كلنا نعلم أن عملية «غصن الزيتون» المنطلقة في مطلع العام الجاري، كانت هجوماً على مدينة عفرين السورية، من قبل كل من القوات التركية وفصائل الجيش السوري الحر المدعومة من قِبلها على مواقع قوات سوريا الديمقراطية المحيطة بمدينة عفرين. ووقتذاك أشارت الخارجية التركية إلى إبلاغها السلطة السورية في دمشق عن تفاصيل عملية عفرين في بيان خطي كونها مدينة سورية، من جهة أخرى نفى نظام المجرم الأسد -عبر وزارة الخارجية السورية- هذا الأمر، بعد بضعة أيام من انطلاق العملية العسكرية، وبينما أبدت كل من الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا قلقهم إزاء تلك العملية، لم ينبس أحد من العرب ببنت شفة.

مما يحدونا للتطرق للموضوع الآن، ما استجد بقول الناطق باسم وزارة الخارجية التركية حامي أقصوي، إن قوات بلاده ستبقى في مدينة عفرين السورية، حتى تتم «إعادة تنميتها» مجدداً، وإن أنقرة بدأت تدريجياً بتسليم بعض المهام للمجلس المحلي المؤسس من قبل أهالي عفرين، ليضم شخصيات من جميع مكونات المنطقة من الأكراد والتركمان والعرب.

يجبرنا هذا للتوقف لبرهة لتسمية الأشياء بأسمائها، من خلال العودة مائة عام للوراء، فـ»الاستعمار» كلمة مرادفة لكلمة «التنمية» الحديثة؛ فالاستعمار مشتقة من عَمَر، لكنه في حقيقة الأمر شكل من أشكال استيلاء دولة أو شعب ما على دولة أخرى وشعب آخر، بغية نهب ثرواته والعمل على تسخير طاقات أفراده واستثمار مختلف مرافقه. الفكرة باختصار أن تضع دولة ما دولة أخرى تحت حمايتها وإشرافها، بما يسلبها حريتها بالقدر الذي يتناسب وقوة هذه الدولة وضعف تلك، وفي غالب الأحيان تحتفظ الدولة المحمية بحكام وطنيين يمارسون شبه سيادة داخلية بإدارة الدولة المستعمرة في الكواليس.

إن قليل من المراقبة لمجريات الأمور يدفعنا لأن نخلص إلى أن ما حدث في عفرين خلال عملية غصن الزيتون، إنما هو استيلاء تركي على مدينة عربية، لتسلب تركيا من سكان عفرين حريتهم وتمتص خيراتهم عبر المجلس المحلي -الذي تتحدث عنه أنقرة- الذي يمارس شبه سيادة داخلية وتديره تركيا من خلف الستار.

اختلاج النبض:

تتظلم تركيا لنفسها الحال، زاعمةً تعرضها لحملات تشويه حول موضوع عفرين -قد يحسب مقالنا من ضمنها- ما دفع الخارجية التركية لتنظيم جولة لصحافيين أجانب إلى عفرين، ليروا بأعينهم كيف تسير الحياة بشكل طبيعي هناك؛ حيث تتسوق النساء مع أطفالهن في المدينة التي لم تتعرض للدمار، وكل هذا جميل، لكن السؤال المُلح: متى تستقل عفرين من تركيا كما استقلت الهند بعد «تنمية» بريطانية طويلة؟!!