يواجه رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، والمكلف بتشكيل الحكومة الجديدة مجموعة من التحديات والأزمات من أجل القيام بتلك المهمة الشاقة، لكن الأزمة الأكبر التي تثقل كاهل الحريري، والتي ربما لا يعرف كيف يجد لها حلاً، ويفك شيفرتها، هو كيف يمكنه إشراك أعضاء في «حزب الله» اللبناني -المصنف إرهابياً بحرينياً وخليجياً وعربياً وأمريكياً- في تشكيلة الحكومة الجديدة، تزامناً مع تصعيد إقليمي ودولي ضد الحزب، لا سيما بعدما أعلنت السعودية، ممثلة في رئاسة أمن الدولة، أن «دول الخليج صنفت 10 شخصيات في ميليشيات «حزب الله» اللبناني على قائمة الإرهاب، بينهم 5 أعضاء تابعين لـ«مجلس شورى» الحزب، وهم كل من حسن نصرالله، ونعيم قاسم، ومحمد يزبك، وحسين خليل، وإبراهيم أمين السيد، و5 أسماء أخرى لارتباطهم بأنشطة داعمة لـ«حزب الله» الإرهابي وهم كل من طلال حمية، وعلي يوسف شرارة، ومجموعة سبيكترم «الطيف»، وحسن إبراهيمي، وشركة ماهر للتجارة والمقاولات. والجديد، أن القائمة تضم لأول مرة الأمين العام للحزب حسن نصرالله ونائبه نعيم قاسم.

وبدورها، أعلنت وزارة خارجية البحرين وبالتعاون مع الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية اللتين تترأسان بالشراكة مركز استهداف تمويل الإرهاب، والدول الأعضاء في المركز، عن «إدراج 10 أفراد و4 كيانات تنتمي لما يسمى بـ«مجلس الشورى» التابع لتنظيم «حزب الله» الإرهابي على قائمة الإرهاب». كما فرضت وزارة الخزانة الأمريكية للمرة الأولى عقوبات جديدة على أمين عام «حزب الله» حسن نصرالله ونائبه نعيم قاسم، وأشخاص على صلة بميليشيات الحزب اللبناني. ولا شك في أن تصنيف قيادات الحزب وأبرزهم حسن نصرالله ونعيم قاسم على قوائم الإرهاب الخليجية والأمريكية يعقد عملية تشكيل الحكومة اللبنانية، ويضع لبنان في وجه العاصفة جراء العقوبات المفروضة على الفصيل اللبناني المصنف «إرهابياً»، والذي يطمح إلى تمثيل أكبر في الحكومة المقبلة لا سيما بعد الفوز الذي حققه في الانتخابات التشريعية الأخيرة وحصول «الائتلاف الشيعي» الذي يضمه هو و«حركة أمل» بزعامة رئيس مجلس النواب نبيه بري، إضافة إلى أفراد وجماعات تدعم الحزب على نحو 70% من مقاعد البرلمان التي يبلغ عددها 128 مقعداً، أي نحو 90 مقعداً، وهذا ما دعا مسؤولي الحزب إلى المطالبة بـ«وزارة وازنة» في الحكومة الجديدة، كما أنه يسعى إلى تولي وزارة خدمات واحدة على الأقل وطالب بثلاث وزارات بدلاً من وزارتين كان يتولاهما في حكومة تصريف الأعمال الأخيرة، لا سيما وأن «حركة أمل» تؤكد تمسكها بحقيبة المالية.

ولذلك يسعى الحريري إلى الحصول على دعم عون وبري في إقناع «حزب الله» بالحد من سقف مطالبه بشأن الحصول على حقائب وازنة في الحكومة المقبلة وذلك تجنباً لعقوبات أمريكية ودولية قد تفرض على المصارف اللبنانية.

ومن التحديات التي يواجهها الحريري في تشكيله للحكومة سعي حزب «القوات اللبنانية» بزعامة سمير جعجع وعضو فريق«14 آذار» للحصول على نصيب أكبر من الحقائب الوزارية في الحكومة الجديدة، لا سيما بعد أن ضاعف عدد مقاعده في البرلمان الجديد بفوز 15 نائباً من حزبه، فضلاً عن مطالبة أنصاره بتمثيل يوازي تمثيل «التيار الوطني الحر»، الذي أسسه الرئيس اللبناني ميشال عون، ويتزعمه صهره وزير الخارجية السابق جبران باسيل. ومن الجدير ذكره أن «تيار عون» متحالف سياسياً مع «حزب الله» منذ عام 2006، ويتمسك التيار بحقيبتي الداخلية والمالية في الحكومة الجديدة، خاصة وأن باسيل كان يشغل حقيبة الخارجية، إضافة إلى أن حقيبة الداخلية في الحكومة السابقة كان يشغلها نهاد المشنوق عضو «تيار المستقبل» الذي يتزعمه الحريري. وبالتالي فإن أنصار «حزب الله» يسعون لاقتناص حقائب وازنة الأمر الذي يضع الحريري في موقف لا يحسد عليه، لا سيما وأن «تيار عون» يسعى لاحتكار الحصة المسيحية في الحكومة على حساب القوات اللبنانية.

ورغم تصريحات الحريري التي أكد فيها عقب الانتهاء من المشاورات في مجلس النواب، أن «جميع القوى السياسية ببلاده متعاونة من أجل تشكيل الحكومة الجديدة وتوزيع الحقائب على الكتل السياسية»، وتفاؤل بري «بتشكيل حكومة ائتلافية جديدة خلال شهر»، إلا أن الواقع يكشف عن أزمة في تشكيل الحكومة قد تؤخر ولادتها المتعسرة قبل أن تبدأ، وربما لا ترى تلك الحكومة الجديدة النور، كنتيجة منطقية للعقوبات الإقليمية والدولية على «حزب الله» والتي تعرقل مفاوضات تشكيلها، فيما يستعد الكونغرس الأمريكي لإقرار النسخة الثانية من قانون عقوبات «حزب الله».

ولا شك في أن نتائج الانتخابات التشريعية في لبنان جاءت مخيبة لآمال واشنطن خاصة مع تراجع دور حليفها الحريري لصالح معسكر إيران ونظام بشار الأسد، وهذا ما يفسر التصريحات التي خرجت من مجلس الأمن القومي الأمريكي والتي مفادها أن «ضرب إمكانيات «حزب الله» الإرهابية والعسكرية هو أولوية قصوى لدى الإدارة الأمريكية»، لا سيما مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب «قلقه من نشاطات «حزب الله» الإرهابية وعملياته المثيرة للاضطرابات في المنطقة، وأيضاً عملياته الإجرامية».

ولا يمكن تجاهل قضية سلاح «حزب الله» التي تثير إشكالية «دويلة داخل دولة» حتى وإن حاول أنصار الحزب ترويجها بذريعة مقاومة إسرائيل واللعب على ذلك الوتر وما شابه ذلك!

لذلك يسعى الحريري إلى تشكيل الحكومة من أجل انتشال اقتصاد لبنان من وضع سيئ، إضافة إلى الديون، ومواجهة أزمة اللاجئين السوريين في لبنان بعدما أصبح واحد من كل 4 من سكانه لاجئاً سورياً.

* وقفة:

يبدو الحريري في موقف لا يحسد عليه لكن سؤال الساعة هو كيف ستتعامل الحكومة اللبنانية الجديدة التي ستضم عناصر من «حزب الله» مع قوى إقليمية ودولية صنفت الحزب إرهابياً؟!