يقول أحد المتاجرين في السياسة، إنه كان من بين المشجعين لعشرين عاماً على زيارة الإيرانيين لمقام جعفر الطيار من وجهة نظر اقتصادية بحتة، ما يعني مدخولات تربو على نصف مليار دولار سنوياً في أكثر المناطق الأردنية فقراً، وأنه ومجموعة معه نقلوا رغبات الجانب الإيراني الرسمي وقبولهم لأي شرط بما في ذلك سن الزوار ليكون 60 عاماً فما فوق للرجل و50 عاماً للمرأة، غير أن عمّان بعد بحث الموضوع وتدارسه قررت عدم فتح باب الزيارة للإيرانيين. من جهة أخرى تناقلت الأخبار تبادل التحيات بين كل من طهران وعمّان خلال زيارة رئيس مجلس النواب الأردني عاطف الطراونة لطهران في مطلع 2017، مترئساً وفد بلاده المشارك بمؤتمر تعقده إيران لنُصرة الشعب الفلسطيني ودعم حركات المقاومة.

لقد اعتقد تجار السياسة أن الخليجيين سيبدون تحسسهم من موقف الأردن -الأخ الشقيق والحليف التاريخي لدول الخليج العربية- لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، فالخليجيون يعلمون علم اليقين أن التمدّد الإيراني يمكن أن يجد له بيئة حاضنة في دول شتى إلا الأردن، وقد كان الأردن في «البال الخليجي» ليس إبان أزمته الاقتصادية في رمضان 2018، بل منذ القمة التشاورية في الرياض وتأييد قادة الدول الست انضمام الأردن والمغرب إلى صفوف المجلس، ورغم أنها رغبة لم تتحقق، لكنها تظهر عمق الروابط البينية، وكان هذا منشأ الفزعة الخليجية للأردن حينما خرجت المظاهرات واسعة ضد قانون ضريبة الدخل، ورفع أسعار الوقود والكهرباء، لينادي المتظاهرون بإسقاط الحكومة. من أكرم بقاع الدنيا، انطلقت الفزعة الخليجية الكريمة، حيث التقى الزعماء الخليجيون مع الملك عبدالله الثاني وبشروه وهو محرم في ظلال مآذن الحرم بالفرج ودعم اقتصاد الأردن.

إن الرهان الخليجي على موقف الأردن كان في محله، كما هو الرهان الأردني على دول الخليج العربية، ولذلك قرر الأردن قبل أيام عدم تسمية سفير جديد في إيران تأكيداً على موقف عمّان الرافض لسياسات طهران وتدخلاتها في شؤون الدول العربية. وبينما يعتقد ويحلل تجار السياسة أن ذلك ناتج عن الدعم في مكة، إلاَّ أن لذلك أسباباً أعمق أولها أن مواقف إيران لا تنسجم بالأصل مع نظرة الأردن، وأن الأردن يرى في كل تحرك إيراني مساساً بمبادئ حسن الجوار مع دول العالم العربي، إذ لم تتوقف طهران يوماً عن خلق الأزمات وتعميق عدم الاستقرار في المنطقة، ناهيك عن اعتداءاتها السافرة على دول الخليج العربية من احتلال الجزر الإماراتية، إلى التجسس والخلايا الإرهابية في الكويت، إلى دعم المخربين والإرهابيين في البحرين، وأخيراً دعم الحوثيين بالصواريخ الباليستية لقصف المدن السعودية الآمنة.

* اختلاج النبض:

إن قرار التلاحم الأردني الخليجي لم يكن وليداً مرحلياً مؤخراً، وإنما يعود لعقود طويلة رفضت خلالها عمّان السياسات الإيرانية في المنطقة وتدخلاتها في شؤون الدول الخليجية، معتبرة أن أمن دول الخليج العربية من أمن الأردن، فشكراً للنشامى.