المتابعون للفضائيات «السوسة»، الإيرانية وتلك التابعة للنظام الإيراني لا بد أنهم انتبهوا إلى حالة القلق التي انتابتها وهي تترقب قرار الرئيس الأمريكي المتعلق بالاتفاق النووي، والأكيد أنهم لاحظوا البؤس في عيون مذيعي ومقدمي البرامج في تلك الفضائيات ومحاولاتهم المستميتة لإقناع مشاهديهم بأن انسحاب الولايات المتحدة رغم أنه مؤلم إلا أنه لن يكون له أي تأثير على النظام الإيراني، بل بالغوا إلى حد الترويج لفكرة أن الولايات المتحدة هي الخاسر الأكبر من قرار الانسحاب لو حدث وليس النظام الإيراني.

والمتابعون لتلك الفضائيات لابد أنهم انتبهوا أيضاً إلى حالة الأسى التي صارت فيها والتي فشل مذيعو ومقدمو برامجها في إخفائها عن وجوههم بعد إعلان الرئيس ترامب قراره بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، فالقرار كان بمثابة الصفعة للنظام الإيراني الذي ظن أن تهديدات ترامب ليست إلا مزحة خشنة أو مناورة سياسية لتحقيق مكاسب إضافية وروج لفكرة أن الولايات المتحدة والغرب هم الأكثر حاجة لذلك الاتفاق وخسارتهم في حال فشل المشروع أكبر.

بعد ذلك مباشرة تتالت البرامج السياسية في تلك الفضائيات أملاً في التخفيف عن النظام الإيراني وأتت بكل من تمكنت من الإتيان به ليسهم في هذا الاتجاه وليساهم في محاولة إقناع المشاهدين بأن ما جرى «عادي» و«متوقع»، ولم يبق سوى أن يقولوا إن قرار الانسحاب كان «أمنية» بالنسبة للنظام الإيراني وإن مسؤولي النظام يقدرون هذه الخطوة للرئيس ترامب ويشكرونه عليها!

لولا أن حكومة الولايات المتحدة تبينت ما بين سطور الاتفاق النووي وأدى ذلك إلى اتخاذ الرئيس ترامب قراره الشجاع بالانسحاب منه لدخلت المنطقة في نفق مظلم ولتضررت كل دوله، فأي شيء كان يمكن يوقف النظام الإيراني بعد التوقيع النهائي على الاتفاق؟ وأي شيء كان يمكن أن يحمي دول المنطقة والمنطقة برمتها من سفه ذلك النظام وعنجهيته؟

الاتفاق النووي من دون بنوده السرية كارثة على المنطقة فكيف بتلك البنود التي لا يعلم بها غير أطراف الاتفاق والتي تصب في كل الأحوال في مصلحة النظام الإيراني والتي لولا قلق قادة دول المنطقة منها لما ذهبوا وذهب ممثلوهم إلى أمريكا والتقوا بالرئيس ترامب الذي من الواضح أنه تفهم مخاوف دول المنطقة وأدرك أن مصلحة الولايات المتحدة هي مع حلفائه التقليديين في المنطقة وليس مع النظام الإيراني المعروف بغدره والذي لا يرى في الدائرة غير نفسه وشعاره «مرق مرق أمريكا».

من القصص التي صارت الفضائيات «السوسة» تروجها أن الانسحاب من الاتفاق يضر بالمنطقة وبالولايات المتحدة وحلفائها وبالعالم أجمع وليس بالنظام الإيراني وأن هذا النظام هو الرابح في كل الأحوال وإن كانت أرباحه لو تم توقيع كل الأطراف ذات العلاقة عليه أكبر، ومنها أيضاً أن الشركات الأوروبية هي الخاسرة من قرارات وزارة الخزانة الأمريكية وليس الشركات الإيرانية، وكذلك أن القرار تهديد للأمن الدولي وأضراره ستطال حلفاء الولايات المتحدة والولايات المتحدة نفسها وسيتسبب في حالة من عدم الاستقرار ويهدد مصالح أوروبا ومصالح كل من له مصلحة في المنطقة، وغيرها من قصص ليست مقنعة إلا للمهووسين بالنظام الإيراني والذين يشاركونه تقبل العزاء، وكذلك المخدوعين به وبنواياه أمثال الرئيس الأمريكي السابق الذي دفع بكل ما يستطيع في اتجاه الوصول إلى ذلك الاتفاق وفرضه على الحكومة الأمريكية.

الفضائيات «السوسة» التي لم تستطع إقناع أحد بصدق توجهات النظام الإيراني طوال السنوات السابقة رغم كل ما فعلته وكل ما صرفته من أموال لن تتمكن من بيع ما تروج له اليوم بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي على أحد، فكما أن الحلال بين والحرام بين كذلك فإن ما جرى ويجري في الساحة بين، بل أبين.