* كان يمني النفس قبل أن يرحل من الدنيا أن يصلي في تلك المساحة الجميلة التي قضى بين جنباتها أكثر من 30 عاماً يؤم المصلين في الصلوات المفروضة.. حيث اضطر مرغماً بسبب ظروفه الصحية أن يترك ذلك المحراب الجميل الذي شهد له بصوته العذب الجهوري وهو يقرأ القرآن في الصلوات.. ثم شاءت الظروف أن يهدم المسجد حتى يتم بناؤه من جديد.. فتمنى أن يصلي فيه مأموماً في مساحة أثيرة إلى قلبه.. ولكن جاءت منيته قبل أن يتحقق حلمه.. إنه والدي الحنون الحبيب إلى قلبي علي حسن قمبر الذي يذكره «فريج المعاودة» أو كما يقولون «مراد» أو «الحاكور» بصوته الجميل الذي يصدح بالقرآن وبخاصة في صلاة التراويح في شهر رمضان المبارك وعقب صلاة العصر بمواعظه الإيمانية.. تذكرت هذه المواقف مع افتتاح مسجد «المعاودة» أو المعروف بـ»مسجد مراد» بعد إعادة البناء.. قررت أن أصلي فيه فقد جمعتني فيه ذكريات الطفولة مع والدي الحبيب رحمه الله.. وأنا أصلي التراويح تذكرت تلك القراءة الندية وذلك القلب المعلق بالمسجد.. فقد اعتاد رحمه الله أن يبكر لصلاة الفجر فيتلو القرآن حتى إقامة الصلاة.. واعتاد في شهر رمضان أن يحضر لمواعظ العصر.. فكان «الفريج» يسمع مواعظه.. هذا الأثر الذي يتركه المرء بعد وفاته.. أثر مازال بعض كبار السن ممن عاصروا والدي رحمه الله يتذكرونه بطيبته وعلاقته برواد المسجد وبصوته الجهوري.. هكذا سمعتهم يقولون.. وهم القلة القليلة المتبقية من «زمن الطيبين».. منهم عبدالرحمن مراد «بوراشد» الذي استمتعت بزيارته في مجلسه بعد أن صليت في مسجد والدي رحمه الله، فظل يترحم عليه ويذكر تلاوته في صلاة التراويح.. ويقول: «من بقي في الفريج يا ولدي!!».. ثم كان لي الشرف للالتقاء بأم عيسى في طريقي للمسجد فترحمت على والدي وقالت: «حدث «الدروس» يا ولدي مثل أبوك بعد العصر».. ما أجمل فرجان لول وما أروع عبق الماضي الجميل.. أضحت اليوم فرجان المحرق تبكي على أطلالها.. وظلت مساحاتها مجرد ذكريات ترويها الأجيال.. ولكن.. قد تنقطع يوماً ما.. لأنها لم توثق في سجلات الحياة!! رحمك الله يا والدي وأنار قبرك وجزاك خير الجزاء على ما قدمت في خدمة بيت من بيوت الله تعالى، ووفقني أن أسير على خطاك في أداء رسالة المسجد المحببة إلى قلبي حتى آخر رمق من حياتي.. ففيها بركة الحياة والتواصل مع الناس.. وصلة مع الرحمن.. وجمعني المولى وإياك في الفردوس الأعلى مع الوالدة وأهلي ومن نحب جميعاً.

* في كل مرة أكتب أذكر نفسي قبل الآخرين.. وأذكر كل من حولي.. اصنعوا الأثر الجميل قبل رحيلكم من الدنيا.. واستثمروا كل لحظة في شهر رمضان في عمل الخير.. فلا تدرون أتدركون رمضان العام القادم أم لا.. استثمروا كل لحظة في حياتكم.. فأقدار الحياة لا تمهلكم لبذل المزيد.. سرعة الحياة المخيفة.. رحيل الأحبة المفاجئ.. حوادث الأيام.. زوال بركة الأوقات.. لا تمهلك لعمل المزيد.. تنام لتجلس على روتين الأيام المعتاد.. فتنوي عمل كذا وكذا.. ولكن.. ينتهي اليوم بنوم آخر.. سرعة لم نعتدها أبداً.. يا رب رحماك بنا والطف بعبادك.. وأنر حياتنا بصالح الأعمال.. واختم حياتنا بخير وأنت راضٍ عنا.

* بإمكانك أن تجعل علاقاتك مع أحبابك روتينية مملة تؤثر فيها أتفه الأسباب، وبإمكانك أن تجعلها رائعة بضحكاتها وتواصلها وسعادتها.. بيدك أنت لا بغيرك.. لذا لا تلقِ باللائمة على الظروف وتتهم غيرك، في المقابل أنت من بيدك زمام الأمور.. بيدك أن تكون سعيداً بابتسامة تريح من تسلم عليه.. وبإمكانك أن تقطب الجبين لتزعج من حولك.. وبإمكانك أن تحول المكان الذي ترتحل إليه يعج بالسخط والانزعاج والتوتر والقلق.. وبإمكانك وبكلمة بسيطة وأريحية في التعامل أن تحول المكان إلى سعادة غامرة وضحكات وسعادة تتذكر ماضي الأيام الجميل.. بيدك أنت فقط لا بيد غيرك.. فاهتم بنفسك وبعلاقاتك وحافظ على كل ود يجمعك مع الآخرين.. وبخاصة مع من أحببتهم وسكنوا في فؤادك.

* ما دمت تعيش تتنفس أنفاس الحياة فأنت على موعد متجدد بتحقيق الآمال الكبار التي لطالما حلمت بها في سابق الأيام.. إنك مازلت تتعلق بأستار الأمل التي تدفعك إلى المزيد من العطاء في دروب الحياة.. الأمل الذي يجعلك تتمسك بكل خيط يقودك إلى خير يرفع قدرك عند المولى الكريم.. لذا لا تجلس مطأطئ الرأس عند عقبات الحياة.. تتسلل إلى نفسك خيوط اليأس والإحباط.. بل ارفع رأسك واستمر في عملك.. فإنما خلقنا لإعمار الأرض وتحقيق العبودية الحقة ونشر رسالة الخير في كل مساحات الحياة.

* أنت فقط من يقدر على كتابة حكاية حياته باسترسال وبإتقان دون أن يتدخل أي فرد في صياغة فصولها.. أنت فقط من عشت تلك الجزئيات الصغيرة فاكتسبت خبرة ليست بالهينة في ميدان الحياة.. لقد اكتسبت خبرة تستطيع من خلالها أن تقدم أجمل دورة في قيم الحياة.. لأنك تعيش الحياة بحب.. لا تقوى أن تظل بعيداً عن مشاعر الحب التي تتبادلها مع من تحب.. حتى وإن قست مشاعرك يوماً.. فإنك سرعان ما تعود إلى من تعودت عليه.. لأن نفسك الطيبة هي التي علمتك أن تكون دائماً في محيط الخير وفي محيط المحبة الغامرة التي ستستمر إلى الأبد..

* بدأ رمضان وتناقص وانتصف وكنا نعلم أن رمضان اليوم ليس كالأمس.. زيارته قصيرة جداً هذا العام.. لا يمهلك وقتاً كافياً لضيافته.. انتبه مجدداً رمضان بدأ يعد العدة للرحيل.. ويمهلك للاستئناس بإيمانيات أيام عشر جميلة قادمة مليئة بالخيرات والأجور، تتجمل بليلة من أعظم ليالي العام.. ففيها يكتب عمرك الجديد.. لذا سل المولى تعالى أن يبلغك هذه الأيام ويعينك فيها على طاعة الرحمن.

* ومضة أمل:

في كل يوم تعيشه.. تذكر أن تصنع الأثر.. فالأيام لا تمهلك الكثير.. الأثر الذي سيبقى معك في رحلة أخرى قادمة.. وسيبقى مؤثراً في حياة من سيعيش بعدك أجيالاً بعد أجيال.