مع انقضاء نحو 16 عاماً على استئناف العملية الديمقراطية في مملكة البحرين، ما عاد من المقبول أو المبرر عملياً أن يتم الخلط بين مهام العضو البلدي والعضو النيابي أو حتى جهل المنخرطين فيهما بمهامهم الدستورية المختلفة والمتباينة تبايناً كلياً.

فللعمل النيابي خصوصيته كما للعمل البلدي خصوصيته أيضاً، والمهام الدستورية والقانونية المنوطة بالعمل النيابي واضحة ومحددة وتتمثل في الرقابة والتشريع، أما العضو البلدي فمهامه موضحة حصراً في قانون البلديات رقم (35) لسنة 2001 ولائحته التنفيذية، ومن الواجب على أي مرشح سواء للمجلس النيابي أو لأي من المجالس البلدية الثلاثة أن يطلع على تلك المهام وقبلاً على القانون الناظم لها في مجمله قبل اتخاذ قرار الترشح.

ولا يخفى على المراقبين للعملين النيابي والبلدي أن واحداً من أبرز معوقاتهما هو جهل بعض المنخرطين فيهما بالقوانين واللوائح الناظمة لهما، لا بل إن هناك من النواب والبلديين من "دخل وخرج" منهما بخفي حنين ليقرر معاودة الترشح مجدداً وكأنما ما عجز عن إنجازه مسبقاً سيتمكن من إنجازه لاحقاً معولاً في ذلك -ربما- على أي من "الحظ" أو "الصدفة المحضة".

ولعل الظاهرة الأبرز للعيان في كافة الاستحقاقات الانتخابية السابقة والحالية أيضاً، هي توجه بعض أعضاء المجالس البلدية للترشح لعضوية المجلس النيابي، وذلك وإن كان -من حيث الأصل- حقاً دستورياً أصيلاً مكفولاً لكل من تنطبق عليه شروط الترشح، إلا أن لنا في ذلك وجهة نظر..

البعض من هؤلاء يرى أن خبرته في العمل البلدي لـ4 أو 8 أو حتى 12 عاماً "ثلاث دورات بلدية" تخوله تلقائياً لعضوية المجلس النيابي، وهذا الاعتقاد واقعاً غير صحيح، فإذا كان الطريق إلى دخول أي من المجلس النيابي أو المجالس البلدية هو طريق واحد من خلال العملية الانتخابية، إلا أن واقع العمل فيهما وآليته ومهامه مختلفة اختلافاً كلياً.

فكونك صاحب خبرة في العمل البلدي وحتى إن تمكنت من إحراز بعض المنجزات في نطاق دائرتك الانتخابية، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أنك ستكون مشرّعاً بارعاً أو حتى قادراً على الاضطلاع بمهام النائب البرلماني وتحقيق تطلعات شعب في مجموعه.

ولعل الوضع أسوأ بالنسبة لمن لم يتمكن من إنجاز أي شيء طوال فترة عضويته البلدية، فمن عجز عن تمثيل الإرادة الشعبية من خلال المجالس البلدية لا يمكنه التحول فجأة إلى "سوبر مان" في المجلس النيابي ليحقق أحلام دائرته الانتخابية.

وهناك من البلديين من يشكون من تجاهل مسؤولين برتبة مدراء ورؤساء أقسام لاتصالاتهم أو طلبات اللقاء بهم فما بالكم بالوزراء والأعلى منهم، فهل يؤتمن عضو صمت وارتضى على نفسه البقاء في هذا الوضع لأربع سنوات كاملة، على مهمة التشريع أو حتى أن يعاد انتخابه مجدداً عضواً بلدياً ليبقى على هامش اهتمامات المسؤولين وتبقى مشاريع دائرته معلقة حتى حين.

إن النقطة الأهم التي يجب أن يعيها كل مرشح، هي أن عضويتك في المجلس البلدي تعني تمثيلك لدائرتك الانتخابية فحسب، بينما عضويتك في المجلس النيابي فتحتم عليك تمثيل إرادة شعب البحرين في مجموعه، فكل نائب هو نائب عن مجموع الشعب لا عن دائرته فحسب. الأمر الآخر: أنك كنائب فأنت مشرع ومراقب ولست نائب خدمات والعكس بالعكس.

إنني أرى أن تطلع عضو المجلس البلدي إلى عضوية المجلس النيابي -وبغض النظر عن كونها مسألة تعديل وضع شخصي بالنسبة للبعض منهم- فإنها تنمّ عن غياب ثقافة العمل البلدي بصفة عامة، ففي بعض الديمقراطيات العريقة تميّز المجالس البلدية على أنها هيئات حكم محلي قد تفوق المجالس النيابية -إن جازت المقارنة في هذا السياق- وذلك من حيث أهميتها وفاعليتها وتأثيرها البالغ في المجتمعات المحلية، أما لدينا فلاتزال تلك المجالس على الهامش رغم انطلاقتها القوية في العام 2002.

ولعل السؤال الجدير بالطرح هنا: لماذا نجح بلديو الدورتين الأولى "2002-2006" والثانية "2006-2010" وتراجعت التجربتان اللاحقتان، رغم أن القانون هو نفس القانون والاختصاصات هي ذات الاختصاصات والصلاحيات هي عين الصلاحيات التي لم يطرأ عليها أي تغيير أو تعديل تشريعي، وعلى الرغم من شح الإمكانيات التي كانت متاحة للمجالس الأولى وعدم وجود هياكل وظيفية وإدارية على خلاف ما هو متاح حالياً؟!

أعتقد أن الوضع برمته يحتاج إلى دراسة وتقييم لواقع هاتين التجربتين وأثرهما على الحياة العامة في البلاد وانعكاسهما على معيشة المواطنين ورفاههم، ومدى نجاحهما في تحقيق الهدف منهما، ومعوقاتهما وسبل تنشيطهما ورفدهما بالمقومات اللازمة لإنجاحهما.

سانحة:

لن نصل إلى ديمقراطية كاملة ورصينة ما لم نحرص على تأسيس أعراف بلدية صحيحة وأعراف نيابية صحيحة ونتوقف عن الخلط بين مهام العضو البلدي والنائب البرلماني، وحتى لا يصبح لدينا على مر السنين والتجارب الانتخابية والدورات التشريعية المزيد من "نواب الخدمات" و"بلديي التشريع" فإنه ينبغي التصدي لمهمة نشر ثقافة العمل البرلماني والعمل البلدي وبيان أوجه الاختلاف بينهما واختيار الأشخاص المناسبين في الأماكن المناسبة.