* انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي الإيراني بداية انهيار النظام الإيراني من الداخل

* المصالح التجارية الأوروبية الإيرانية تدفع الدول الأوروبية لمعارضة الانسحاب من النووي الإيراني

* تركيا الحليفة تجارياً مع إيران وجدت مقعداً شاغراً للتحالف مع إيران بعد الانسحاب الأمريكي

* الرقابة الدولية على ملف إيران النووي لم تكبح جماح طهران في دعمها للخلايا الإرهابية بالمنطقة

* السعودية ترى أن الانسحاب الأمريكي من النووي يجنب الدول المواجهة العسكرية مع إيران في 2025

* المواجهة العسكرية بين النظام الإيراني والولايات المتحدة إن تمت ستهدد أمن دول المنطقة

* العقوبات الاقتصادية القادمة على النظام الإيراني ستنقل الحرب من خارج إيران إلى الداخل

الرئيس الأمريكي ترامب سجل هدفاً في مرمى التاريخ بإعلانه انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي الإيراني الذي تم عام 2015 باتفاق بين كل من إيران والقوى الكبرى متمثلة في ألمانيا وبريطانيا والصين وروسيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي على رفع العقوبات الدولية المفروضة على البرنامج النووي الإيراني مقابل تخلي إيران عن الجوانب العسكرية لبرنامجها النووي وأهمه تطوير برامجها وتصنيع القنبلة النووية وأن تكون أنشطتها تحت الرقابة الدولية.

كما هو واضح لنا أن ترامب سعى جاهداً لمعالجة سياسات الإدارة الأمريكية السابقة المتمثلة في قرارات أوباما الخاطئة والفوضوية وتقليم أخطاء عهد تلك الفترة الرئاسية التي لم تخدم ملف السلام الدولي والسؤال المطروح والمتداول اليوم: هل سيتوقف المشروع النووي لإيران أم أن القرار الأمريكي لن يكون عائقاً أمامه؟ هل ستكون هناك حرب عالمية ثالثة -لا سمح الله- في حال تعنت إيران وتمسكها بالبرنامج النووي مقابل قيام أمريكا بشن حملة عقوبات اقتصادية وضغوطات لمنع استكمال برنامجها النووي المدمر حتى وإن وصل الأمر إلى تدخل عسكري لتدمير مواقع البرنامج؟

في عام 2015 وجد البعض أن الاتفاق النووي الإيراني إنجاز دبلوماسي يضمن ألا تعمل طهران على تطوير قنبلة نووية تستخدم لأهداف عسكرية في المنطقة وأن الاتفاق من الممكن أن يلجم أنشطة إيران التوسعية في المنطقة والتي تدعمها عن طريق تمويل الإرهاب، فيما على أرض الواقع والمتتبع لمرحلة ما بعد الاتفاق النووي الإيراني في عام 2015 يجد أن الاتفاق بالأصل دعم موقف إيران وعزز قدراتها في المنطقة، والدليل قيامها بمد الحوثيين في اليمن بصواريخ باليستية، مما عمل على خلق حالة تهديد مستمرة لأمن المملكة العربية السعودية ومواصلة حرب التدمير والإرهاب من قبل النظام السوري باستخدام أسلحة كيميائية على الشعب السوري الأعزل، كما أنها دعمت جرائم حزب الله الإرهابي في لبنان والحشد الشعبي في العراق وعززت نشاط الخلايا الإرهابية في المنطقة بالعموم، مما يعكس أن إيران ترغب بتطوير برامجها النووية وإن قيدت لمدة 15 عاماً فقط فإن هناك هدفاً مستقبلياً ستظل تسعى إليه دائماً عن طريق وضع القواعد الأساسية له في هذه الدول.

ترامب عندما أعلن عودة العقوبات المفروضة على النظام الإيراني بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي الإيراني لربما في ذلك وضع ترامب فاصلة تاريخية لا نقطة النهاية في ملف الاتفاق النووي الإيراني، حيث الدول الأوروبية تبدو مصممة على الالتزام بالاتفاق مع إيران، والدليل حث واشنطن على عدم عرقلة تنفيذ الاتفاق، كما أعلنوا أنهم سيعملون مع روسيا والصين على مواصلة دعمه، مما يعكس التقاء مصالح هذه الدول مع إيران كقوة إقليمية في المنطقة يراد لها الثبات والبقاء لأطماع وأهداف مشتركة، حيث كشف الرئيس الإيراني حسن روحاني أن هناك تحركاً من قبل وزارة الخارجية الإيراني للتفاوض مع الدول الأوروبية والصين وروسيا.

تركيا الحليفة مع إيران تجارياً وجدت من الانسحاب الأمريكي للملف النووي الإيراني فرصة لها، كما أعلن وزير اقتصاد تركيا أن الرئيس التركي أردوغان انتقد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي الإيراني، فتركيا وإيران وقعتا اتفاقية تجارة تفضيلية دخلت حيز التنفيذ في عام 2015 وتقضي الاتفاقية بتخفيض نسبة الضرائب المفروضة على 140 منتجاً من تركيا و125 منتجاً من إيران أي ما مجموعه 265 منتجاً، فتركيا التي سعت إلى التحالف مع تنظيم الحمدين في قطر لن تتوانى وتتأخر أيضاً في استغلال الفرصة للتحالف مع إيران وإن وصل الأمر إلى التحالف العسكرين فالأطماع التوسعية واحدة لهاتين الدولتين اللتين تجدان أن لهما تاريخياً في دول المنطقة انتهى بانسحابهما كدول مستعمرة.

الاتفاق النووي الإيراني الذي ألزم إيران بالسماح بدخول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لكل المواقع الإيرانية المشتبه بها ويشمل ذلك مواقع عسكرية يتم الوصول إليها بالتنسيق مع الحكومة الإيرانية وامتناع إيران عن بناء مفاعلات تعمل بالماء الثقيل وعدم نقل المعدات من منشأة نووية إلى أخرى لمدة 15 عاماً وحظر استيراد أجزاء يمكن استخدامها في برنامج إيران للصواريخ الباليستية لمدة 8 سنوات، كما يحظر استيراد الأسلحة لمدة 5 سنوات، كما أن الاتفاق يسمح بإعادة فرض العقوبات خلال 65 يوماً إذا لم تلتزم طهران بالاتفاق، ولا توجد خارطة طريق واضحة في مسألة لي ذراع إيران عن دعم الإرهاب بالمنطقة وتطوير برامجها النووية واستخدامها لأغراض عسكرية، والدليل تصريح ولي العهد السعودية في أبريل الماضي خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الفرنسي بباريس عندما لمح إلى أن استمرار الاتفاق النووي الإيراني سيؤدي إلى حرب عالمية، حيث إن الاتفاق النووي يقضي بتجميد أنشطة إيران النووية لمدة 15 عاماً، لكن ماذا لو قامت في 2025 وبعد انتهاء مدة الاتفاق بتصنيع قنبلة نووية في أيام معدودة؟ لذا فبعد إلغاء الاتفاق وإذا ما أرادت إيران تصنيع قنبلة نووية فسوف يستغرق الأمر من عام إلى عامين وهو وضع أفضل فيما لو انتهى الاتفاق في عام 2025، وبات لدى إيران أيام قليلة فقط، حيث سيكون الوضع خطيراً في منطقة الشرق الأوسط وتكراراً لما حدث في عام 1938 حينما قامت الحرب العالمية الثانية، وكما أعلن ولي العهد السعودية في مارس الماضي إذا سعت إيران لتصنيع قنبلة نووي، فإن السعودية ستفعل الأمر ذاته.

ترامب في أكتوبر 2017 لمح إلى إلغاء الاتفاق النووي الإيراني في أي وقت، وكان واضحاً أن ترامب أراد أن يلغي كل الأخطاء الفادحة التي قام بها الرئيس الأمريكي السابق باراك اوباما الذي تعد فترته الرئاسية أسوأ فترة مرت في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية والدول الحليفة لها، ترامب كشف جانباً مهماً يشكل قناعة لدى دول المنطقة عندما أكد أن طهران لا تلتزم بروح الاتفاق النووي، فالاتفاق من المفترض أن يسهم في تحقيق السلم والأمن الدوليين، وسلوكيات إيران في المنطقة خير دليل على أن الواقع عكس ما تم، وهل إيران التزمت يوماً بعدم التدخل في سيادة الدول المجاورة؟ إيران دولة معادية بالأصل لمشروع السلام الدولي ولا تعترف بمبادئ حقوق الإنسان، ومشاريعها التوسعية في المنطقة لن تكون إلا عن طريق السلاح النووي الذي تسعى إليه، لذا فتقييد النظام الإيراني باتفاقيات لن يثنيها عن مواصلة تنفيذ مشاريعها الإرهابية وستظل إيران دائماً الدولة الأولى التي تهدد السلم والأمن الدولي، فإيران التي لم تلتزم بالأعراف والمبادئ الدولية والحفاظ على سيادات الدول وعدم التدخل هل سيثنيها اتفاق ينتهي بعد 15 عاماً على عدم استخدام الأسلحة النووية للتدخل العسكري؟

هناك سؤال آخر مطروح بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني: هل ستقوم حرب في المنطقة في حال إصرار إيران على تنفيذ برنامجها النووي؟ هل ستكون هناك مواجهة عسكرية بين النظام الإيراني والولايات المتحدة الأمريكية؟ لو قامت أمريكا بضرب المنشآت النووية الإيرانية لتدمير البرنامج النووي الإيراني فإيران بالتأكيد ستقوم بضرب القواعد الأمريكية في المنطقة أي في دول الخليج العربي مما يفضي إلى انطلاق شرارة حرب عالمية، وبالتأكيد الدول العظمى ستبحث هنا عن مصالحها الخاصة مع إيران بدلاً من دعم عملية السلام العالمي، هذا سيناريو مستقبلي مطروح لكن سحب اتفاقية الملف النووي يعني إضعاف إيران اقتصادياً وتنموياً وفرض العقوبات عليها يعني إضعافها من الداخل وشل حركة نشاطها النووي بالكامل.

فهناك عقوبات متنوعة تنتظر النظام الإيراني ويرى محللون أن أغسطس المقبل، سيحدد مسألة تفعيل هذه العقوبات، حيث ستؤثر على قدرة إيران على شراء الدولار الأمريكي والتجارة في الذهب وغيره من المعادن، بجانب قيود على الطيران وصناعة السيارات، في حين في نوفمبر القادم ستتضمن إجراءات تتعلق بالمؤسسات المالية والنفطية الإيرانية وستتأثر عائدات النفط الإيراني مما ينعكس على شركات النفط الأوروبية، حيث العديد من هذه الشركات وقعت عقوداً بعد الاتفاق النووي، ولعل هذا ما يشير إلى أسباب تمسك الدول الأوروبية بالاتفاق النووي الإيراني، فالعديد من الشركات الأوروبية قد تنهار مع انهيار الاقتصاد الإيراني جراء الاتفاقيات الموقعة بينها على إثر الاتفاق النووي، لذا فالمصالح التجارية الأوروبية الإيرانية في طريقها إلى الانهيار بعد فرض العقوبات.

هل ستتهاوى إيران اقتصادياً؟ هذا أيضاً سؤال يجب أن يأخذ بالاعتبار، فعلى ما يبدو أن الحرب والفوضى التي سعت إيران لسنين طويلة إلى تصديرها لدول المنطقة ستنتقل إلى عقر دارها، وهناك العديد من القطاعات التنموية التي ستتأثر جراء ذلك، فحسب أحد التقارير ارتفع عدد السياح في إيران إلى خمسة ملايين سائح في 2015 مقابل 3.8 مليون سائح في 2012، مما ينذر أن الحرب القادمة لن تكون بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بالمنطقة، إنما في الداخل، أي بين النظام الإيراني والشعب الإيراني الذي لا بد أن ينتفض يوماً جراء سياسات هذا النظام الذي لا يضع حقوق الشعب ضمن أولويات اقتصاده المتعثر، فالنظام الإيراني سيتهاوى إلى الزوال قريباً بإذن الله.