المسيو جورج كان أحد أفضل الكتاب ورسامي الكاريكاتير الهزليين في مجلة «لورير» الباريسية بدايات القرن الماضي، وكان يترصد السياسيين بانتقاداته اللاذعة، يبتكر المواقف لصناعة النكتة، أما كلماته فكان وقعها كالرصاص على السياسيين على الرغم من سعة صدورهم، في يوم من الأيام ذهب المسيو جورج إلى كاتدرائية نوتردام دو باري في باريس وسأل أحد القساوسة قائلاً: مما أثار انتباهي أن ناقوس الكنيسة يدق عند موت أحدهم إيذاناً بقداس الجنازة بطرق مختلفة، فهل لهذا معنى؟ وهل لكل ميت خصوصية مختلفة؟ فأجابه القسيس بنعم، فدقات الناقوس تدل على منزلة الميت.. كيف ذلك؟ قال له من خلال عدد الدقات فإذا دق الناقوس مرة واحدة فهذا يعني أن الميت إنسان عادي من أصحاب الحضرات، فيحضر قداس الجنازة القساوسة، إما إذا دق الناقوس دقتين فهذا يعني أن الميت من أصحاب السعادة فيحضر قداس الجنازة الخوارنة، وإذا دق الناقوس أربع دقات فهذا يعني أن الميت من أصحاب المعالي فيحضر قداس الجنازة المطارنة، ولا سمح الله إذا سمعت الناقوس يدق خمس دقات فهذا يعني أن رئيس الجمهورية قد مات.

شكر المسيو جورج القسيس على المعلومات المهمة وغادر الكنيسة، لكنه رجع متخفياً في منتصف الليل واعتلى برج الناقوس وضربه ضربة واحدة اجتمع على إثرها القساوسة وبعد قليل ضرب الناقوس ضربتين اجتمع على إثرها الخوارنة، انتظر قليلاً وضربه ثلاث ضربات، ثم أربع ضربات اجتمع على إثرها المطارنة ثم ضربه خمس ضربات حتى اجتمع في الكنيسة أكثر من 100 واحد، من البطريرك إلى الشماس فسمع أصواتهم وهم في حيرة من أمرهم فليست هناك أي جنازة في الكاتدرائية، رجع وأخذ مطرقة الناقوس ودق سبع وثمان دقات، فأدرك القساوسة أن من يدق الناقوس مجنون تسلل إلى البرج فاستنجدوا بالشرطة التي أنزلته من البرج وأخذته إلى التحقيق.. لماذا حركت مطرقة الناقوس بهذا الترتيب؟ فقال لهم لأن عندي جنازة ميت عظيم! قالوا له: هل ميتكم من الحضرات؟ فقال لهم بل أعظم! قالوا أهو من أصحاب السعادة؟ قال أعظم! طيب هل هو من أصحاب المعالي؟ قال بل أعظم! فقال المحقق: هل مات رئيس الجمهورية؟! فقال هو أعظم من رئيس الجمهورية! قال المحقق من إذاً أعظم من رئيس الجمهورية؟ وقف المسيو جورج وقال له: أنا ميتي الحق.. الحق هو الذي مات في هذا البلد!

كان شهر رمضان مليئاً بالأحداث في العراق فقد ظهرت نتائج الانتخابات، التي خيبت آمال من توقعوا أن يجدوا في نتائجها فرصة لحياة أفضل ليتخلصوا من العصابات واللصوص، فإذا بها تعيد لهم نفس وجوه الخراب وزيادة، ثم تبين أن الانتخابات كانت مزورة، وقرروا إعادة العد والفرز يدوياً، ثم بدأت الميليشيات -وقد فازت في الانتخابات- بالتفجير والقتل وأحرقت صناديق الاقتراع التي يجب أن يعاد فرزها ليحضر المجرم قاسم سليماني إلى العراق ويأمر الكتل الكبرى -وكلها من الميليشيات- التي كانت صاحبة أعلى الأصوات بالتحالف وتشكيل قائمة سياسية كبيرة بإمكانها تشكيل الحكومة، ولكم أن تتخيلوا شكل البرلمان والحكومة القادمة، كل ذلك تحت أنظار الأمم المتحدة وأمريكا.

بالله عليكم ألا تعد هذه النتيجة أعظم ميت ولو كان المسيو جورج حاضراً فكم مرة سيضرب الناقوس؟! هذا إذا بقي على دينه.