فلسفة الذرائع أو البراغماتية «Pragmatism» تعد من من النقاط المرجعية في العلاقات الدولية. ففي المعهد الدبلوماسي تتضمن جرعة الطالب الأولى ما يفيد أن مصلحة بلده هي غاية عمله في كل الحالات وكل الأزمان. وحين أعلن الرئيس الأمريكي ترامب ضرورة تعديل الاتفاق النووي «5 + 1» وإعادة العقوبات على إيران، وجدت دول عديدة أن قرارات واشنطن تتجاوز قدرتها على التسامح، وكشرت البراغماتية الذرائعية عن أنيابها، حيث اعترت العواصم الأوروبية حالة غضب، ورفض، رغم أنهم شركاء واشنطن الذين شاركوا بالمفاوضات والتوقيع على الاتفاق النووي في 2015. بل إن هناك دوائر صنع قرار أمريكية لا تتفق مع ما قام به الرئيس ترامب من أنه تصرف كقائد لا كرجل أعمال وهو العارف بالخسائر المليارية التي ستتكبدها بعد 180 يوماً شركات أمريكية عدة منها بوينغ، وجنرال إلكتريك، وأوروبية حليفة مثل إيرباص وفولكسفاغن، وشركة توتال النفطية الفرنسية، وبي إس أيه، وبريتيش إيرويز، وخطوط لوفتهانزا، وسلسلة فنادق «أكور» الفرنسية، و»ميليا هوتيلز إنترناشونال» الإسبانية، وحتى «روتانا» العربية.

ومنذ عام مضى وحين بدأت الأزمة الخليجية -لا بارك الله فيها- ونحن نشهد حالة تآكل الرهان الخليجي الموحد على القضايا الكبرى. ففي قضية خروج ترامب انقسم الخليج إلى قسمين حيث أيدت الرياض والمنامة وأبوظبي القرار، أما الكويت ومسقط والدوحة فلم تتبنَ وجهة النظر نفسها، وإن كانت بدرجات. وقد كثرت التسويغات للموافقين والرافضين، لكن المراقب الخليجي يجد أن القرارات بنيت على قراءة براغماتية صريحة تستظل بالأزمة الخليجية كإحدى تبعاتها. فموقف غير المؤيدين نابع من الأزمة الخليجية حتى وإن تعذرت تلك العواصم بالقول إننا لم نُستشر حين عقد الاتفاق وعليه فنحن في حل من إبداء الرأي حين ينقض، كما تعذرت عواصم أخرى إلى أن الاتفاق كان مخلاً بحسن الجوار ودقة التفتيش وعبث طهران بالبيئة الإقليمية رغم أن تلك العواصم نفسها قد باركت الاتفاق حين تم توقيعه قبل عامين.

فعلى سياسة تقوم على اعتبارات عملية، بدلاً من المفاهيم الأيديولوجية، أيدت ثلاث عواصم خليجية قرار انسحاب ترامب من الاتفاق النووي حتى تعديله مع فرض عقوبات اقتصادية قاسية وعزلة دبلوماسية على طهران. فيما لم تؤيد ثلاث عواصم خليجية خروج ترامب رغم حجم العلاقات مع واشنطن. ورغم أنها كانت ضحية تدخلات طهران في شؤونها الداخلية، ورغم أن تدخلات طهران الإقليمية كانت أحد دوافع الخروج الأمريكي من ذلك الاتفاق.

* بالعجمي الفصيح:

كوحدوي، ينظر المراقب الخليجي بحيرة كيف قادت الأزمة الخليجية إلى ظهور البراغماتية السياسية الخليجية بوجه لم نعهده فجأة، والتي ولدت بأفق ضيق واستخدمت في مجال يتطلب الوحدة. فظهور مواقف خليجية متباينة من انسحاب ترامب هو ولادة لنهج سياسي يتجاوز فيه الخليجيون خليجيتهم للأسف. كما أن عدم تأييد ترامب من ثلاث عواصم كان رسالة بالخروج على الهيمنة الداخلية الخليجية ومن تبعات الأزمة الخليجية.

* المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج