سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة رحمه الله.. رجل سنفتقده -نحن البحرينيين- بشكل خاص، وبالذات قبيل دخول الشهر الفضيل، فلقد اعتدنا دائماً أن يتلو سموه وبكل وقار البيان المتعلق بثبوت أو عدم ثبوت رؤية هلال رمضان، ولكننا أحسسنا بفقده رحمه الله في رمضان هذا العام، أي قبل أن ينتقل إلى جوار ربه قبل أيام يرحمه الله.

لا يمكن اختزال كل إنجازات الراحل في سطور بسيطة، فسمو الشيخ عبدالله بن خالد خدم البحرين لأكثر من ستة عقود ومع ثلاثة حكام للبلاد جميعهم حملوا الراحل المسؤوليات الوطنية الجسام التي لا يستطيع القيام بها بحرص وإتقان إلا سموه رحمه الله، الذي كان دائماً عند حسن الظن والثقة، بل إن بعضاً مما أوكل إليه كانت مصيرية لهذا الوطن وغيرت حتى من نظام الحكم في البحرين من إمارة إلى مملكة دستورية، وهو مشروع ميثاق العمل الوطني الذي كان سموه يرحمه الله رئيساً للجنة الوطنية العليا للإعداد لمشروع الميثاق، فكان نعم الاختيار، لمشروع وطني نقل البحرين نقلة حضارية ونوعية شاملة.

وبالنسبة لي شخصياً، لا أنسى عندما كنت أحد الصحافيين المكلفين بمتابعة تغطيات الأعمال الخيرية والإغاثية التي ترسلها المملكة إلى دول إسلامية منكوبة من خلال جمعية الهلال الأحمر البحريني في بدايات الألفية الجديدة، وكان سمو الشيخ عبدالله بن خالد حريصاً كل الحرص على تفقده المواد الإغاثية قبيل إرسالها من المطار كونه رئيس مجلس إدارة الجمعية ورئيسها الفخري، وكنا نأتي كصحافيين لتغطية هذا الحدث، وكان سموه رغم كبر سنه إلا أنه يتفقد ويسأل الحضور عن كل شيء يتعلق بالمواد الإغاثية ويعاينها شخصياً من أرض المطار قبل تحميلها وشحنها إلى الطائرة ونحن كصحافيين كنا معه في ذلك، وفي النهاية يدلي بتصريح صحافي ويستقبل أسئلتنا بكل رحابة صدر ولا يترك أياً منها معلقة، وهذا يدل على مدى احترامه وتعاونه الكبير مع الصحافة رحمه الله.

هناك أحداث كثيرة ستخلد في ذاكرة البحرين الحديثة وسيكون اسم سمو الشيخ عبدالله بن خالد ملازماً لها ومحفوراً فيها، خاصة ما يتعلق بتأسيسه المكتبة الخليفية في خمسينات القرن الماضي، وأيضاً رئاسته لمركز الوثائق التاريخية الذي أنشئ نهاية السبعينات الذي يعد الآن مصدراً هاماً لكل باحث حيث يحتوي على آلاف الوثائق التاريخية للبحرين والخليج العربي وشبه الجزيرة العربية، وكذلك مساهمته الفعالة رحمه الله في العمل الأدبي والتاريخي والقضائي والبلدي والتجاري والشؤون الإسلامية خاصة رعاية وخدمة المساجد ومسابقات القرآن الكريم في البحرين، فهو وزير منذ أول تشكيل حكومي للبلاد بعد الاستقلال في بداية السبعينات، إلى العهد الزاهر لجلالة الملك المفدى، ثم توليه أخيراً رحمه الله رئاسة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.

وفي اعتقادي أن من أهم إنجازات سموه أيضاً إشرافه المباشر على تأسيس مركز عيسى الثقافي هذا الصرح العلمي والثقافي والأدبي الكبير، وكان سموه رئيساً لمجلس أمناء المركز الذي أهداه رحمه الله أكثر من 13 ألف مجلد من مكتبته الخاصة إلى المكتبة الوطنية التابعة للمركز، وهو بذلك ساهم بشكل فعال في إثراء المركز بتلك المجلدات والكتب القيمة، كما فعل بالضبط في منتصف الخمسينات عندما تبرع رحمه الله بعدد من كتبه الخاصة للمكتبة الخليفية التي كان سموه ضمن المكلفين بتأسيسها من حاكم البحرين آنذاك الشيخ سلمان بن حمد طيب الله ثراه.

الحديث عن سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة رحمه الله يكاد لا ينتهي لما قدمه من خدمات لهذا الوطن لا يمكن نسيانها، لذلك لا بد من تخليد ذكراه الطيبة في مشروع وطني يحمل اسمه رحمه الله حتى تتعرف الأجيال القادمة على ما قدمه وتحذو حذوه، ونسأل الله تعالى الذي اختاره إلى جواره الكريم في هذه الأيام المباركة في شهر الرحمة أن يرحمه ويغفر له ويسكنه فسيح جنانه، ويلهم أنجاله وأحفاده وأسرته الكريمة وعموم أبناء الشعب البحريني الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.