على الرغم من اتحاد المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية، سواء من حيث الأساس الواحد الذي تقوم عليه المسؤوليتان وهو "أن كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض"، ووحدة الأركان المتمثلة في ركن الخطأ والضرر وعلاقة السببية، إلا أنهما تختلفان فيما بينهما في كثير من الأحكام التي تميز كل واحدة عن الأخرى حتى تطبق كل منهما فيما تخصه من وقائع.

في البداية، لا بد لنا من الإشارة إلى تعريف كل منهما لتكون نقطة الارتكاز لشق طريق الموازنة بين الاثنتين بالشكل الصحيح، فالمسؤولية العقدية تترتب على عدم تنفيذ الالتزام الناشئ عن العقد على الوجه المتفق عليه، وهذا يقتضي أن يكون هناك عقد صحيح في العلاقة بين الدائن والمدين، فإذا لم يوجد عقد بينهما أو كان العقد باطلاً لا تقوم أو تنشأ هذه المسؤولية، أما المسؤولية التقصيرية تتمثل جزاء على الإخلال بالالتزام القانوني العام بعدم الإضرار بالغير خارج نطاق العقود، فكل إخلال بهذا الالتزام العام ينشئ مسؤولية على المخل لتعويض ما يقع بالمضرور من أضرار، كمسؤولية سائق السيارة الذي يقودها دون حيطة فيصيب إنساناً أو يتلف مالاً. والالتزام القانوني العام في هذا الصدد ليس التزاماً محدداً، ولا يشكل عنصراً من عناصر الذمة المالية، أي لا يعد ديناً محدداً في ذمة الملتزم به، ولكنه يعد واجباً يفرضه القانون على الكافة، فإذا وقع إخلال بهذا الواجب العام، وأضر به الغير قام الالتزام بالتعويض في ذمة من وقع منه الإخلال بالالتزام العام.

ونلي ذلك ببعض النقاط التي تمثل جوهر اختلاف بين المسؤوليتين وفقاً لما استقر عليه الفقه والقضاء والتي تتمثل في الآتي، أول الإنذار أو الإخطار، ففي المطالبة بالتعويض عن الضرر في إطار المسؤولية التقصيرية لا يستلزم من المضرور إخطار الطرف الذي تسبب في وقوع ذلك الضرر. بخلاف الوضع في الميدان التعاقدي إذ إن المسؤولية العقدية لا تتحقق إلا بعد وضع المدين في حالة معرفة، مما يستوجب أعذاره خصوصاً في الحالات التي يكون فيها الالتزام غير محدد الأجل. أما بشأن ارتباط المسؤوليتين بالنظام العام، ومجال الاتفاق على الإعفاء أو التخفيف من التعويض، فإن المسؤولية التقصيرية متعلقة بالنظام العام بحيث لا يمكن الاتفاق مسبقاً على مخالفة قواعدها، فلا يمكن للشخص أن يتنازل عن المطالبة بحقوقه المدنية بشكل مسبق قبل حدوث مصدر الضرر. أما المسؤولية العقدية غير متعلقة بالنظام العام بحيث يمكن الاتفاق على التخفيف من حدتها أو استبعاد الضمان المترتب عنها أصلاً، إلا أن هذا الأصل ترد عليه جملة من الاستثناءات التي تكون فيها للمسؤولية والضمان العقدي علاقة بالنظام العام. ومن حيث الإثبات فإن المسؤولية التقصيرية تلزم الدائن بإثبات أن المدين قد خرق التزامه القانوني وارتكب عملاً غير مشروع، أما المسؤولية العقدية يتحمل المدين عبء إثبات قيامه بالتزامه العقدي بعد أن يثبت الدائن وجود العقد. وبالتطرق للأهلية فإن قوام الالتزام العقدي أن تتجه إرادة العاقد إلى الالتزام بالتنفيذ العيني وإلا ألزم بالتنفيذ بطريق التعويض، بخلاف الحال في نطاق المسؤولية التقصيرية حيث يلتزم الشخص بالتعويض على غير إرادته بقوة القانون، ويترتب على ذلك الاختلاف أن مناط الالتزام العقدي هو توافر الأهلية في شخص الملتزم، في حين أن مناط الالتزام في نطاق المسؤولية التقصيرية هو مجرد توافر التمييز من جانب الملتزم، بل إنه يكون مسؤولاً في بعض الحالات ولو كان غير مميز. أما من حيث مدى تعويض الضرر فإن المسؤولية العقدية لا يكون التعويض إلا عن الضرر المباشر متوقع الحصول. أما في المسؤولية التقصيرية فيكون التعويض عن أي ضرر مباشر، سواء كان متوقع أو غير متوقع الحدوث. أما بشأن التضامن فإنه لا يوجد تضامن بين المدينين إذا تعددوا في نطاق المسؤولية العقدية كقاعدة عامة ما لم يوجد اتفاق أو نص في القانون يقضي بغير ذلك، فهو أمر غير مفترض. بعكس الحال في نطاق المسؤولية التقصيرية حيث إن التضامن بين المدينين في حالة تعددهم أمر مفترض بقوة القانون، فلا يحتاج اتفاق أو نص خاص لتقريره. أما التقادم، فإن المسؤولية العقدية تتقادم بمرور خمس عشرة سنة من تاريخ إبرام العقد، في حين تتقادم دعوى المسؤولية التقصيرية بمضي ثلاث سنوات من تاريخ العلم بالضرر وبمن يسأل عنه أو بخمس عشرة سنة من تاريخ وقوع الضرر.



وهذه الاختلافات بين نوعي المسؤولية تؤدي إلى نتائج عملية مهمة أخصها أن أحكام المسؤولية التقصيرية أفضل للمضرور من زوايا عدة في كونها أوسع نطاقاً من المسؤولية العقدية.

مكتب المحامي بندر بن شمال الدوسري

[email protected]