بغض النظر عن الغايات الجيوسياسية استخدمت إيران البعد الطائفي للسعي في حكم الطائفة الشيعية، ليس في إيران وحدها، بل امتدت إلى أربع عواصم عربية وحرضت الشيعة في دول أخرى على حكوماتهم، والأمر سيان مع تركيا الباحثة عن أمة سنية تحكمها بدورها، ما دعاها للتوسع في الحرب في العراق والتدخل في تفاصيل التفاصيل في سوريا، لتمتد إلى التدخل في الأزمة الخليجية على نحو بارز.!! من جهة أخرى هناك إسرائيل التي تجمع يهود العالم لاغتصاب فلسطين بمشروعها الصهيوني حتى تحكم أهلها، بينما يستعين الرئيس الأمريكي ترامب بالمسيحيين الإنجيليين، أولئك الذين تقضي عقيدتهم بربط نهاية الزمان بسيطرة اليهود على القدس وصدام الحضارات في المعركة الأخيرة -وقد تحدثت بشكل موسع عن هذا الأمر في سلسلة مقالات نشرتها في 2013 تحت عنوان «لكي لا يوقف الأعداء نبضنا»- إن الوقوف على علاقة ترامب بالمسيحيين الإنجيليين وخشية خسارة قاعدته الشعبية لدى هؤلاء المسيحيين المتطرفين تبرر نقله للسفارة الأمريكية إلى القدس لاسترضائهم. بينما نجد أن الوقوف على ما سبق كله بعين فاحصة إنما يشي بحقيقة واحدة لا مناص منها، وهي أن الشرق الأوسط عبارة عن أمم دينية شئنا ذلك أم أبينا.

في طرف العالم الآخر وعلى نحو طرائفي أعلن الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي، استعداده لتقديم استقالته، إذا أثبت أحد «وجود إله» للكون، ليلحقها بقوله «أين هو منطق وجود إله؟!!»، مسترسلاً أنه «إذا كان هناك شخص واحد يستطيع إثبات أنه قادر على التحدث مع الرب ورؤيته من خلال صورة أو (التقاط) سيلفي معه، سأستقيل فوراً».!! لكن قوله لم يمر مرور الكرام، فجاءه رد سريع لاذع بوصفه بالمريض النفسي من قبل أحد أساقفة الكاثوليك، فـ80% من سكان الفلبين البالغ تعدادهم 103 ملايين نسمة يعتنقون المسيحية، ويشكل المسلمون 10% من سكانه، ما يعني أن الفلبين بلد ديني حتى العظم. أما مسألة الإلحاد أو اللادينية التي يروج لها دوتيرتي ترى أن النص الديني مجرد نص بشري محض لا ينطوي على قداسة خاصة ولا يعبر عن الحقيقة المطلقة، وهي اتجاه فكري يرفض مرجعية الدين في حياة الإنسان.

بينما نقف على طرفي نقيض من الأمم الدينية حتى النخاع، وأخرى لا دينية، تكمن المصيبة فيما كشفته دراسة حول أتباع الأديان في العالم لعام 2010، ليتبين أن غير المنتمين لأي دين يأتي ترتيبهم في المستوى الثالث بعد المسيحيين والمسلمين، وقبل الهندوس مباشرة، فعددهم يصل إلى 1.1 مليار شخص في العالم، بينما يتركزون في الصين مشكلين النسبة الأعلى لهم والبالغة 62%، ليمثلوا بهذا 52.2% من سكان الصين، وكذلك في اليابان التي يمثلون فيها 57% من السكان، بينما تصل نسبتهم إلى 16.4% في أمريكا.

اختلاج النبض:

جميع ذرائع الحروب القديمة أتت من منظور ديني، وكانت تتمخض عن تحقيق مكاسب اقتصادية تعيش فيها أمة في رفاه من خير أمة أخرى، أما غير ذلك تضليل في رأينا، فمن صاحب القول الفصل في مقاصد السماء! هذا الدمار باسم الدين هو الذي أخرج الملاحدة للسطح كبديل، وسيستمرون بالظهور إلى أن تتوقف الحروب والنزاعات العقائدية، وتجف منابع العلمانية الأنانية والإلحاد قاصر النظر.