ها قد ودعنا شهر رمضان وكلنا رجاء من الله أن يتقبل صالح أعمالنا في هذا الشهر الكريم، ودعنا شهر رمضان وكلنا رجاء أن يعود رمضان في السنة القادمة ونحن وأحبتنا بخير وعافية، ودعنا هذا الشهر الكريم واستقبلنا أيام الصبريات باستكمال الصيام والعبادة والطاعة فدعونا نكمل الرحلة التي بدأناها إنها رحلة التأمل في أنفسنا. ودعونا ننهي هذه الرحلة بمحطة نتأمل فيها أمراً مهماً في أعماق ذاتنا.

وسأبدأ حديثي بسؤال: هل اضطررت يوماً لتناول حبوب مهدئة عن القلق والتوتر؟! أو لعلك احتجت لحبوب تعينك على النوم بعدما عانيت من مرارة الأرق نتيجة القلق، فإن كان الجواب بنعم فسأهديك وصفة تعينك على تهدئة عواصف النفس التي عادة ما نغرق فيها إلى درجة أن أجسادنا تصاب بالأمراض الناتجة عن القلق كمرض الضغط والسكري والجلطات وغيرها، جرب هذه الوصفة بها لمدة شهر كامل ثم اقرأ تأثيرها على هدوء نفسك.

الوصفة بسيطة وهي في متناول الجميع، إنه تدريب على صرف الانتباه والتفكير في المشاكل والهموم إلى التفكير في أمور لا تثير القلق، فكل إنسان لا يخلو من الهموم ومن يعجز عن التوقف في التفكير في هذه الهموم فسيظل طوال اليوم مشغول البال مهموماً بتلك المشاكل فلا يستطيع التفكير في شيء آخر فيصاب بأعراض القلق والاضطراب. إن القدرة على صرف الانتباه أمر مهم لهدوء الأعصاب، وهناك وسيلة سهلة تعود نفسك على كيفية صرف الانتباه، ما عليك إلا أن تختار زاوية هادئة في منزلك لتمكث فيها فترة استرخاء، بشكل يومي وخلال فترة الاسترخاء عليك أن تصرف انتباهك عن التفكير في كل شيء حولك، أعتقد أن الأمر ضرب من المستحيل، فعقل الإنسان بطبيعته دائم التفكير، لذا فعليك أن تفكر في شيء آخر لا يسبب لك التوتر، في تلك الخلوة لا تشغل تفكيرك إلا في التأمل في كلمات حرص والداك على أن تحفظها منذ طفولتك إنها سورة الفاتحة ومعها مجموعة من قصار السور، نعم ففي تلك الخلوة تركز تفكيرك في التأمل في كلمات آيات الله والأدعية والتسبيحات التي نقرؤها في الصلاة فينصرف ذهنك عن التفكير في المشاكل والهموم، وفي تلك الخلوة تجد لك دعوة مفتوحة لأن تطلب وتتمنى من رب كريم ما شئت ولكن اجعل قلبك يخفق بالرجاء والثقة بأن الله يسمعك وسيستجيب لك، هو معك إن أردت أنت ذلك، نعم إن تدريب العقل على صرف الانتباه للتأمل في آيات الله وتدريب القلب على أن يمتلئ بالرجاء من الله لقبول الدعوات هي مهارة علينا أن ندرب أنفسنا عليها قد نفشل أحياناً ولكن علينا ألا نيأس من أنفسنا وقدرتنا على التعلم، فحتماً فسيأتي اليوم الذي نتعلم فيه أهم مهارة في حياتنا، مهارة تعيننا على مقاومة أمواج هذه الدنيا العاتية إنها مهارة الصلاة التي تصلنا بعالم شفاف رباني. كلنا نذكر من علمنا الصلاة في طفولتنا، فعلمنا ماذا نقرأ فيها وما هي الحركات التي نقوم بها، ولكن علينا أيضاً أن نتعلم كيف نصرف انتباهنا عن كل مشاغل الحياة فنخرج في إجازة من الدنيا وما بها من ضغوط ونجمع أطراف جسدنا على بقعة من الأرض لتكون تلك المساحة هي مسجدنا الذي يصلنا إلى عالم رباني نسمو فيه بأنفسنا فنصل إلى درجة الاسترخاء التي يحتاجها كل إنسان، استرخاء عقلي واسترخاء جسدي فتكون تلك الخلوة مصدراً للطاقة لنا تعيد شحن نفوسنا بالطاقة فنزداد قوة وتتجدد حيويتنا، وتزداد طاقتنا لتحدي الصعاب فنكون واثقين من قدراتنا وواثقين من أنفسنا لأننا وثقنا في رحمة الله بنا فلا نخاف ولا نحزن ونحن نتصل برب رحيم بشكل يومي.. نحن نحرص على أن نعيد شحن هاتفنا فما بالنا لا نحرص على شحن نفوسنا بعدما تفرغ من الطاقة، فلا تبخل على نفسك بتلك اللحظات فنفسك تستحقها..

أعاد الله هذه الأيام المباركة علينا ونحن في أحسن حال.