- بعد 8 سنوات لـ"المدني" و13 سنة لـ"الخاص" لا رواتب تقاعدية للمواطن إن لم يتم تقليل العجز

- حقوق الأرامل التقاعدية لن تمس ومكافأة نهاية الخدمة محفوظة وكل ما أثير شائعات كاذبة

- رفع سن التقاعد يضمن عدم خسارة الكفاءات والطاقات التي استثمرت الدولة بتطويرها



- المرئيات التي قدمتها الحكومة قيد الدراسة ولن تفرض على الناس ولم يتخذ فيها قرار نهائي

- الكرة اليوم بملعب السلطة التشريعية في التوافق مع السلطة التنفيذية

- الاتفاق على مرئيات تضمن حفظ رواتب المواطنين التقاعدية عن الإفلاس

....

منى علي المطوع

لن يكون هناك تقاعد نمنحه للناس بعد 8 سنوات من الآن فيما يخص الصندوق المدني، وللقطاع الخاص بعد 13 سنة من الآن، فالعجز الإكتواري المتضخم في صناديق التقاعد ما قيمته 12 مليار دينار مقابل 300 مليون دينار تأتي لنا كعائدات للاستثمارات، فقيمة الاشتراكات والعوائد بالصندوق 3 مليارات مقابل 12 ملياراً من الالتزامات المالية، أي لدينا ما يقارب الـ9 مليارات كرقم يبين الفارق بين العوائد والمصروفات!!

لن تمس مكافأة نهاية الخدمة وكل ما أشيع عبر وسائل التواصل الاجتماعي افتراءات غير صحيحة، كما أنه فيما يخص الأرامل ومسألة استلام رواتبهم التقاعدية ورواتب أزواجهم المتوفين، فإننا لم نتطرق لهم بالأصل ولن تمس حقوقهم التقاعدية، فلن يكون هناك شيء يمس الأرامل!

بتلك الحقائق الصادمة والمكاشفات صارحنا وزير المالية الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة حول مشروع التقاعد الجديد، خلال الحلقة النقاشية التي نظمها مركز الاتصال الوطني، مشكوراً مع مجموعة من الإعلاميين والصحافيين والكتاب، حيث طرح عدة حقائق حول الوضع المالي للصناديق التقاعدية، وأننا أمام موجة من الخيارات أحلاها أمر، فنحن في منعطف تاريخي حساس وترجمة المخاطر القادمة قد تدفع لأن تكون هناك منهجية تقليل الامتيازات وزيادة الاشتراكات لضمان أن تكون هناك رواتب تقاعدية للمتقاعدين وأبنائهم الموظفين!

لقد اهتم الوزير خلال الحلقة النقاشية، مشكوراً، بالاستماع إلى تساؤلات السلطة الرابعة في الدولة متمثلة في الصحافيين والإعلاميين والكتاب، والنقاش معهم بصدر رحب ومرونة وتفاعل، مما يؤكد الحرص على تنفيذ التوجيه السامي الذي أمر به جلالة الملك المفدى عندما وجه بالتشاور والاتفاق حول مرئيات قانون التقاعد الجديد مع مختلف السلطات بالدولة، وتلك خطوة تحسب لوزير المالية وللقائمين على هذا القانون، وتعكس أنه لا يمكن أن يفرض قانون على الناس دون الرجوع إلى مختلف السلطات التي تمثل موقف المواطن وتعبر عن قضاياه، وبالأخص السلطة التشريعية والسلطة الرابعة بالدولة، أي سلطة الصحافة والإعلام، إذ إننا دائماً ما نقول ونؤكد أننا ننعم في مملكة البحرين بنعمة المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المفدى حفظه الله ورعاه، فالتوافق الوطني هو عنوان مشروع التقاعد الجديد، وأيضاً هو دليل واقعي على تنفيذ المشروع الإصلاحي بحذافيره.

كما أوضح لنا وزير المالية، أن الحكومة قد قدمت مرئياتها الـ17، إذ لا يمكن ألا يكون للجانب الحكومي أي مرئيات بخصوص أي قانون يمس حياة المواطنين، إلا أن هذه المرئيات ستظل في خانة المرئيات وقيد الدراسة ولم يتخذ فيها أي قرار ولن تفرض على الناس إلا بعد التوافق مع السلطة التشريعية، أي بكلمات أخرى الكرة بعد هذه المرئيات ستكون في ساحة السلطة التشريعية حتى يتم التوافق النهائي على بنود تخدم المواطن ولا تتسبب له بالضرر والخسائر وتحسم القرارات النهائية بالإجماع عليها، حيث شدد خلال اللقاء أكثر من مرة، بقوله: "إن كانت هناك مرئيات أخرى لدى السلطة التشريعية ونواب الشعب وهذه المرئيات قادرة على حل هذه المعضلة فيما يخص التضخم الإكتواري والعجز الحاصل، فنحن نرحب بها حتماً، بل كل من يمتلك مرئيات أخرى تجد لنا حلولاً أفضل من الحلول المتاحة حالياً، فنحن مستعدون للقبول بها والعمل عليها، فالمسألة أننا في النهاية نود تقليل مخاطر إفلاس الصناديق التقاعدية وحفظ رواتب الناس".

وزير المالية أراد أن يقول إن هذه المرئيات هي الحل المتوفر لدينا الآن أمام عجز إكتواري متضخم وأمام موجه إفلاس قادمة للصناديق التقاعدية أمام انخفاض أسعار النفط وأمام الخسائر الاقتصادية العالمية التي لها انعكاساتها على كل الدول بما فيها مملكة البحرين، وأن هذه المرئيات هي بمثابة "شيء أحسن من لا شيء" وإيثار المتقاعدين لبعض حقوقهم سيحفظ حقوق أبنائهم الموظفين، فيما لو أصررنا على بقاء قانون التقاعد كما هو فإنه بعد ثماني سنوات من الآن فيما يخص الصناديق التقاعدية المدنية لن يكون هناك تقاعد للناس، وبعد 13 سنة سيجد موظفو القطاع الخاص مصيرهم كمصير مشتركي الصناديق المدنية في البحرين، أي بلا رواتب تقاعدية، وعندها ستكون هناك كارثة أكبر، والأزمة الحاصلة ليست أزمة في مملكة البحرين فقط وإنما هي أزمة عالمية، ودول كثيرة قامت بإعادة دراسة قوانينها التقاعدية وإعادة صياغتها وتطبيقها، فالحل المتاح حالياً هو دفع هذا العجز لأكثر من 25 سنة للأمام من خلال طرح حلول تحاول على الأقل خفض الالتزامات المالية للصناديق وزيادة العوائد الاستثمارية.

اهتممنا خلال اللقاء بطرح عدة أسئلة تشغل الرأي العام البحريني، وهي حديث المجالس والناس في الشارع، حيث تساءلنا إن كان الواقع المرير اليوم في البحرين يدعونا للقبول بهذه المرئيات التي هي بمثابة صمام أمام لمنع إفلاس الصناديق أقله خلال 25 سنة من الآن حتى "يحلها الحلال"، فهل هناك ضمانة بعد القبول بخفض امتيازات المواطن التقاعدية وحرمانه من بعض المكتسبات التي كانت في صالحه ألا يتكرر هذا السيناريو، بحيث يفاجأ المواطن بعد صبره خلال هذه السنين بتكرار سيناريو طرح قانون تقاعدي جديد يمس المزيد من المكتسبات والحقوق أيضاً ويهضم أكثر، بسبب عجز إكتواري وعدم القدرة على مضاعفة إيرادات الاستثمارات أو سوء إدارة وتخبط لها يزيد من كرة ثلج المدنيونيات، فبالطبع لا أحد يضمن المستقبل، وقد تكون هناك انعكاسات اقتصادية عالمية أكبر مما هي حاصلة اليوم، فكيف نضمن أن المواطن لن ينال ألماً مضاعفاً وخيبات أخرى مستقبلية، إن لم يكن له فلبنائه؟ وكيف نضمن أن من سيدير هذه الصناديق من خلال تشكيلة مجلس الإدارة الجديد لن يرتكب مجازر إدارية وكارثية تضاعف المشكلة بل سيحسن إدارة أموال الناس ويحفظها لهم ويزيد من أرباح الاستثمارات؟

كما تشاركنا بالطرح مع أحد الصحافيين حول أن إطالة سن التقاعد يعني إشغال الوظائف التي تمنع الكفاءات الجدد وتوظيف أشخاص أصغر سناً، وقد يعرضنا لإشكالية "صراع بين الأجيال"، وتلك إشكالية بالأصل نجدها اليوم حاضرة بين بعض العقليات الإدارية القديمة، عفى عليها الزمن، وبين عقليات لها اتجاهاتها الإدارية العصرية التي تتواكب مع هذا الزمن وهذه الأجيال، والمقصود بالصراع بين الأجيال هو الصراع بين نمط تفكير وإدارة هذه العقليات التي لا تواكب الزمن وغير المرنة، وبين عقليات إدارية شبابية، كما أن بعض أنواع الصراع بين هذه القيادات القديمة والكفاءات الشبابية في بعض المهن والقطاعات نجدها تحاول تحطيم وتقييد بعض الكفاءات الشابة ومحاربتها ورمي تراكماتها، من ظلم وفساد وقع عليها، على الجيل الجديد الناشئ، لذا تكثر المشاكل ونجد أن البيئة تحولت إلى بيئة صراعات لا إنجازات، حتى يصل الأمر أن نجد هذه الطاقات الشبابية تنشد التقاعد المبكر أو الانتقال إلى إدارة عمل خاص بها في سوق الأعمال بعيداً عن هذه العقليات غير المتطورة، وتلك مشكلة لا بد أن يتم الأخذ بها لأنها تعود على الإنتاجية وتتسبب بالعديد من الخسائر الاقتصادية التي تأتي نتيجة سوء الإدارة، فإطالة العمر التقاعدي تأتي بمشكلة للجيل الحالي، خاصة تلك العقليات غير المرنة التي لاتزال ثابتة في مرحلة ما قبل المشروع الإصلاحي لجلالة الملك وتمارس نوعاً من الديكتاتورية والتسلط والمركزية التي تصل إلى حد المرض، والحل عادة ما يكون بانتظار رحمة الله في خروجها للتقاعد ومغادرتها للكرسي الذي تشغله!

كما من النقاط المهمة التي أثيرت في حال رفع عمر التقاعد، أن المشكلة قد تكون أكثر عند الموظفات النساء من الرجال بحكم طبيعة حياة المرأة والتزاماتها الأسرية الآخذة في الازدياد، ففي الزمن السابق كانت المرأة تقوم بتربية أبنائها حتى سن الزواج، فيما في الوقت الحالي تمارس الجدة الموظفة مسؤوليات أكثر ومضاعفة بسبب رعاية الأحفاد أمام دراسة أبنائها أو تواجدهم في وظائف تمتد حتى فترة العصر أو المغرب، مما يدفعهم للتقاعد عند الوصول إلى عمر التقاعد، فطبيعة التزامات المرأة تختلف عن التزامات الرجل، خاصة في المرحلة العمرية ما بين الخمسين والستين سنة.

وزير المالية كانت له العديد من الإجابات، من ضمنها أن التوجه القادم يرتكز حول كيف نجعل سوق البحرين يكبر ويتسع، فهناك متغيرات في الاقتصاد العالمي، وهناك إدخال للتكنولوجيا مما يخلق وظائف جديدة في سوق العمل، لذا فالمنظومة الاقتصادية لدينا عليها أن تتجه نحو كيف نستقطبهم ونستفيد منهم بحيث يتسع السوق، وهناك أنظمة اقتصادية جديدة بحيث من الممكن أن نجد أبناءها أو أحفادنا يديرون أعمالهم الخاصة التي تدر عليهم بأرباح أكثر من الوظيفة الحكومية، كما علق "مابي أشوف المتقاعدين في قهوة!" لا بد أن نستفيد من هذه الخبرات، فالدولة تصرف على تطويرهم وتستثمرهم من خلال إدخالهم في برامج تدريبية ودراسية حتى يصلوا إلى مراتب المستشارين والمدراء، ومنهم من يحمل شهادة دكتوراه، ومن المجحف بعد كل هذا خسارتهم عندما يصلون إلى عمر التقاعد، لذا فرفع سن التقاعد وتشجيعهم على العمل فوق عمر الـ65 سنة للاستفادة من خبراتهم وكفاءاتهم أحد الحلول المتاحة.

وهنا نؤكد بدورنا، أن هذا الكلام جميل وواقعي لكن مع أهمية أن يكون الأمر اختيارياً لا إجبارياً، فالعديد من الموظفين عندما يصلون إلى سن التقاعد يقومون بأنفسهم بطلب تمديد فترة عملهم، كما أن منهم من يقوم بالتقاعد ثم العمل وفق عقود في قطاعات أخرى يشعر أنه من الممكن أن يعطي فيها بطريقة أكبر من الوظيفة التي كان يشغلها.

من التساؤلات الأخرى التي يطرحها الشارع وطرحناها نحن كصحافة على الوزير خلال اللقاء أيضاً، أن الكل استنكر موقف بعض أعضاء مجلس الشورى الذين أشادوا بقانون التقاعد الجديد ودعموا لتطبيقه، في حين عندما وجه جلالة الملك المفدى حفظه الله ورعاه بإعادة بحث مشروعي قانوني التقاعد، وذلك بالتعاون والتنسيق مع السلطة التشريعية مع الأخذ في الاعتبار كل ما أبدي بشأنيهما من مرئيات وملاحظات من نقاش حولهما في مجلسي الشورى والنواب، وكذلك ما أبداه المواطنون والكتاب والصحافيون من مرئيات عبر وسائل الإعلام المختلفة، وجدنا هؤلاء من البعض في موقف يدعو للريبة والاستغراب يشيدون بتوجيه جلالة الملك وأهمية إعادة دراسة القانون، فكيف اليوم تشرع وزارة المالية بالاهتمام بأخذ مواقفهم ومرئياتهم والتوافق معهم بشأن قانون التقاعد الجديد والشارع البحريني فقد الثقة في هذه الوجوه المتقلبة وفق منهجية "مع الخيل يا شقرا"؟ فإن كان القانون الجديد سيطرح بعد التوافق معهم، فكيف يطرح وهناك البعض منهم من هو بالأصل غير واضح المواقف ومتناقض؟ وأكد لنا الوزير في إجابته، أن هذا الأمر يعود في النهاية إلى موقف كل شخص، وبالطبع دائماً ما تكون هناك اختلافات في وجهات النظر.

الوزير، أمام كل أطروحات الصحافيين، أكد أن هناك أزمة حقيقية في هذه الصناديق، فحجم الاشتراكات فيها يقدر بنحو 185 مليون دينار مقابل التزامات تدفع بنحو 270 مليوناً، فعدد المشتركين فيها يبلغ 146.632، وعدد المتقاعدين والمستحقين 72.697، وأكد الوزير أن التعديلات الجديدة لن تمس المتقاعدين الحاليين، وأن وزارة المالية حاولت دراسة أكثر من حل ووجدت نظاماً في بعض الدول الآسيوية وهو أن يكون لكل شخص حساب خاص به، ولكن بمنتهى الصراحة والشفافية هذا الحل سيهضم الكثير من امتيازات المواطنين، لذا فالمرئيات التي تم طرحها هي أفضل الموجود حالياً لضمان حقوق الأجيال القادمة واستدامة هذه الصناديق، فالتحدي الأكبر اليوم هو خفض مصروفات الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي، فالحكومة عملت جاهدة على تغطية العجز الناتج من التدني المستمر في الاشتراكات والاستثمارات عن طريق استخدام مواردها المالية مقابل تمويل برامج تنموية أخرى كالأسكان والصحة، والحل يكمن في تعديل الاشتراكات بما يضمن حفظ حقوق كافة المشتركين، لذا فالمواطن البحريني اليوم عليه أن يكون أكثر تفهماً وله نظرة بعيدة المدى تحفظ حقوقه وحقوق أبنائه معه، وهناك خيار متاح له وهو التواصل مع أعضاء السلطة التشريعية لتقديم المرئيات والمقترحات التي من الممكن أن تساهم في الوصول إلى حل نهائي لا يفقده مستقبله التقاعدي ومستقبل أبنائه ولا يصل بعد إلى كارثة لا رواتب تقاعدية بين 8 أو 13 سنة قادمة!