رغم وجود كرة القدم الأمريكية، وكرة الهنود والباكستانيين وآسيويين أُخر بلعبة الكريكيت، إلاَّ أن بطولة كأس العالم لكرة القدم تعد أهم مسابقة رياضية عالمية على الإطلاق، إذ تقام البطولة كل أربع سنوات منذ عام 1930. وربما أجمع كثيرون على أن كرة القدم من الرياضات القليلة المتاحة للممارسة فعلياً لجميع شرائح المجتمع، خلافاً لرياضات عدة أخرى؛ فمن المعروف أن رياضتي التنس والغولف للأغنياء فقط، وأن سباق القوارب للأثرياء، غير أن كرة القدم للجميع من فقير وغني على السواء، لا يستلزم لعبها قيود كما في أنواع أخرى من الرياضات تتطلب أدوات باهظة الثمن؛ فجلّ ما تتطلبه كرة القدم بنطلوناً رياضياً وفانيلة وحذاء عادياً، بل أن هناك من يلعبها حافي القدمين وبلا فانيلة حتى، ثم أنه رغم توافر ملاعب متخصصة إلاَّ أنه من الممكن جداً لعبها في الأحياء والشوارع والساحات، وكذلك في مختلف الدول.. لا تشترط اللعبة أجواء معينة لكرة القدم، ما يجعلها صالحة للممارسة في الصيف الإفريقي أو الأمطار الآسيوية أو صقيع روسيا، والأهم من ذلك أن الجميع من كل أرجاء العالم على معرفة بقواعد اللعبة، والكل يجمع على لغة إشارة واحدة للتفاهم بشأنها.

يشاهد العالم موسكو كل ليلة لمتابعة مباريات كأس العام لكرة القدم روسيا 2018، إذ كانت روسيا على أتم الاستعداد لاستقبال هذا الحدث العالمي الضخم، إلى جانب ذلك فإنها حرصت على تقديم ما لديها من الكنوز ووجبات ترفة وحسّ عالٍ لعشاق الثقافة والفن كالمسارح والمعارض والحفلات. غير أن أكثر ما شدّ انتباهي الإعلانات الضخمة للمشروبات والسيارات وحتى الطيارات، واستوقفني للتساؤل؛ ما دامت لغة كرة القدم واحدة.. وما دامت لعبة كل طبقات المجتمع.. فلماذا لا نسوّق ثقافتنا ما دمنا لا نصنع سيارات؟!! ولماذا لا نُري العالم وجهنا الحضاري ما دمنا لا نصنع مشروبات غازية نروج لها؟!! ولمَ لا نقل للعالم أن ديننا دين التسامح وليس دين العنف كما يصفنا الأعداء دوماً؟!

لقد كانت روسيا حريصة جداً على أن تجعل من ضريح الزعيم الثوري السوفيتي لينين -المحنط منذ عام 1924- مزاراً يطول الطابور للوصول إليه، بغية أن تري العالم كيف أنها بلد قامت على أيدي رجل كان الند للند مع الرأسمالية، وكيف أن هذه البلاد قد وصلت إلى الفضاء الخارجي وأنتجت أكبر كمية من القمح في العالم، لقد أرادت روسيا بهذا إيصال رسالة مفادها «نحن أمة عظيمة فاحترمونا».!! وهنا تأتي المفارقة، فقد اكتظت مواقع التواصل الاجتماعي بالهجوم الحاد على عموم العرب كلما انهزم فريق عربي، جعلني ذلك أتساءل لبرهة عن خسارة القدس، أو أتخيل بذلك الهجوم خسارة كبرى لمكة أو المدينة المنورة – لا سمح الله- أو ربما القاهرة، فلم أجد من تفسير إلاَّ أننا أمام جلد الذات وتنفيس نظهر من خلاله كره للأصل العربي من العرب أنفسهم.!!

اختلاج النبض:

ثمة جهود فردية عرّفت بالإسلام والثقافة العربية في مسابقة كاس العالم، لكن العرب بشكل عام غامروا بمشاركتهم بالبطولة في موسكو 2018 وما من بطولة عربية على الإطلاق. حينما ركزوا على الفوز بهدف في شباك الخصم خسروا، وليست هذه تجربتهم الأولى في الخسارة فالسجل حافل بالهزائم، لذا كان من الأولى أن يضعوا خطة بديلة لترويج الثقافة العربية والتسامح الإسلامي ليعودوا فائزين.