* قبل أن يصدح المؤذن بترانيم الفجر الأولى في شهر رمضان المبارك، ظل صاحبنا يتأمل حاله ويلتقط أنفاسه مجدداً بعد أن افتقد نفسه كثيراً في ماضي الأيام.. بل خلال سنة مرت سريعاً منذ أن ودع رمضان من العام الماضي.. اكتشف أنه افتقد نفسه بالفعل حيث ظل يسرع الخطى في دنيا مخيفة أيامها متشابهة.. مكث حينها يفكر في طريقة مجدية يستطيع من خلالها أن يستثمر 30 يوما من الشهر الفضيل أفضل استثمار.. فيعيش في روحانية تامة وسكينة وطمأنينة تنسيه أوجاع الحياة وغدر البشر.. فكر فلم يجد إلا طريقة واحدة ستكون الدواء الناجع لنفسه حتى تعود كما كانت النفس الطيبة المنجزة.. لقد أسمى هذه الطريقة «لا تفكر إلا في الله» تتلخص محاورها بأن تكون في كل لحظة تناجي الله تعالى.. وتبتعد عن وسائل التواصل الاجتماعي لتغيير الروتين.. وتبتعد عن المحادثات غير المجدية في مجموعات «الواتساب».. ثم تبتعد عن «الروتين القاتل» الذي اعتدته في حياتك.. بل اعتدته في سنوات خلت من شهر رمضان.. حيث اعتدت أن تصوم وتصلي وتفطر صائماً.. في المقابل ظل صاحبنا في بقية أوقاته سادراً في أفكار غير مثمرة.. لقد قرر أن يكون عملياً مع نفسه أولاً قبل الآخرين.. يترك كل تلك «الأنشطة» الفارغة التي اعتاد أن يصرف جل وقته لها.. ويظل يتأمل حالة نفسه وسكينتها.. لقد قرر صاحبنا أن يكون في صورة مختلفة عن السابق بعدما شاهد النماذج الحياتية الربانية تقوم بدورها الحياتي على الوجه الأكمل.. كما قرر أن يغير كل روتين حياتي اعتاده، ولا يلتفت لصرخات البشر ولومهم وخذلانهم أحياناً.. فهم في الأخير أنهم يريدون أن يستثمروا الأوقات لصالحهم.. وأنت أولى بهذه الأوقات في علاقتك مع الله عز وجل في شهر رمضان المبارك.. لقد أحسن صاحبنا صنيعه بأن يكون «مع الله» في شهر الخير.. وبانتظار مخرجات هذه التجربة الثرية.. التي بلا شك سترجع النفس إلى ذلك الميدان الهادئ في التعامل مع مقتضيات الحياة. لذا وقبل أن تنقضي أيام رمضان سريعاً اتخذ قراراً سريعاً بأن تكون «الأقرب» من كل البشر إليه تعالى بصالح أعمالك.. ولا ترضى بأن تكون أعمالك مبنية على هوامش الأوقات.. بل تفرد لها مساحات كافية من أيامك.. التي ستكون كلها لله الكريم..

* مع إطلالة رمضان من كل عام.. تفتقد «طلة» تلك النفوس القريبة إلى قلبك التي اعتدت رؤيتها في شهر الخير.. ولكن خطفتها رياح المنايا.. وسبقتك إلى المولى الكريم.. لتواصل مسيرة الخير والعطاء في دنيا البشر بدونها.. لذا فكن صاحب الأثر الذي يترك أجمل البصمات في حياة الآخرين.. حتى تذكر فيما بعد بصنيع فعلك وجمال خلقك..

* ستظل تتعلم من مواقف الحياة وتجارب الأيام كما أحمل معاني هذه العبارات في نفسي دائماً.. وستظل مفاجآت الأيام وأقدار الحياة وتعاملات البشر الصورة المتجددة أمام ناظريك في كل حين، تراها تأتيك على حين غرة.. وأقسى هذه المواقف عندما تتفاجأ بصدمات نفسية من أقرب الأقربين إلى قلبك.. في أمور قد يحسبها بسيطة.. ولكنها في واقع الحال مريرة ومؤثرة إلى حد كبير في واقع حياتك، وبخاصة في ظل تغير أنماط الحياة وتغير ميول البشر واتجاهات تفكيرهم.. فقد أضحى البعض يفكر في اتجاهات يراها بسيطة بدون أن يفكر فيها جيداً!! ولأنك طاقة من الأحاسيس والمشاعر.. فلا ريب في أنك ستنزعج مهما حاولت أن تبدي في نفسك غير ذلك.. وهو ما قد يحسبه البعض من نواقص النفس بأن تطلب تقارب الأحاسيس والاندماج النفسي والعاطفي.. لأنها غير قادرة بالفعل على تحقيق ما تريده في ظل التأثيرات التي يطلقها المجتمع.. فهل يا ترى انتهت طاقة الحب الكامنة في النفوس.. الحب الذي ينتج حياة متقاربة متفاهمة متآلفة منسجمة في تفكيرها وأحاسيسها؟ أما نحتاج إلى إعادة النظر في تفكيرنا الذي يراه البعض قاصراً؟

* في مواقف متعددة من الحياة يمتلك قلبك تلك الابتسامة الساحرة من أناس لم تزاملهم كثيراً في بيداء الحياة.. بل عرفوك منذ الوهلة الأولى في مواقف محددة.. فبادلوك شعور المحبة والاحترام والتقدير التي قرأت ملامحها على تقاسيم وجوههم.. لعمري هؤلاء هم محطتك الحياتية القادمة في محافل المحبة والإخاء، في الوقت الذي اختفت فيه ملامح ميادين كان لها الأثر البارز في حياتك.. حتى أصحابها ضعفت نبرات صوتهم الحانية.. فلم يعد لها الأثر فيما بعد.. المغزى.. أننا بحاجة ماسة إلى أن نحافظ على علاقاتنا الجديدة التي تنسينا أوجاع الحياة وآلامها.. فالحفاظ على الود ليس بالأمر الهين، لأنك ستكون في تحدٍّ كبير في إدخال السرور على من تحب.. والقرب منهم في كل حين.

* أفضل الشخصيات هي تلك التي تبادلك روح الإنجاز والعطاء، فهي لا تنتظر «التوجيهات»، أو تراوح مكانها بلا غاية مرجوة.. بل تراها متفانية في كل لحظة، تقدم العون وتنثر السعادة في نفس كل من تقابله في مسير الحياة.. مثل هذه الشخصيات تريحك كثيراً في تحقيق أحلامك في الحياة.. فهي «أنت» في صورة أكثر واقعية.

* القضية الكبرى التي يجب أن تحملها في الحياة هي «تكون أو لا تكون».. بمعنى ألا تظل على هامش الحياة تمارس الحد الأدنى من الجهد بلا أن تدرك واقع الأيام.. تذكر أنك لست بمخلد.. وحتى تكون من رواد الخير اصنع بينك وبين المولى خبيئة.. واجعل لحياتك قيمة فعلية بإسهاماتك التي يشهد لها القاصي والداني.

* تستغرب من شخصيات أعطيتها الكثير وقدمت لها «خبراتك الناضجة» في الحياة، فتكون النتيجة «التمرد» والتغافل عنك وعدم احترام ذلك التاريخ المليء بعمل الخير.. هنا تبرز قناعتك.. بأن «القلب الطيب» سيظل طيباً بل سترتقي شخصيته.. أما «القلب المتقلب» فهو قلب من الصعوبة بمكان أن يتغير أو يتبدل حاله في مواقف الأيام.. لأنه يؤمن بقناعات شخصية خارجة عن أطر الحياة..

* ومضة أمل:

مبارك عليكم شهر رمضان، وتقبل المولى منا ومنكم صالح الأعمال، وأعاننا على صيامه وقيامه وطاعته.