مفهوم الحرية من أغنى المفهومات الفلسفية والفكرية، ولها ارتباط فردي واجتماعي بآن واحد، وبشكل عام هي قدرة الفرد على اتخاذ القرار المناسب له دون أي تدخُّل أو تأثير من أي طرف آخر؛ سواء كان مادياً أو معنوياً، وعدم اتباعه لأي شخص بدون تفكير، فكل إنسان له الحق في الحرية والاستقلالية الذاتية في التفكير واتخاذ القرارات التي يراها مناسبة له، ولكن حرية الشخص تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، فلستَ وحدك الحرّ في هذا العالم، وضمن قواعد وضوابط أخلاقية لا تنفي الصفة الشخصية عن القرار.

إن إساءة استخدام مفهوم الحرية هو من أكبر البواعث على انتشار الفوضى والفساد وغياب الضوابط المادية والمعنوية للحريات؛ يجعل من ممارسة الحرية أمراً يشبه الحرب الشعواء، فإذا أعطى شخصٌ لنفسه الحق أن يُخالف قوانين السَّير مثلاً لأنه حرّ؛ فلن نتوقع شيئاً غير الكثير من الحوادث المرورية، وإذا قرَّر شخصٌ لأنّه حرّ أن يضرب ما شاء من الناس، فيصبح لدينا نهر دماء لا ينتهي، لأنّ المضروب أيضاً حرّ وله حق الرد، فقرار الاعتداء على شخصٍ آخر هو قرار مناسب له ولكنه يخرج من دائرة القانونية للقرار؛ فلا يعد اعتراض القانون عليه هو تحجيمٌ لحريته، وإنما هو ترتيب وتوضيح للحريات.

الحرية.. لا تعني الانفلات والانحلال والخلاعة، الحرية قيمة إنسانية سامية أساسها: (الأمانة) و(حرية الاختيار) و(المسؤولية)، يقول جورج برنارد شو: (الحرية تعني المسؤولية، ولهذا يخافها معظم الناس)، فكل إنسان مسؤول عن نفسه أمام المجتمع وأمام القانون وأمام الشرع، والله سيحاسب كل شخص لوحده، وليعلم البعض ممن يتوجسون من لفظة الحرية أنه لا يوجد في العالم أحد يدعو لحرية مطلقة، فمن الحرية احترام الحرية.

الحريّة.. تمنحك الحق في أن تناقش وتحاور وتنتقد وتوضح وتفسّر وتحلل، ولكن ليس من حقك السب والشتم وسوء الظن وتفسير النيات وبذاءة اللفظ والفجور في الخصومة، ومن حقك أن تتكلم؛ ومن حقي ألا أسمعك، ولكن ليس من حقك ولا من حقي إجبار الآخر على شيء لا يريده، وعدم التأييد لا يعني المعارضة، وعدم الاتباع لا يعني الرفض، وعدم المحبة لا يعني الكره والبغض. يقول إريك هوفر: (التطلع إلى الحرية أكثر مظاهر الإنسانية التصاقاً بالإنسانية). ويقول ألبير كامو: (ليست الحرية سوى فرصة ليكون المرء أفضل).

* نقلاً عن صحيفة الرياض