تعليقات كثيرة وصلتني على مقالي السابق «القمة العربية.. المطلب الأوحد»، بعضها مشيد بالمقال وواقعيته، والآخر منتقد صيغة التفاؤل «المحدود» فيه، جازم بأنه لا أمل في هذه القمم العربية ولا خير مرجواً منها، بل إن البعض قد ذهب إلى وصف المقال بأنه «تطبيلٌ» للقادة العرب.

الحقيقة أن القمة العربية في الظهران «قمة القدس»، حملت العديد من الإشارات الإيجابية التي تبشّر بأن هذه الدورة التي كانت برئاسة المملكة العربية السعودية سوف تشهد خلال الفترة المقبلة، وبالتعاون مع بعض الدول العربية الأخرى، اختراقات فاعلة في الأزمات التي تعصف ببعض الدول العربية وتهدد أمنها وكيانها واستقرارها والمتمثلة في التحزبات الداخلية والتدخلات الأجنبية في شؤونها والتجاذبات الإقليمية في سياساتها الخارجية، والتي أدت إلى عزل هذه الدول عن محيطها العربي وبالتالي أصبحت خنجراً في خاصرة الجسم العربي بدلاً من أن تكون سنداً لظهره ووتداً لخيمته، مما سينعكس إيجاباً في إعادة الاستقرار لتلكم الدول من خلال دعم مؤسساتها الوطنية وقياداتها الشرعية وبالتالي المساهمة في ترتيب أوضاعها الداخلية تمهيداً لإعادة دمجها في البيت العربي من جديد، وهو بلا شك تحدٍ كبير يحتاج الكثير من الجهد والوقت للوصول لتوافقات وتفاهمات بين الفرقاء السياسيين تؤدي إلى تحقيق المصالحات الوطنية.

إن إطلاق «قمة القدس» على الدورة الحالية لهو ردٌ واضحٌ وصريح على الرفض العربي القاطع لقرار الرئيس الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، كما أن الدعم المادي «200 مليون دولار» الذي أمر به خادم الحرميين الشريفين لتمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين «الأونروا» والأوقاف الإسلامية في مدينة القدس لهو رسالة واضحة بأن القدس ستبقى قضية العرب الأولى، وإن انشغل العرب بغيرها خلال الفترة الماضية نتيجة لما أصاب المنطقة من أحداثٍ مشؤومة.

إن التقارب الذي ظهر جلياً هذه المرة في وجهات نظر الدول العربية، حيال الأزمات في سوريا واليمن والعراق وليبيا ولبنان، من ضرورة وجود تدخل عربي فاعل يواجه التدخلات الإقليمية والحزبية في هذه الدول ويعمل على حلحلة المشاكل ضمن البيت العربي لهي خطوة هامة تأخرت كثيراً، مما أدى إلى ترك المجال مفتوحاً للدول الإقليمية والدولية أن تفرض سيطرتها وأجندتها الخاصة في المنطقة وتعيث فيها فساداً وحروباً وتقتيلاً ونهباً لخيراتها ومقدراتها وتشريداً لأهلها.

إن التفاؤل الواقعي يقوم على أسس ثلاثة، أولها، حسن الظن وعدم التشكيك، وثانيها، الوعي الحقيقي بالواقع والمقدرات، وثالثها، العمل والاجتهاد، لذا فإن حسن الظن بالحكومات العربية والثقة في خطواتهم، وإن اختلفت سبلها، هو أول لبنة في بناء التفاؤل المنشود، كما إن الوعي بالأخطار المحدقة والوضع العربي المتأزم بعد أحداث الربيع العربي المشؤوم وما خلّفه من انشقاق سياسي كبير وتدهور أمني واقتصادي ومعيشي مريع في بعض دول المنطقة، مدعاة لأن نفهم ونعي حجم التحدي وعظم المسؤولية الملقاة على عاتق الجميع لرأب الصدع وتجاوز التدهورات ومحاولة العودة على الأقل لما قبل يناير 2011 وخفض سقف طموحنا المرجو من مخرجات القمم العربية في هذه المرحلة إلى مطلب العمل على ترتيب البيت العربي وتقوية بنيانه فقط. كذلك فإن العمل والاجتهاد كل في مجاله وبث الروح الإيجابية والتعريف بأي إنجاز محلي أو عربي ودعمه بأي وسيلة كانت لهو واجبٌ تقتضيه المسؤولية المجتمعية من الجميع، حكومات كانت أو مؤسسات أو أفراداً، كما إن النقد البناء والهادف من أجل المصلحة العامة مطلوبٌ لتقييم الأداء الحكومي والمؤسساتي وتقويمه وصولاً إلى الرضا المنشود.

إن واقعنا العربي، وإن لم يصل إلى ما نرجوه من أمنيات وطموحات، إلا أنه على درب النجاح سائر بصدق النوايا وعزيمة لا تعرف اليأس والإحباط الذي يحاول البعض أن يبثه في وسائل التواصل وعلى القنوات الفضائية، أولئك الذين تأبى عيونهم ومن قبلها عقولهم وقلوبهم أن ترى في واقعنا أي خير أو بريق أمل أو شمعة تفاؤل. أي إنجاز محلي أوعربي لا يسعدهم، وأي تقارير دولية عن نمو أو تطور في منطقتنا العربية أو مشاريع عملاقة لا تسلم من نقدهم أو تبخيسهم لها، لذا لا عجب أن يكون تفاؤلنا بتجمع قادتنا والروح الإيجابية التي سادت في قمة القدس، وإيماننا بمقدراتنا وشبابنا القادر على صنع غدٍ أفضل هو «تطبيل» في قاموسهم، ولهم نقول «إن كان تفاؤلنا تطبيلاً، فأنعم به من تطبيل، واكتبوا في قاموسكم بأنني أكبر المطبلين».