جهود دؤوبة لكل أفراد الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، وعلى رأسهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، من أجل حماية شعب فلسطين ووقف العدوان الهمجي على قطاع غزة، ووقف الاستيطان، والحؤول دون مواصلة الاحتلال لتهويد القدس، وتأمين حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
تجلت صورة الموقف الفلسطيني بأبهى حللها، بأن الشعب الفلسطيني لا يمكن أنْ يدفع دائماً الثمن، خاصة من قِبل الاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى إلى الهروب من مآزقه، فهو اتخذ من اختفاء المستوطنين الثلاثة في الخليل مبرراً للقيام بشن اعتقالات وعدوان في الضفة الغربية، (في وقت تُشير العديد من المعطيات إلى أن الاحتمال الأبرز لقتل المستوطنين هو جريمة جنائية) قبل جريمة اغتيال الفتى محمد أبو خضير، الذي أُحرِقَ وهو حي.
ويتفجر المأزق داخل الكيان الإسرائيلي باتجاه الفلسطينيين، وتكاد تكتمل الحلقة بين استمرار بناء المستوطنات في الضفة الغربية وتهويد القدس، والعدوان المتكرر بين الحين والآخر على قطاع غزة، خاصة أن الهدف الأساسي للاحتلال هو ضرب المصالحة الفلسطينية التي تجلت بين حركتَيْ «فتح» و»حماس» والفصائل الفلسطينية، ومحاولة قطع أوصال الوطن في ما بين القدس والضفة وقطاع غزة، للحؤول دون التواصل بين محافظات الدولة الفلسطينية، حيث بات مطلوباً من المجتمع الدولي أنْ يتحرك بجدية أكثر خاصة بعد الاعتراف بعضوية دولة فلسطين في «الأمم المتحدة»، لأن الأراضي لم يعد متنازعاً عليها، بل أصبحت أراضي دولة فلسطين محتلة من قِبل الاحتلال الإسرائيلي.
وفي خضم الانشغال العربي بالقضايا الداخلية، فإن القضية الفلسطينية عادت لتفرض نفسها مجدداً في طليعة القضايا والملفات، وهي أحوج ما تكون إلى تضافر عربي وإسلامي وإقليمي، يجب أنْ تكون بمنأى عن محاولات أي كان لاستخدام هذه الورقة في صراعات محورية عربية أو إقليمية.
أكد الشعب الفلسطيني مجدداً أنه وحدة متماسكة، بين الداخل وفي الشتات، وإذا ما اشتكى جزء منه، وتعرض لعدوان أو ألم أو مصيبة، فإن الوحدة تتجلى بأبهى صورها، وذلك لا يقتصر فقط على العلاقة بين أبناء هذا الشعب، بل أيضاً بين مكوناته السياسية وعلى مختلف الاتجاهات.
ففي الوقت التي تدافع فيه غزة عن كرامة العرب والمسلمين في ملحمة الدم والنار، تلتهب الضفة الغربية في مواجهة جيش الاحتلال لتلاقيهما القدس في مسيرات غضبٍ وتحركات شاجبة، لهذا العدوان الهمجي الذي يُشكل جريمة حرب تقترفها حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف.
تحركات متجانسة
استوجب العدوان على غزة أوسع تحركات متجانسة بين مختلف مكونات الشعب الفلسطيني مدعومة عربياً وإسلامياً ودولياً، تتجلى من خلال:
- نجاح المقاومة العسكرية الميدانية بمواجهة العدوان على غزة، بل إيلام العدو وإيقاع قتلى وجرحى في صفوف جنود الاحتلال وتدمير آليات، وسقوط صواريخ في مناطق داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة تصلها الصواريخ للمرة الأولى.
- سياسياً، تحرك الرئيس الفلسطيني «أبو مازن» في جولاتٍ مكوكية، بحيث ما إنْ تحط طائرته على أرض بلد، حتى تغادر بسرعة بعد إنجاز المهمة، وهو ما يُعطي دفعاً للصمود الفلسطيني.
- أهمية المواكبة الإعلامية لكشف مجازر العدو واعتداءاته، وليس تمكين الاحتلال من تزوير الحقائق أمام الرأي العام الدولي، والظهور وكأنه معتدى عليه.
- المواكبة الإغاثية للجرحى وعائلات الشهداء والنازحين، وأيضاً تأمين مقومات الصمود، والتحضير لمرحلة ما بعد وقف العدوان من أجل الإسراع بإعادة إعمار ما تهدم.
لقاء المصارحة في المنامة
وبين القاهرة وأنقرة والمنامة والدوحة وعمان ورام الله وجدة، كان الرئيس «أبو مازن» في حركة مكوكية، وهو يؤكد أنه «من غير المسموح أنْ يبقى الشعب الفلسطيني يدفع الثمن دماءً وضحايا وجرحى وتدميراً وتهجيراً للمنازل التي كلما يقوم ببنائها من جديد أو يحاول ذلك، يتعرض مجدداً للقصف والتدمير».
وفي المنامة، حيث كان مقرراً عقد «مؤتمر سفراء دولة فلسطين لدى الدول العربية»، وصل الرئيس «أبو مازن»، حيث التقى حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، أكد جلالة الملك أهمية دعم المبادرة المصرية الهادفة إلى وقف العدوان ودعم جهود الرئيس «أبو مازن»، مشيداً بالجهود التي بذلها من أجل رفع مستوى تمثيل فلسطين في «الأمم المتحدة» إلى دولة مراقب، وعلى انضمام فلسطين إلى مؤسسات «الأمم المتحدة»، آملاً أنْ تُثمِر جهود الرئيس عباس في وقف العدوان على قطاع غزة.
وكان لقاء مصارحة للرئيس «أبو مازن» مع سفراء فلسطين المعتمدين لدى الدول العربية، الذين يشاركون في مؤتمر خاص بهم، حيث طغى عليه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وحمل عنوان «تحديات الدبلوماسية الفلسطينية أمام المستجدات في عالمنا العربي».. «المنامة تحتضن غزة التحدي والصمود.. غزة في قلب المنامة».
ولقد كان المؤتمر في مملكة البحرين مميزاً بشكل واضح، من خلال كافة التحضيرات لترتيب الزيارة.
وأبلغ الرئيس «أبو مازن» السفراء بـ»أن سياستنا دائماً كانت ألا نتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وكذلك نحن لا نحب أحداً أنْ يتدخل في شؤوننا الداخلية، ولا نقبل لأحد أنْ يتدخل في شؤوننا على الإطلاق، عندنا قضية ولدينا عنوان، هذا العنوان هو الدولة الفلسطينية التي إذا أراد أحد أنْ يقول كلمة أو يفعل فعلاً، فعليه أنْ يأتي من خلال البوابة الرسمية الشرعية».
وشدد على أنه «نحن أيضاً من جانبنا، أكدنا أننا مع البحرين ضد أي اعتداء خارجي يمس المملكة وضد أي تحركات ضدها، ونحن واقفون إلى جانبها للمحافظة على وحدة هذا البلد أرضاً وشعباً، كذلك كما تعلمون بالنسبة لموقفنا السياسي العام من الأحداث التي جرت وتجري في العالم العربي، قلنا أكثر من مرة لا نتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، بمعنى أن الأحداث التي جرت في تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن والعراق، هذه أحداث نعتبرها من وجهة نظرنا نحن الفلسطينيين أحداث داخلية لا نتدخل فيها إطلاقاً، على الرغم من أن الوضع العربي منقسم بين مؤيد ومعارض، لكن نحن لنا قضية علينا أنْ نهتم بها ونلتفت إليها وألا نتدخل في شؤون أحد على الإطلاق، وهذا كان موقفنا بالذات في كل الدول التي جرت فيه الأحداث، والتي لاتزال تُجرى فيها هذه الأحداث».
وأكد «أن أي عدوان على الدول العربية نحن ضده، المشاكل الداخلية لا نتدخل بها، لكن أي عدوان ضد الدول العربية نحن ضده، ووقفنا ضده وكما نقف مع البحرين نقف مع دولة الإمارات العربية التي اعتُدِيَ على جزرها الثلاث ولا تزال المشكلة قائمة، نحن موقفنا مع الإمارات في الطريقة التي يريدون أن يحلوا فيها هذه المشكلة، في الوسيلة التي يسعون لحل هذه المشكلة، ما يطالبون به نحن موافقون عليه».
وتابع «هناك فرق بين الأحداث الداخلية للدول العربية، والاعتداءات على الدول العربية، وكما نحن لا نتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، أيضاً نحن لا نحب أن يتدخل أحد في شؤوننا الداخلية، ولا نقبل لأحد أنْ يتدخل في شؤوننا على الإطلاق، عندنا قضية ولدينا عنوان، هذا العنوان هو الدولة الفلسطينية التي إذا أراد أحد أنْ يقول كلمة أو يفعل فعلاً، فعليه أن يأتي من خلال البوابة الرسمية الشرعية، هذه هي سياستنا في العالم العربي».
المبادرة المصرية
أعلن الرئيس الفلسطيني عن أنه هو مَنْ تمنى على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إطلاق المبادرة المصرية لوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ووقف إراقة شلال الدم الفلسطيني.
والتقى عضو المكتب السياسي لحركة «حماس» ومسؤول ملف المفاوضات مع حركة «فتح» موسى أبو مرزوق ونائب أمين عام «حركة الجهاد الإسلامي» زياد نخالة في القاهرة، وأجرى اتصالات بأمين عام «حركة الجهاد» عبدالله رمضان شلح، وتواصل مع مختلف القيادات الفلسطينية.
وفي زيارته إلى أنقرة التقى الرئيس «أبو مازن» المسؤولين الأتراك، وفي مقدمهم الرئيس التركي عبدالله غول ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية أحمد داود أوغلو.
وأكد الرئيس «أبو مازن» حق فلسطين في التوجه إلى المنظمات الدولية، وبعدما تم الانضمام إلى 15 معاهدة واتفاقية دولية وعلى رأسها معاهدة جنيف 1-2-3-4 بتاريخ 1 نيسان الماضي، فإن القيادة الفلسطينية مستمرة من أجل الحصول على حقها كاملاً في الانتماء إلى 63 اتفاقية ومنظمة دولية وفق ما ترتئيه القيادة الفلسطينية.
ومن المنامة توجه الرئيس «أبو مازن» إلى الدوحة، حيث التقى أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، كما التقى رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل في جلسة مطولة، تم التأكيد خلالها على وحدة الموقف الفلسطيني في مواجهة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.