^ اللجوء للشارع قد يكون فيه خلاص الشعوب من الاستبداد كما رأينا حين ثارت الشعوب العربية وخلعت حكاماً مستبدين استأثروا بالثروات وأقاموا دولاً بوليسية ذات سلطات شعبية صورية وقضاء يلعب بخيوطه الحاكم والمتنفذين فيما المواطن محروم من أبسط الحقوق.. اللجوء للشارع قد يكون حتمياً أحياناً.. لكنه أحياناً أخرى يكون انتحاراً سياسياً كما حدث مع التيار الإسلامي الشيعي في البحرين الذي اكتسح البرلمان وحقق وجوداً سياسياً وإنجازات خلال عمره القصير ككيان سياسي شرعي.. ثم بدأ بالتململ والإيحاء في كل مناسبة بتحشيد جماهيره وقدرته على تحريك الشارع متجاهلاً العواقب الوخيمة لتحرك فردي طائش وغير مدروس.. الحاصل في شوارعنا مأساة بكل معنى الكلمة.. ليس هناك رابح وخاسر بل وطن يخسر كل يوم.. فعلاوة على خسارة أرواح مواطنين جلهم أطفال وشباب صغار أقحموا في أتون صراع سياسي لا ذنب لهم فيه لتستهلك صورهم في الدعاية.. فهناك من قُتل ومن أُصيب إصابات بالغة في صفوف رجال الأمن أيضاً.. وهناك المواطن الذي تكبد خسائر متفاوتة وكلما مضى وقت ونحن في نطاق الصراع الميداني فنحن عرضة لمزيد من الخسائر ومزيد من تأجج العداء ومشاعر الكراهية بين مكونات الوطن.. الواقع أن الحياة لن تتوقف ورغم التصعيد فالناس عادوا لممارسة أنشطتهم العادية.. عاد النواب للصراع مع ربيع الثقافة وانطلق العد التنازلي لسباق الفورمولا وتقام الفعاليات السياحية والثقافية والرياضية في مواعيدها.. وصار تعافي الاقتصاد مرهون بضبط الشارع لا بالحل السياسي.. وضبط الشارع صار روتيناً يومياً بالنسبة لأجهزة الأمن.. بالطبع يعاني الجميع بلا استثناء من صور الإرهاب وحرق الشوارع والبيوت والسيارات لكن الأمر صار عادياً مألوفاً.. دعونا منذ مبادرة ولي العهد العام الماضي ومراراً لاتخاذ موقف شجاع.. ولا نعني الشجاعة إملاء الشروط وانتظار تسوية جاهزة يقدمها لك خصمك بكل رضا.. بل هي الإقدام على مرحلة علاج تتضمن الحصول على مكاسب ترضي الجميع وتضع في الاعتبار ضرورة إنقاذ الوطن من التدهور إلى حالة طائفية خطيرة أكدنا مراراً أنه لن تستقيم معها أي إصلاحات مهما كانت.. نحن لا نتوسل الحلول ولا ندعو لحوار تركيع بالضغط من أي طرف بل نطلب عودة الرشد وإنهاء الاحتقان كما كان ينبغي أن تكون نهايته وقت دعوة الحوار الأولى.. ويدهشنا حقاً كيف يتصرف من يدعون أن قلوبهم على مستقبل البلد وأبنائه إزاء تفشي العنف والكراهية الطائفية.. هم من بدأ بإشعال فتيل الأزمة والتنصل من هذه المسؤولية استخفافاً كبيراً بالحقيقة.. من لجأ للشارع وحشد المراهقين أقدم على انتحار سياسي فلا هو قلب الحكم كما كان يخطط ولا سلم الوطن من تخبطاته وأولهم جمهوره.. والأمر أنه لم يكن جاهلاً بالعواقب.. بل كان يدري ويتنبأ بسقوط ضحايا وأسهم في مناسبات كثيرة في تعميق الانقسام بتجاوز حريته إلى السطو على حريات الآخرين وفرض نفسه عليهم بأنانية.. وهو مسؤول اليوم عن التراجعات التي نعيشها وعن تحول لغة التحاور إلى فوضى بسبب بناء حركته على إضعاف هيبة القانون واستهدافه للأمن.. ليس هذا وقت تبادل اللوم لكن من بدأ بإشعال الوضع ميدانياً وراهن على إسقاط الحكم وتغييره عن طريق الفوضى وفرض القوة وأقنع جمهوره بالمضي وراءه والتضحية وتقديم القرابين مسؤول أمام الله والتاريخ عما آلت إليه الأمور فكيف يستمرئ الاستمرار في طريق من الواضح أنه لن يفضي إلا لمزيد من العناد والمكابرة والضحايا والخسائر التي تتعدى بكثير دنانير أبت أن تصل ليد جهات تمول الإرهاب.. أو خسائر تعطيل فعالية رياضية.. الخسارة الحقيقية هي التشتت وفقدان الثقه فهي دوامة لا نهاية لها وما يترتب عليها أسوأ من أي خسارة مادية آنية..