يبدو أن ما يعانيه النظام الإيراني هذه الأيام تجاوز الحكمة القائلة إن «المصائب لا تأتي فرادى فقط»، حتى صار ينطبق عليه قول أعظم الشعراء العرب أبي الطيب المتنبي حين قال:

مصائب شتى جمعت في مصيبة

ولم يكفها حتى قفتها مصائب

يواجه النظام الإيراني هذه الأيام سلسلة من الأزمات والتحديات، لعل أبرزها، الأزمة الاقتصادية التي تتعمق شيئاً فشيئاً، والتي بدت جلية في الاحتجاجات الحاشدة التي شهدها البازار في طهران حيث شهد إضراباً نادراً احتجاجاً على التدهور المستمر في قيمة العملة، بينما شهدت العاصمة الإيرانية طهران مواجهات بين قوات الأمن ومتظاهرين عبروا عن استيائهم من تردي الأوضاع الاقتصادية، في حين أشارت غرفة التجارة الإيرانية إلى أن الاقتصاد يخسر ألف وظيفة يومياً. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل امتد إلى دعوة أمريكا الدول في جميع أنحاء العالم إلى التوقف عن شراء النفط الإيراني بحلول 4 نوفمبر المقبل، تحت طائلة مواجهة عقوبات اقتصادية أمريكية جديدة، وسط تحذيرات من واشنطن بأنها لن تمنح إعفاءات لأي دولة تتعامل مع طهران ماضية في تشديد الخناق على حكومة «الولي الفقيه» باعتبار ذلك «أحد أبرز أولويات الأمن القومي الأمريكي»، على حد تعبير مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الأمريكية.

ويواجه الرئيس الإيراني حسن روحاني استياءً متصاعداً جراء الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي تشهدها البلاد ويعاني منها المواطن البسيط، خاصة مع تراجع ملحوظ في سعر صرف العملة الوطنية التي تشهد انهياراً متلاحقاً منذ قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 8 مايو الماضي، الانسحاب من الاتفاق النووي الذي وقعته الدول الكبرى «دول 5 + 1»، «أمريكا وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا إضافة إلى ألمانيا»، مع إيران في يوليو 2015، وترافق الانسحاب مع إعلان تشديد العقوبات على طهران. وفي أقل من عام وتحديداً خلال 9 أشهر شهد الريال الإيراني خسارة نحو 50% من قيمته، لتصل الخسارة ذروتها قبل أيام حيث بلغ سعر صرف الدولار الأمريكي نحو 90 ألف ريال إيراني.

وقد أدى الانهيار غير المسبوق في قيمة العملة إلى اتخاذ السلطات سلسلة إجراءات بينها فرض حظر على أكثر من 1300 منتج لمواجهة العقوبات الأمريكية، على وقع احتجاجات تندد بهبوط العملة إلى مستويات قياسية منخفضة، حيث نقلت صحيفة «فايننشال تريبيون» الإيرانية عن وثيقة رسمية أن وزير الصناعة والتجارة محمد شريعتمداري «فرض حظر الاستيراد على 1339 سلعة يمكن إنتاجها داخل البلاد»، في حين ذكرت صحيفة «طهران تايمز» الإيرانية، أن «قائمة الواردات المحظورة تشمل الأجهزة المنزلية ومنتجات المنسوجات والأحذية ومنتجات الجلود والأثاث ومنتجات الرعاية الصحية وبعض الآلات».

وفي هذا الصدد، طلب ثلثا النواب الإيرانيين -187 نائباً من أصل 290 في مجلس الشورى الإيراني- في خطاب وجهوه إلى روحاني تغيير فريقه الاقتصادي نظراً «للنتائج السيئة» التي حققتها الحكومة، وسط دعوات بعزل الرئيس، أطلقها كل من النائب نصرالله بيجمانفار، والنائب المحافظ المتشدد أمير خوجاسته، حيث يمنح الدستور، مجلس الشورى الإيراني سلطة إقالة الوزراء أو الإعلان بأغلبية ثلثي الأصوات عن «عجز» رئيس الجمهورية الأمر الذي يفتح الطريق أمام عزله من قبل المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.

لكن الأمر لم يقف عند حد التلويح بالتضحية بروحاني فقط، حيث إن المرشد الإيراني ناله أيضاً نصيب من الاحتجاجات التي رفعت شعارات «الموت للديكتاتور»، وأخرى تشكك بأهلية خامنئي، إضافة إلى عدم قدرة البرلمان الإيراني على إدارة شؤون البلاد، لا سيما وأن الشارع الذي يفصل بين منطقتي بهارستان مقر البرلمان وباستور مقر الحكومة «محل إقامة المرشد الإيراني»، شهد اضطرابات، حينما قرر تجار «البازار» انضمامهم للقطاعات الغاضبة من تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، حيث تعالت الهتافات لتصل إلى مقر إقامة المرشد وهي تردد «لا غزة ولا لبنان.. حياتي فداء لإيران»، و«اتركوا سوريا»، و«كذابون.. كذابون»، و«نريد أن نعيش» و«نظام فاقد للشرف».

لذلك، بدت احتجاجات سوق البازار الكبير في طهران، نذير سوء للنظام الإيراني، ولخامنئي وروحاني، على وجه التحديد، نظراً لأن تجار البازار يعدون من المؤيدين التقليديين للنظام السياسي الإيراني، فيما شكل الإضراب حدثاً نادراً وجرس إنذار للنظام ورسالة قاسية وجهها التجار إلى الحكومة نتيجة انخفاض العملة، لا سيما وأن البازار المترامي الأطراف في العاصمة يعد مركزاً للمحافظين في السياسة الإيرانية وقوة اقتصادية داخل البلاد، وقد كان لذلك البازار ولتجاره أثر قوي في دعم ثورة 1979 التي أطاحت بالشاه محمد رضا بهلوي وأيدت الحكومة الدينية بقيادة نظام «ولاية الفقيه»، التي تحكم البلاد على مدار 4 عقود، فيما تحولت إلى ديكتاتورية ثيوقراطية.

ولا شك في أن ما يستفز الإيرانيين خاصة البسطاء منهم أنه في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد الإيراني من أزمات جمة، فيما يرزح نحو 40% من الإيرانيين تحت خط الفقر، يرى الإيرانيون نظام الحكم وهو يصرف عشرات المليارات على التجارب الصاروخية الباليستية ويدعم الميليشيات المسلحة في سوريا والعراق ولبنان واليمن، من أجل الدفاع عن أيديولوجية «الولي الفقيه»، و«نظام الملالي» في المنطقة، إضافة إلى التدخل في شؤون دول المنطقة، ودعم الجماعات المتطرفة والميليشيات الإرهابية في دول خليجية وعربية.

ولأن المصائب لا تأتي فرادى، وعلى وقع الاحتجاجات الحاشدة في «بازار طهران» وانهيار العملة، دعت أمريكا دول العالم إلى التوقف عن شراء النفط الإيراني بحلول 4 نوفمبر، حيث أعادت واشنطن فرض جميع العقوبات الأمريكية التي رفعت بموجب الاتفاق النووي، بما في ذلك فرض عقوبات موازية ضد الشركات الأجنبية التي ستواصل التعامل مع طهران، ومن ثم يجب أن تختار الشركات الأجنبية بين الاستثمار في إيران وبين وصولها إلى السوق الأمريكية، خاصة وأن واشنطن أمهلت تلك الشركات بين 90 و180 يوماً للانسحاب من السوق الإيرانية، تنتهي في 4 نوفمبر المقبل.

* وقفة:

احتجاجات «البازار الكبير» في طهران نذير سوء لنظام «ولاية الفقيه» لا سيما بعد دعوات أطلقت ودعت لعزل روحاني وأقرت بعدم أهلية خامنئي لحكم البلاد على وقع انهيار الاقتصاد وفشل النظام في إنقاذ العملة الوطنية من الانهيار!!