"الصناديق التقاعدية" كانت ومازالت هي الشاغل الأكبر لدى الجميع في مملكة البحرين خلال الشهر المنصرم، ومازال هذا الملف هو الأسخن حالياً، رغم كل الجهود التي تحاول تهدئة الأمر لكي يمر بسلام، من خلال بعض الوعود "المبهة" من قبل السادة أعضاء اللجنة الحكومية البرلمانية المشتركة لإعادة بحث مشروعي قانوني التقاعد التي أمر جلالة الملك حفظه الله بتشكيلها للنظر في هذا الموضوع الهام بالنسبة للمواطن أياً كان موقعه.

فعندما وصل صوت المواطن إلى جلالة الملك حول مشروع قانون التقاعد الجديد أبى جلالة حفظه الله أن يمر هذا الموضوع الهام مرور الكرام، وأصر جلالته على ترؤس جلسة مجلس الوزراء وأفرد صاحب الجلالة العاهل المفدى جانباً كبيراً من اجتماع مجلس الوزراء لموضوع التقاعد الذي يوليه جلالته أهمية قصوى كونه يتصل بكافة شرائح المجتمع، حيث وجه جلالته إلى معالجة وضع الصناديق التقاعدية والتأمينية لضمان ديمومتها بعزم أكيد ورغبة جادة لما يمثله التقاعد من أهمية كبرى في حياة الفرد.

وبالفعل اجتمعت لجنة إعادة بحث مشروعي قانوني التقاعد التي ضمت أعضاء من السلطة التشريعية والتنفيذية بعضهم كان مؤيداً بشدة للقانون السابق وهو ما سبب تضارباً كبيراً في وجوده في لجنة إعادة بحث النظر في المشروع الذي كان يؤيده مسبقاً. وظهر لنا السادة أعضاء اللجنة بتصريحات جديدة "مبهمة" أيضاً تخيف وتربك المواطن الذي لا حلم لديه سوى أن يعيش باقي أيام حياته في "ستر" يغنيه عن العوز.

أن يظهر لي مسؤول ويؤكد "أن أوضاع المتقاعدين الحاليين لن تمس" معتبراً أن هذا التصريح مطمئن فهو مخطئ ولم يفكر مطلقاً بأني سأظل مع آلاف غيري نتساءل ماذا عنا نحن؟؟ ماذا عن مستقبلنا بعد سنوات الخدمة الطويلة التي أخذت جل طاقتنا؟؟ ماذا عن مستقبل أبنائنا الذين نعدهم لحمل الراية ومواصلة العمل والإنجاز من أجل استمرار عملية التنمية في وطننا الغالي؟

أن يظهر تصريح آخر يؤكد أن القانون الجديد سيعمل على مبدأ مساواة الوزراء والنواب والشوريين والبلديين بباقي المواطنين بشأن حقوق التقاعد وأن تكون سنوات الخدمة هي معيار تلك الحقوق، شيء جميل يفصح بشمل لا لبس فيه عن "العدالة" وأنا مع هذا الشق من التعديل على القانون، مع أنني أراعي الظرف الاقتصادي لهذه الفئة بعد التقاعد والتعود على العيش بمستوى معين من الرفاهية.

ولكن لحظة من فضلكم، فهناك عدد من الأسئلة يجب أن تثار قبل تمرير القانون، منها موضوع "بدل التعطل"، فحينما "فُرض" علينا استقطاع 1% من رواتبنا لإعانة صندوق بدل التعطل، لمعالجة ملف البطالة في مملكة البحرين كانت الأهداف من هذا الصندوق واضحة للجميع وهي دعم العاطلين عن عمل لحين حصولهم على فرصة عمل مناسبة، وها هي تصريحات المسؤولين تؤكد لنا بأن هناك فائض بملايين الدنانير في هذا الصندوق، فهل هذا الفائض مؤشر إيجابي أو سلبي؟؟ ولنكن إيجابيين ونقول بأن أوضاع العاطلين عن العمل بخير وأن هذا الفائض نظير الوصول إلى مستويات من مطمئنة للبطالة في المملكة. لحظة من فضلكم، فالسؤال هناك "كيف سيتم اسثمار هذا الفائض"؟؟ وهل بالفعل سيمنح هذا الفائض لإدارة أشخاص لم يحسنوا استثمار صناديقنا التقاعدية على مر السنوات الفائضة؟؟

أما بخصوص وقف الزيادة للمتقاعدين بعد 7 سنوات، فهل هذه النقطة مقصود منها أن المتقاعد "سيموت" بعد هذا العمر؟؟ أم أن التضخم سينعدم بعدم مرور 7 سنوات؟؟ أما بخصوص احتساب الراتب على آخر 5 سنوات، فهل هي خدعة جديدة تقلل من حقوقنا التقاعدية؟؟

لحظة من فضلكم، ففي فمي ماء!! وأخشى من الحديث المبالغ فيه، جل ما أعرفه الآن أن التقاعد هي مرحلة انتقالية في حياة العامل، هذه المرحلة التي يأمل فيها الموظف أن "يرتاح" من عبء العمل، ومن هموم الحياة، يريد في هذا العمر "الاستكانة والهدوء" والعيش في حياة دونما أي مشاكل سواء مشاكل اجتماعية أو مادية، فما بين المصاريف المتكررة التي يتحملها المتقاعد من قرض سكني لم ينتهِ بعد، وبين دفع فاتورة الكهرباء والماء والاتصالات والبلدية، وبين مصاريف أبناء شارفوا على بدء حياتهم الجامعية، وبين آمالهم في الحصول على سيارة متواضعة تقلهم إلى جامعاتهم ذات المصاريف المرهقة، وبين ابن ينوي الزواج ويريد منك مساعدته في أول حياته.. بين كل هذه الهموم والآمال يطل علينا هذا القانون ليقول لنا " سنساويكم بالوزراء والشوريين والنواب!! لنضحك ونتمنى أن "نعيش" حياة الوزراء والشوريين والنواب لا "تقاعدهم" فقط..