يقولون دائماً إن التغيير هو سنة الحياة، وهي مقولة طبعاً لم تورد عبثاً، ومبعثها أن الزمن لا يتوقف عند أحد أو لأجل أحد، بل هو يمضي، ويفرض عليك أن تمضي معه، بل أن تصل لمرحلة تسابقه فيها وتحاول أن تكون على خط متواز معه.

بالتالي من لا يتغير لن يتمكن من مقارعة الزمن وتحدياته، ولن أقول ”السيطرة“ عليه، لأن لا أحد يسيطر على الزمن، ومن يسعى لذلك يتعب، بل الأصح أن هناك من يسعى لمواكبة الزمن، ويتأقلم معه ويطوع المعطيات لتتناسب مع متطلباته.

في كل شيء، التغيير يجب أن يكون سيد الموقف، وليس هنا الحديث عن التغيير لأجل التغيير فقط، بل التغيير المبني على الحاجة الملحة للتغيير، إذ بعض الروتين لو ظل كما هو عليه قد يكون أفضل من التغيير غير المدروس.

وبما أننا في بلد شعارها ”التغيير للأفضل“، و“التغيير للإصلاح“، فإن عمليات التقويم والتصحيح لا بد وأن تكون هي سيدة الموقف، ولا بد من أن تكون هي أساس كل تغيير، في أي مكان.

لسنا نتحامل على أحد فيما نقول، إذ التشخيص المعني بكثير من القطاعات لا يجب أبداً أن يبنى على الشخصنة، أو لأهداف ضيقة غير معنية بالصالح العالم، لأنه لو كان كذلك، فإن ما يبنى عليه باطل أصلا،ً وبالتالي يتحول الأمر لاستهداف وتصفية حسابات وتحركات لغرض في نفس يعقوب.

التغيير المبني على أسس علمية، وله مسوغاته ومبرراته، وله بيان واضح للأسباب المؤدية له، هو ما نحتاج إليه عند نقد أي شيء أو المطالبة بالإبدال والتغيير.

كم من مسؤولين في هذه البلد تعرضوا للانتقادات، وتم المطالبة بتغييرهم وإبدالهم؟! الإجابة بأن العدد كبير. لكن السؤال، كم من مسؤولين بنيت المطالبات بتغييرهم على أسس متجردة من الشخصنة وتصفية الحسابات، وبنيت على شواهد وإثباتات وأرقام وجردات حساب تبين بأن بقاءهم مضر، ووجودهم لن يقدم بل سيؤخر، وأن ما تحقق على يديهم كان بعيداً جداً عن الطموحات والأهداف المرجوة؟!

نريد لبلدنا الخير والأفضل، وعليه التغيير لا بد وأن تكون سمة متأصلة، لكن التغيير الصحيح المبني على أسس عملية ومهنية، التغيير المرتبط بالقدرات والكفاءة وتحمل المسؤولية والتخصص، وطبعاً مهم جداً الوطنية والإخلاص والعمل لأجل الوطن، لأن هذا هو الأساس.

كان مما يحز في النفس كثيراً رؤية مسؤولين منحتهم الدولة ثقتها، وأعطتهم المسؤولية وعولت عليهم لتحقيق الأفضل لقطاعاتهم بما ينعكس على الناس، كان يحز في النفس رؤية بعضهم يعمل بطريقة معاكسة، وبأساليب لا تحقق النجاح بل الفشل، ولا تكون المخرجات قريبة من التطلعات، بالتالي لا تخدم الناس، ولا تخدم الوطن.

هناك من يعمل بجد وإخلاص، وهناك من يعمل ويخطئ، ويحاول إصلاح أخطائه، وهناك من يعمل ورغم ذلك يهاجم ولا يمنح حقه من التقدير المنصف لدى المجتمع، وهناك من لا يعمل إلا لأجل نفسه وكرسيه، لكن في النهاية المجتمع الواعي هو الذي يمكنه بيان الغث من السمين، هو الذي يمكنه أن يستوعب المشهد بأكمله، ويدرك أسباب النجاح والفشل.

اليوم لا نتحدث عن أسماء معينة، بل نتكلم من منطلق روح المشروع الإصلاحي لجلالة الملك حفظه الله، والمتمثل بأسس التغيير نحو الأفضل، والإصلاح والتطوير، ومعالجة السلبيات وإبدالها بالإيجابيات، وعليه فإن مثل هذا المشروع الطموح يحتاج لمراجعة دائمة لمخرجاته، وتقييم مستمر لمنفذيه من أصحاب المسؤوليات، وفي النهاية من يحتاج إليه هذا المشروع ويرى فيه صلاح للمجتمع والناس لا بد وأن يستمر، ومن يحتاج المشروع لإبداله بمن يكمل عنه المشوار ويكون قادرا على العطاء أكثر والتطوير، فما المشكلة من التغيير؟! مع بقاء الاحترام الشديد، والتقدير العميق لمن بذل يوما جهدا لأجل هذا الوطن، وجزاء الناجحين أكبر، ولمن لم ينجح له الشكر على المحاولة، لكن تبقى الحقيقة بأن هذا الموقع يفضل لو حل بديل أفضل مكانه.

شكراً لكل من عمل واجتهد لأجل البحرين، وبقدر طاقته، لا نجحفهم حقهم، وتطلعنا لعمليات التقييم والإصلاح المستمرة، ومنح الثقة للكفاءات والدماء الجديدة، ليكون هذا بالفعل ديدن مشروعنا الإصلاحي المتجدد.