لطالما وقفت البحرين إلى جانب فرنسا وهي تواجه الإرهاب الأسود منددة بهجمات انتحارية أودت بحياة عشرات الضحايا المدنيين في بلاد النور والحرية، خلال السنوات الماضية. ولم تتردد المنامة في التعبير عن تضامنها مع فرنسا وشعبها الصديق في تلك المحن، مؤكدة دائماً وقوفها إلى جانبها في كل ما تتخذه من إجراءات، لحفظ أمنها وسلامة مواطنيها والمقيمين على أراضيها. بل دوماً ما تؤكد البحرين على موقفها الرافض للعنف والتطرف والإرهاب بكل صوره أشكاله، وتطالب بضرورة تكثيف التعاون الدولي ومواصلة الجهود الرامية إلى القضاء على الإرهاب الذي يمثل خطراً مشتركاً على الجميع وتهديداً كبيراً على سلامة واستقرار العالم. وفي هذا الصدد، لم تتدخل المنامة يوماً في الشأن الداخلي الفرنسي أو توجه انتقادات لإجراءات فرنسية تتخذها حكومة باريس من اجل مكافحة خطر الارهاب والتطرف.

من هذا المنطلق كانت تغريدات سفيرة فرنسا في البحرين سيسيل لونجيه على حسابها بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، والتي وجهت فيها انتقادات إلى حكم قضائي صدر مؤخراً ضد أحد المدانين بنشر شائعات وأخباراً كاذبة ومغرضة على حسابه الخاص بموقع «تويتر»، وإهانة دولة أجنبية ووزارة الداخلية، محل استياء من كثيرين اعتبروا فيها موقف السفيرة الفرنسية تدخلا في الشأن الداخلي البحريني، فيما شددت الدبلوماسية الفرنسية على أن «بلادها تؤكد تمسّكها باحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، بما في ذلك حرية الرأي والتعبير». من هذا المنطلق، هل من حقنا أن نتساءل عن وضع حقوق الإنسان في فرنسا؟ وماذا عن التقارير التي تتحدث عن انتهاكات حقوق المسلمين في بلاد النور والحرية؟

على سبيل المثال، في نوفمبر الماضي، استبدلت فرنسا رسمياً حالة الطوارئ، بعد عامين من هجمات منسقة في أنحاء متفرقة من العاصمة باريس وراح ضحيتها 130 شخصا، بقانون أمني جديد حل محل «الطوارئ»، اعتبره ناشطون وسياسيون أنه «يقوض الحريات المدنية»، حيث إن قانون مكافحة الإرهاب الجديد يمنح الشرطة سلطات موسعة لتفتيش الممتلكات والتنصت الإلكتروني وإغلاق المساجد، أو غيرها من الأماكن التي يشتبه بأنها تبث الكراهية، فيما حذرت منظمات حقوقية من أن «فرنسا أصبحت تدمن حالة الطوارئ لدرجة أنها تدخل العديد من هذه الإجراءات التعسفية في القانون العادي»، كما ذكر مرصد حقوق الإنسان في فرنسا أنه «يخشى انتهاك حقوق المسلمين». ووفقاً لتقارير صحافية، فقد نفذت فرنسا في ظل قانون الطوارئ مداهمات واعتقالات تعسفية وتمييزية ضد المسلمين. في السياق ذاته، هل من حقنا أن ننتقد قانون مكافحة التضليل الإعلامي الذي تستعد فرنسا لسنه على غرار ألمانيا وسط انتقادات متزايدة للتنديد بالنص الذي اعتبروه معارضون يهدد بالتسبب بنتائج عكسية وبالتعرض للحريات وحقوق الإنسان؟

ومن الجدير بالذكر أن القانون أعد بمبادرة من الرئيس إيمانويل ماكرون، بعدما استهدفت حملته للانتخابات الرئاسية عام 2017 بشائعات عن حياته الخاصة ومزاعم بامتلاكه حساباً مصرفياً في البهاماس. كما أن نص القانون يخول للقضاء خلال الفترات الانتخابية وقف بث معلومات خاطئة بصورة عاجلة. كما يفرض على المنصات الرقمية الالتزام بواجب الشفافية المشددة، لذلك لم يتردد مدير صحيفة «لوموند» الفرنسية جيروم فينوليو، في التنديد بالقانون معتبراً أنه «خطر جسيم». وقال إن «الفترات الانتخابية يجب أن تسودها حرية كبيرة». وتابع «علينا أن نأخذ حذرنا من نظام أكثر تسلطاً قد يصل إلى الحكم في فرنسا وكيفية استخدامه للقانون».

وفي أبريل الماضي، أقرت الجمعية الوطنية الفرنسية «مجلس النواب» مشروع قانون مثير للجدل يتعلق بقواعد الهجرة للبلاد، حيث يشدد مشروع القانون قواعد اللجوء وصوت لصالحه 228 نائبا بينما عارضه 139 نائباً آخرين وامتنع 24 نائباً عن التصويت، في حين مثل مشروع القانون اختباراً لوحدة «الجمهورية إلى الأمام»، وهي حركة الرئيس ماكرون، خاصة بعد ظهور معارضة داخله للقانون الجديد، باعتبار أن القانون مثير للجدل حول اللجوء والهجرة، ولهذا اعتبرته الجمعيات الناشطة في المجال الإنساني «صارم»، حيث ينص قانون الهجرة الجديد على عدة نقاط، تتضمن إحداها تقليص مدة دراسة طلب اللجوء إلى 6 أشهر بدلاً من عام في القانون الحالي، ما يستوجب تقليص مدة تقديم الطلبات من 120 يوماً إلى 90 يوماً، وبالتالي تسريع عمليات الترحيل. كما يتضمن القانون الجديد زيادة مدة الاحتجاز القصوى إلى 90 يوماً، وصولاً إلى 135 يوماً في حال الاعتراض. واعتبرت جمعيات مساعدة المهاجرين أن التدابير الأساسية في النص تيسر عمليات الطرد. ولا يمكن بطبيعة الحال تجاهل انتهاكات باريس لحقوق الإنسان خلال تفكيك مخيم كاليه للاجئين شمال البلاد، بل إن بريطانيا لم تتردد في توجيه انتقادات حادة لحكومة باريس بشأن طريقة معاملة الأطفال عند إعادة توطين آلاف المهاجرين في أرجاء فرنسا وأثناء تدمير المخيم. وبعد أكثر من عام مضى على تفكيك مخيم المهاجرين، كان لا يزال المئات منهم يصارعون ظروف الشتاء القاسية في العراء على أمل العبور إلى بريطانيا، في حين يبلغ عددهم نحو 700 بحسب المنظمات وهم يتوزعون على مناطق مختلفة من المدينة.

* وقفة:

هل من حقنا أن ننتقد انتهاكات حقوق الإنسان في فرنسا.. وهل يجوز لنا أن نعرب عن قلقنا إزاء التمييز ضد المسلمين بذريعة مكافحة الإرهاب في بلاد الحرية؟!