ما يجمع أهل البحرين مع الجماعة (المتحمسة) دينياً سواء كانوا أعضاء في الجمعيات الإسلامية أو كانوا متعاطفين مع طرحها أكثر مما يفرقهم, والدليل أنه قد بدت هذه القواسم المشتركة وهذا التوحد في صورة جامعة لم نر مثلها منذ زمن طويل، وضمت الأطياف كلها تحت راية العلم البحريني دون تفرقة ودون نظرة من طرف للآخر بدونية أو باستعلاء, في لحظة من لحظات التاريخ البحريني المعاصر ولا أجمل ولا أروع ولا أمثل, حين رأينا كيف ذابت واختفت هذه الفروقات عندما تعرضت أمنا البحرين للخطر فوجدت حواجز تسقط ومسافات تختفي وحوائط تتهاوى, واجتمع أهل البحرين في الفاتح ثم اجتمعوا بعد ذلك في جماعات تعمل ومازالت والحمدلله كخلايا النحل لإنقاذ أمهم دون انتظار من ضوء أخضر, ودون انتظار لأن ينتقل فريق لضفة الفريق الآخر, تم تجاهل شكل ولون ولباس واهتمامات كل فريق للآخر, ووضعوا البحرين فقط أمامهم, فقد كانت أكبر من الكل, ومظلة جمعتهم تحتها, خلعوا نظاراتهم القديمة وبدا كل واحد ينظر لأخيه أو أخته من الفريق الآخر بنظرة جديدة أهمها أن هذا الذي بقربه أو تلك التي على يمينه هما أخته أو أخيه البحريني, لا أكثر ولا أقل, وهذا هو المهم, لم ينظر أحد إلى نقاب هذه الأخت أو إلى حجابها أو إلى لحية هذا الآخر أو إلى ثوبه القصير, لم ينظر بالمقابل أحد إلى شعر تلك الفتاة أو بنطالها أو إلى جينز هذا الأخ أو ثوبه، لم ينظر إلى ما هي (السيديات) الموجودة في سيارته إن كانت أناشيد العفاسي أو أغاني فيروز, لم يجد أحد منهم وقتاً للتفكير لحظة في هذه الفروقات فيما بينهم, كانت هناك أهداف كبرى تجمعهم, خلعت كل نظارات التصنيف ورأى كل منا الآخر على حقيقته الإنسانية البحرينية. نريد هذه الصورة أن تبقى.. كيف؟ الحمدلله أن العامل الذي أسقط الحواجز وهدم جدران التفرقة قد خفت حدته وهو “الشعور الخطر” على الأم, ورغم أن هذا الإحساس الجديد واهم ومتسرع فالخطر مازال موجوداً ونحن في فترة هدنة فحسب, إنما لا يجوز أن نسمح لأنفسنا أن نلبس النظارات ونخلعها لمجرد غياب هذا العامل أو حضوره, النظارات التي خلعها البحريني نظارات مصطنعة غير واقعية لونت الآخر وغيرت ملامحه, في حين رؤيته لأخيه البحريني بالرؤية المجردة بلا حكم مسبق وبلا تصنيف مسبق كانت بالفعل هي الواقع, فما يجمع البحريني أياً كان معتقده مع الآخر أكثر مما يفرقه, فلا يجب التعويل على إبقاء الشعور بالخطر كعامل وحيد يساعدنا على التعايش مع فروقات الآخرين وقبولهم كما هم, بل يجب أن نعيد النظر في نظاراتنا التي نستخدمها، فهي أحد أسباب تفرقنا. ثانياً الحلول التي تضعها الجماعات سواء كانت جمعيات إسلامية أو من هم في محيطها كشرط من شروط قبول هذه الجماعات للتعايش معه, هي أن على الآخر تغيير سلوكه وتغيير نمط تفكيره وتغيير عاداته وتغيير ذائقته حتى أقبل به حلول ترقيعية وغير واقعية ولن تجدي نفعاً. وحتى الاقتراحات التي تعد (وسطية) والتي نسمعها تصب في هذا الاتجاه والتي تمثلت في البحث عن مخارج لقبول واحدة من أبواب الخلاف وهي الاهتمامات الثقافية, كانت حلولاً غير منطقية, فهذا يقترح تغيير المكان, و آخر يقترح تغيير الزمان, وهذا يقترح تشكيل لجنة اختيار تلقى قبوله وذاك يقترح قبوله هو تحديد كفرد أو كجماعة, أو أن تمر سلوكيات ومعتقدات الآخر عبر بوابته و... و... و... كلها وإن حسنت نواياها هي اقتراحات غير منطقية ولا عملية وجربتها شعوب أخرى وفشلت وخلقت للمجتمع مشاكل هامشية عديدة ضيعت فيها بوصلتها وجهودها. اختصاراً لوقتنا الثمين نؤكد لكم، أن قبول الآخر بمعتقداته بسلوكياته كما هو، هو الحل الوحيد للتعايش، وترك مهمة تغيره إلى غير رجعة، والتركيز على القضايا الكبرى وللتوجه للمستقبل الذي يجمع المختلفين مع بعضهم البعض، بهذا فقط ممكن أن نرى البحرين أجمل وشعبها متعايش مع بعضه بعض ونموذج يحتذى كما كنا سابقاً. تربية شبابنا وتأهيله في الجمعيات وفي المدارس وفي البيوت وفي الإعلام على هذا المبدأ، هو الحل الوحيد للبحرين. لنتوقف عن تضيع الجهود والوقت ومحاولة تغيير معتقدات وسلوك الآخرين وإجبارهم باستخدام ما سخر لنا من أدوات ديمقراطية أو باستخدام أي وسيلة أخرى, بالاعتصام بالترهيب الفكري باستخدام الأدوات الرقابية النيابية بتجييش المشاعر بإلقاء المسؤولية على جلالة الملك على الحكومة على الصحافة على.... كل تلك المحاولات ستبوء بالفشل فقد جربتها مجتمعات أخرى وفشلت إنها تعاكس الفطرة وتعاكس الطبيعة وتعاكس التاريخ. عودة على بدء، تذكروا عملنا المشترك الجميل الذي كان في مثل هذا الوقت بين كل أطيافنا مع بعضنا دون النظر إلى ما بيننا من فروقات، هكذا ممكن أن نكون دائماً إن أسقطنا حواجزنا إن خلعنا نظاراتنا، هكذا ممكن أن نقدم أجمل الهدايا لأمنا البحرين، هكذا ممكن أن نخدمها ونعوضها ونعيد بسمتها، فالأم تعرف أن أبناءها مختلفون عن بعضهم فلا أم تنجب نسخاً مكررة حتى التوائم لكل منهم خصوصيته، وجل ما تدعو الله هذه الأم لأبنائها أن لا يفرقهم عن بعضهم.