إن الكنز المعلوماتي والثقافي المتمخض عن مؤتمر «حكم آل خليفة في شبه جزيرة قطر: التاريخ والسيادة» لا يجب أن يكون حكراً على النخب فحسب، بل يجب أن يكون متاحاً للنشء، من خلال تخصيص مقرر دراسي ضمن المنهاج الدراسي للمراحل الدراسية الأولى لتدريس مادة تاريخ البحرين والخليج العربي.

أقول ذلك لأن بعض أبنائنا وللأسف لا يعون كثيراً من الحقائق، ولأن أجيالنا الحالية والقادمة يجب أن تكون ملمة بهذا السياق التاريخي، إذ أية قيمة لمعلومات وسرد تاريخي لم نوظفه لصالح حاضر ومستقبل بلادنا؟ وما فائدة المؤتمرات العلمية إن اقتصر نتاجها على النخب فقط؟ وماذا سنجني من التذكير بالحقائق التاريخية وتبيانها ما لم نوظفها على نحو يمكّن أجيالنا ونشئنا من فهم السياق التاريخي المتراكم وطبيعة العلاقات البينية سابقاً وحاضراً وما ترتب على تلك العلاقات والأحداث من مواقف وقرارات.

المؤتمر الذي قدم سرداً تاريخياً وتقييماً قانونياً للأحداث والحقائق التاريخية لم يبتدع أحداثاً ولم يزيف أو يخترع حقائق، بل ذكّر بما كان وحصل وشدّد على حقوق ولفت الأنظار إلى وقائع وتاريخ ربما كان غائباً أو مغيباً عنا لبعض الوقت ولكنه طوال ذلك الوقت كان محفوظاً في الكتب والوثائق والمخطوطات والمراسلات كما أنه محفوظ في الصدور والقلوب أيضاً من خلال التاريخ الشفهي الذي يتناقله معاصرو الحدث جيلاً إثر جيل.

ولعل غياب أو تغييب هذا الواقع التاريخي كان عن عمد وقصد أحياناً، فالبحرين كانت -وطوال مراحلها التاريخية- حافظة لعهد الأخوة ومحافظة على ميثاق الجيرة ومتعهدة لأواصر القرابة والدم والنسب، ما عرفها التاريخ يوماً متعدية على حق أخ أو جار ولا متغولة على حدودها مع أي من شقيقاتها ولطالما نشدت الود والسلام مع الجميع حتى مع من أساء إليها.

لقد نجح مركز (دراسات) بتنظيمه لهذا الحدث الفكري في تكريس وإثبات العديد من الأمور؛ أولها: الوعي بأهمية توثيق التاريخ، ذلك أن أحداثه المفصلية ومجرياته تسهم بشكل كبير في فهم مجريات الواقع وبما يمكن من صياغة خطط التعاطي مع الحاضر والمستقبل. وثانيها: التذكير بالوقائع التاريخية والتي وقفت خلالها البحرين موقف الحريص على أمن الخليج العربي واستقراره وقد كابدت في ذلك ما كابدته من أجل النأي بهذه المنطقة عن أية خلافات، وذلك على خلاف موقف شبه جزيرة قطر. وثالثها: التأكيد على حماية القانون الدولي لحق أحفاد المهجرين قسرياً من بني النعيم في مطالبة السلطات القطرية بالتعويضين المادي والمعنوي وهو الحق الذي لا يتقادم أو يسقط بتقادم الزمان عليه. ورابعها: فتح المجال أمام المطالبة بالأراضي البحرينية التي حجمت حدودها جوراً وظلماً.

وفضلاً عن حسن تنظيم المؤتمر واختيار المتحدثين فيه، فقد نجح مركز (دراسات) في استقطاب نخبة من الشباب البحريني من قادة الرأي والباحثين والكتاب والإعلاميين والأكاديميين، وفي ذلك فائدة كبرى، ذلك أن حضور هؤلاء الشباب مثل هذه الفعاليات يسهم في إضفاء مزيد من الفهم لهم للأحداث الجارية ويشكل الأرضية الصلبة التي ينطلقون منها لإحداث التغيير وإيصال ونشر المعلومة للآخرين.

كما أحسن المركز صنعاً أيضاً بإصدار كتاب (العدوان القطري على الديبل عام 1986م) وذلك في باكورة إنتاجاته التاريخية لتوثيق هذه المرحلة المهمة من تاريخ البحرين والخليج العربي، ونأمل أن يستثمر المركز هذه الطاقات الشبابية عبر توظيفها في إنجاز المزيد من الدراسات والبحوث والنتاجات العلمية.

لقد عبر هذا المؤتمر عن تظاهرة فكرية ثقافية تاريخية ومجريات هذا المؤتمر والأوراق العلمية التي طرحت فيه بما تضمنته من تبيان للحقائق والأحداث التاريخية الموثقة بالوثائق والمخطوطات والمستندات والأدلة لا يجب أن تركن أو تذهب طي النسيان، بل يجب أن توثق فوراً لتكون مرجعاً علمياً يستقي منه أبناؤنا وباحثونا حقائق ما جرى وليفهموا من خلاله أسباب ما يجري اليوم.. وحتى لا ننسى. كما يجب أن يكون نتاج هذا المؤتمر لبنات وركائز تنبني عليها مزيد من الدراسات والبحوث العلمية، وليبدأ ذلك بالبحوث والدراسات التي أوصت بها الأوراق العلمية المقدمة خلاله في ختام نتائجها وتوصياتها، ونأمل -ونحن على ثقة كبيرة برئيس المركز الشاب الطموح سعادة الدكتور الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة- أن يتبنى مركز دراسات نفسه هذه المهمة من خلال استقطاب الشباب والشابات البحرينيين من الباحثين والباحثات لإنجاز هذه المهمة.

سانحة:

للمعلومة أهمية كبيرة وتتعاظم فائدة التعليم والغرس المبكر للقيم في نفوس النشء، حتى لا نفاجأ بأن أطفال اليوم/ شباب الغد لا يحملون غرساً من المفترض أن نجني حصاده مستقبلاً.