يواصل المجلس الأعلى للمرأة مسيرته الرامية إلى "تمكين المرأة البحرينية وادماج احتياجاتها في برامج التنمية بما يضمن استدامة استقرارها الأسري وترابطها العائلي" كجزء مهم من رسالة المجلس، ورغم وضوح اختصاصات المجلس التي يتوجه بها لخدمة المرأة البحرينية إلا إن تأثير أعماله يتجاوز المرأة ليمس أسرتها، اللبنة الأساسية في تماسك واستقرار وازدهار المجتمع البحريني، ويعمل المجلس منذ نشأته على توفير سبل الأمان والاستقرار للمرأة بمختلف مراحلها العمرية وأوضاعها الاجتماعية وصولا الى أسرة بحرينية آمنة ومستقرة.
وبات واضحا بأن آلية تحقيق هذا الشأن يتوقف في جانب كبير منه على اقتراح التشريعات وتوعية المجتمع بأهمية الاستقرار الأسري والعمل مع شركاء استراتيجيين لتقديم الخدمات اللازمة لدعم المرأة وإيجاد الحلول الكفيلة بتعزيز دورها في الأسرة والمجتمع.
وفي هذا الإطار نفذ المجلس الأعلى للمرأة وضمن برنامج الاستقرار الأسري سلسلة من الحملات والفعاليات التوعوية والتدريبية في المجالات الثقافة الأسرية والقانونية المتعلقة بالتوعية حول الكثير من القضايا من بينها اتفاقية السيداو، ودور صندوق النفقة في تحقيق الاستقرار الأسري، وكيفية التعامل مع العنف ضد المرأة وكيفية مكافحته، والتوعية ببنود قانون أحكام الأسرة وأهمية تطبيقه، وحقوق المرأة في عقد الزواج وبصفة خاصة الشروط التي يجوز للمرأة تحديدها كالسكن والدراسة وعمل الزوجة والمشاركة المادية في الحياة الزوجية.
ويسعى المجلس إلى تعزيز العمل مع شركائه لتحقيق إدماج احتياجات المرأة في التنمية إيمانا منه بأن التنمية الشاملة والمستدامة للمجتمع البحريني لا يمكن أن تتحقق إلا بشراكة عادلة بين المرأة والرجل، تكون بموجبها المرأة شريك في خطط وبرامج التنمية ومستفيدة من مخرجاتها.
وعليه فإن إدماج احتياجات المرأة في التنمية عملية تعني بتخصيص الموارد ووضع الخطط والبرامج والآليات وتنفيذ التدابير والإجراءات التي من شأنها ضمان مراعاة احتياجات المرأة في كافة المجالات و تعزيز تكافؤ الفرص بين الجنسين، لتأخذ المرأة دورها مع الرجل كشريك مؤهل وجدير ببناء الأسرة والمجتمع.
ويتطلب تفعيل عملية إدماج احتياجات المرأة في التنمية تضافر الجهود الوطنية ودعم كافة السلطات وتعاون الوزارات والمؤسسات لإدماج احتياجات المرأة في الموازنات والخطط والسياسات التنموية في مملكة البحرين.
ويعمل المجلس على تكريس مبدأ تكافؤ الفرص الذي يضمن الإنصاف وعدم التمييز في توفير الفرص في كافة المجالات كالأسرة والتعليم والعمل وتقلد المناصب وغيرها من المجالات وذلك من خلال مراعاة الاحتياجات والكفاءة والقدرات، وكذلك "الموازنة المستجيبة لاحتياجات المرأة" التي تنتهج مبدأ تكافؤ الفرص لكل من الجنسين ويتم تخطيطها وتنفيذها ومتابعتها وتقييمها بطريقة محايدة لاحتياجات المرأة والرجل على السواء.
غيض من فيض
إضافة إلى ما سبق لا يسع المكان هنا لعرض كل إسهامات المجلس الأعلى للمرأة المعنية ببناء أسرة بحرينية متآلفة ومستقرة.
ويمكن القول بعجالة أنه وتنفيذا لاختصاص المجلس بتقديم الاقتراحات بتعديل التشريعات المتعلقة بالمرأة والتوصية باقتراح القوانين والقرارات اللازمة للنهوض بالمرأة وحل المشكلات التي تواجهها في كافة المجالات، أُتخذت عدد من التدابير سواء على مستوى التشريع او على مستوى القرارات الوزارية التي سعى المجلس من خلال التعاون مع جميع الجهات المختصة في الدولة إلى تعديلها، وكل ذلك بما يكفل تحقيق أقصى حد من الاستقرار الأسري في المجتمع البحريني.
ولقد اتخذت الكثير من التدابير على مستوى التشريع لحظر التمييز ضد المرأة من بينها تعديل قانون الإجراءات أمام المحاكم الشرعية بإضفاء صفة الاستعجال على قضايا الأحوال الأسرية، و تعديل قانون الإثبات بما يكفل تسهيل إجراءات الإثبات بالنسبة لمشاركة المرأة في الإنفاق الأسري، وتعديل وثيقة الزواج بما يضمن للطرفين إدراج الشروط الخاصة بتنظيم مسائل الزواج بينهما، وتعديل قانون الجوازات بما يؤدي إلى إلغاء المادة التي كانت تستلزم الحصول على موافقة الزواج لاستخراج جواز سفر لها.
إضافة إلى جملة من التدابير على مستوى القرارات التنفيذية من بينها تعميم وزير المالية بإدماج احتياجات المرأة في الميزانية العامة للدولة، وقرار يؤمن حق المرأة البحرينية في الانتفاع بالخدمات الإسكانية، ومعاملة المرأة الدبلوماسية معاملة الرجل الدبلوماسي فيما يتعلق بالبدلات والعلاوات، وانتفاع أبناء المرأة البحرينية المتزوجة من أجنبي من الخدمات التي يقدمها صندوق النفقة، وتخصيص محكمة لتنفيذ الأحكام الصادرة من المحاكم الشرعية برئاسة قاضية، وزيادة عدد المحاكم الشرعية وغير ذلك.
الخطة الوطنية لنهوض المرأة البحرينية
وحرص المجلس الأعلى للمرأة على تضمين الخطة الوطنية لنهوض المرأة البحرينية أثر "استقرار الأسرة" الذي يعني استمرارية تأمين الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية للأسرة وتعزيز سلامتها الصحية والنفسية في إطار الترابط العائلي، وتمكين المرأة للاعتماد على ذاتها بما يحقق الأمان والحماية لجميع أفراد الأسرة.
ويمكن تلخيص محصلات أثر استقرار الأسرة بتعزيز الترابط العائلي والمجتمعي بما يضمن الاستقرار الأسري، وحماية المرأة من كافة أشكال العنف الأسري، وخفض مشاكل ما بعد الطلاق بما يعزز الاستقرار الأسري، وتضمين المفاهيم والقيم الداعمة لدور المرأة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المناهج التعليمية والتدريبية لتعزيز الاستقرار الأسري، و تمكين المرأة من الاعتماد على ذاتها اقتصادياً مع التركيز على خفض نسبة العاطلات عن العمل، وتحقيق مبدأ الاستدامة لعمل المرأة في مجال ريادة الأعمال بما يساهم في تأمين احتياجات الأسرة.
مركز دعم المرأة
ويسهم المجلس الأعلى للمرأة في توفير الاستقرار الأسري للمرأة من خلال "مركز دعم المرأة" الذي يقدم الخدمة القضائية والاستشارة القانونية المجانية ويعنى بتقديم خدمة الارشاد والتوجيه الإلزامية للمتنازعين في القضايا الأسرية لمعالجة واقع وقضايا المرأة، كما يعمل المركز على المساهمة في حل قضايا المرأة، وتيسير حصولها على حقوقها الإنسانية التي كفلها لها الدستور وجميع المواثيق والاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها المملكة.
ويتولى المركز أيضا تلقي الطلبات الواردة الخاصة بشئون المرأة وقضاياها الملحة ودراستها وتحليلها واقتراح سبل معالجتها، والمشاركة في إعداد الخطط والاستراتيجيات المتعلقة بقضايا المرأة، والتنسيق مع كافة أجهزة الدولة والأمانة العامة بالمجلس الأعلى للمرأة لتقصي ومتابعة ومعالجة الطلبات الواردة وذلك وفقاً للسياسات والإجراءات المتبعة، وتغذية قاعدة بيانات مركز معلومات المرأة بكافة أنواع الطلبات الواردة، ومعدلاتها، وأثرها على المرأة، والسعي إلى تلمس ما يمكن تعديله أو استحداثه من قرارات، أو أنظمة، أو تشريعات من واقع احتياجات المرأة وتقديم المقترحات والتوصيات من أجل تحسينها، والمساهمة في نشر المعرفة بحقوق المرأة وضمانتها القانونية، بالإضافة إلى القوانين النافذة ذات العلاقة بواقع المرأة.
مكتب التوفيق الأسري
وتحقيقا للمزيد من تطلعات المجلس الأعلى للمرأة في حماية الأسرة البحرينية من التفكك أطلق مؤخرا وبالشراكة الفعالة مع المجلس الأعلى للقضاء "مكتب التوفيق الأسري"، الذي يقع في مبنى المحاكم بوزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف.
ويهدف المكتب إلى تسوية المشاكل بين الزوجين، بالاتفاق ابتداءً على التوفيق وانتهاءً بالاتفاق فيما بينهما على الصلح واحترام متطلبات العلاقة الزوجية والالتزامات الأسرية، ويتم ذلك دون مساس بما للمحاكم الشرعية من اختصاص حدده القانون بالنظر في المنازعات.
كما يهدف إلى سرعة البت في القضايا الزوجية، وتحقيق الحماية النفسية لأطفال المطلقين، لتجنيبهم معاناة الخلافات الزوجية، ومشاكل الحضانة والنفقة وغيرهما، وكل ذلك ينعكس انعكاسا مباشرا على استقرار الأسرة وتماسك المجتمع والنهوض به.
ويأتي تشغيل هذه الخدمة في إطار تنفيذ الخطة الوطنية لنهوض المرأة البحرينية وتحديداً ضمن برامج ومشاريع محور استقرار الاسرة الموجه لمعالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تمس دور المرأة في التنمية، إذ يعمل هذا المجال على ضمان استمرارية تأمين الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية للأسرة وتعزيز سلامتها الصحية والنفسية في إطار الترابط العائلي، وتمكين المرأة للاعتماد على ذاتها بما يحقق الأمان والحماية لجميع أفراد الأسرة.
قانون أحكام الأسرة
وفي السياق ذاته لا زال غياب القسم الثاني من قانون احكام الأسرة احد اهتمامات المجلس الأعلى للمرأة بعد صدور القسم الأول من القانون في 9 أبريل 2009، حيث يسعى المجلس إلى دعم الجهود المبذولة للفت نظر الرأي العام سواء على صعيد السلطة التشريعية او مؤسسات المجتمع المدني للتأكيد على أهمية إصدار القسم الثاني من القانون ، وبيان المنظومة الثلاثية للاستقرار الأسري القائمة على تقنين الأحكام الأسرية وتنظيم القضاء الشرعي والتوعية الثقافية الأسرية.
ويأتي هذا الاهتمام تفعيلا لاختصاصات المجلس المتمثلة في تقديم الاقتراحات بتعديل التشريعات الحالية المتعلقة بالمرأة وإبداء الرأي في مشروعات القوانين واللوائح والقرارات المتعلقة بها قبل عرضها على السلطة المختصة. والتوصية باقتراح مشروعات القوانين والقرارات اللازمة للنهوض بأوضاع المرأة، لاسيما وان المجلس الاعلى للمرأة قد قام بجهود لافته على هذا الصعيد تمثلت في الدراسة التي أعدها بتكليف من صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين لدراسة أوضاع المرأة المطلقة وأبنائها أمام القضاء الشرعي، حيث أوصت هذه الدراسة بضرورة إصدار قانون ينظم العلاقات الأسرية، ودراسة اخرى نفذها مركز البحرين للدراسات والبحوث بتكليف من المجلس الأعلى للمرأة بينت مدى الحاجة المجتمعية لتقنين الاحكام الأسرية في البحرين.
والمجلس الأعلى للمرأة إذ يبارك للأسرة البحرينية وجميع الأسر في العالم يومها السنوي، فإنه يتطلع إلى بذل وتضافر المزيد من الجهود من قبل الجميع لتحقيق الأهداف الطموحة التي يعمل على تحقيقها، انطلاقا ووصولا إلى رؤيته "شراكة متكافئة لبناء مجتمع تنافسي مستدام".