حياة كلها ضيق وهم وشاركهم أبناؤهم في تلك المعاناة فبعض الأزواج يستسهل آثار الطلاق الصامت «غير الرسمي»، ويعتبر ذلك دليل قوته وصبره فهو يرى أنه قادر على حل المشاكل دون مساعدة الآخرين وهو قادر على الحفاظ على شكل الأسرة دون مساعدة الآخرين وينسى حجم الأضرار التي تقع على الأبناء نتيجة هذا النوع من البيئة المتصدعة، فكان الأولى بهم أن يطلبوا المساندة من الأقارب أو من المختصين في الإرشاد الأسري خير من السكوت وتربية الأبناء في بيئة غير سوية.

كما على الزوجين اللذين ظهرت لديهما بوادر الانفصال العاطفي ألا يستسلما له وأن يحاولا سوياً تخطي المشكلات التي تواجههما أولاً بأول حتى لا تتراكم فيصعب حلها، وعلى كل منهما أن يواجه السلبيات ويحاول القضاء عليها والعمل على إنعاش العلاقة بينهما ففي رحلة الحياة الزوجية ستكون هناك أزمات تمر بها الأسرة ولكن المهم الا تطول مدة الخلافات الزوجية والشريك الذكي هو الذي يبدأ ويقدم لشريكه يد العون والتفهم والنجاة بالسفينة، والعون على مساعدتهم لاجتياز تلك الأزمة، وعليهما أن ينظرا إلى أطفالهما نظرة إيجابية فهم نعمة يحلم بها كثيرون ويجب أن يحافظا عليها ويحرصا على تنشئتهم في بيئة صحية وفي جو أسري مترابط متماسك.

ودمتم أبناء وطني سالمين.