^ من المتوقع أن « يتجاوز حجم التبادل التجاري بين الهند والدول الخليجية 130 مليار دولار أمريكي خلال العام 2013 - 2014، بعد أن كان ما يربو على 118 مليار دولار أمريكي خلال العام 2010 - 2011». هذا ما أكده الرئيس التنفيذي لبنك الدوحة ر. سيتارامان، في سياق إشادته بتطور العلاقات الاقتصادية الثنائية بين دول مجلس التعاون الخليجي والهند، منوهاً إلى «أن الهند تجري الآن محادثات مع دول مجلس التعاون الخليجي بشأن توقيع اتفاقية التجارة الحرة بينهما». مقابل ذلك تشير مصادر مالية إلى تنامي « الاستثمارات الخليجية في الهند بصورة كبيرة خلال العامين الماضيين وتقدر الآن بأكثر من 125 مليار دولار أمريكي». وتعتبر هذه الأرقام بمثابة قفزة كبيرة في حجم التبادل التجاري بين الجهتين الذي لم يكن يتجاوز في الفترة من أبريل 2004 إلى مارس 2005 م، كما أفصح عنه وزير التجارة والصناعة الهندي كمال نات، في العام 2006 أكثر من «10 مليارات دولار من الصادرات، مقابل وارداتها غير النفطية من دول المنطقة 7 مليارات دولار». كما إنها تعكس حيزاً كبيراً، مقارنة مع حجم التبادل التجاري بين دول الخليج والولايات المتحدة الأمريكية الذي زاد إجماليه « من 71.1 مليار دولار في العام 2010 إلى 89 مليار دولار في العام 2011 (حتى شهر نوفمبر فقط)»، وكذلك مع كتل اقتصادية ضخمة مثل الدول الأوروبية التي بلغ حجم تبادلها مع دول الخليج في العام 2007 حوالى 133 مليار دولار فقط. لكن، وكما يعرف الجميع، تعود جذور العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي والهند إلى تاريخ قديم وطويل، كانت خلاله الهند محط أنظار أبناء الخليج للدراسة والعلاج، ومصدراً لليد العاملة الهندية الماهرة من أطباء ومهندسين وفنيين. بل كانت الروبية الهندية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، هي العملة المتداولة في دول الخليج العربي. ومع التطور الذي شهدته دول مجلس التعاون، وكذلك الهند، ارتقت طبيعة القنوات التي تنظم العلاقات بين الجهتين، فباتت ، تشمل إلى، جانب «العمالة الهندية التي يصل عددها إلى أكثر من خمسة ملايين في دول مجلس التعاون الخليجي، والتي تُحول سنويّاً حوالي 20 مليار دولار إلى الهند» ، مجالات أخرى مثل الاستثمارات والطاقة، بل باتت تشمل أيضاً قطاعات أخرى مثل الأمن والمصالح الاستراتيجية المشتركة، وهي حالة شخصها الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية بمجلس التعاون محمد بن عبيد المزروعي، في العام 2007م، في كلمته التي خاطب بها «مؤتمر رجال الأعمال الخليجيين ونظراؤهم من الهند» المنعقد في 29 - 5 - 2007 م قائلاً، «إنه لمن الطبيعي أن تأخذ العلاقة بين دول المجلس والهند أهمية محورية ، ترجمة للعلاقات التاريخية التي تربط بينهما ، والتي أصبحت تحكمها أسس ومعايير استراتيجية في ضوء إدراك كل طرف بالأهمية الاستراتيجية التي يمثلها الطرف الثاني، وكم المصالح المتبادلة التي يسعى كل الطرفين على المحافظة عليها وعدم المساس بها ، وإدراك أهمية البعد التاريخي والبعد الجغرافي في العلاقات القائمة فيما بين شعوبها منذ أمد طويل». وإلى جانب تلك الجالية من الهنود الذين يبلغ عددهم ما يزيد على 5 ملايين، هناك أيضاً الأثرياء الهنود المنتشرون في دول المجلس المختلفة، والذين تقدر إجمالي ثرواتهم بعشرات المليارات من الدولارات، كما يكشف عنها مسح أجرته «مجلة أرابيان بيزنس»، التي قدرت ثروة المليادير الهندي ميكي جاغتياني بنحو 2.65 مليار دولار، والذي يعتبر، كما تقول عنه المجلة «واحداً من أكثر الرموز الاقتصادية تأثيراً في منطقة الشرق الأوسط في مضمار تجارة التجزئة حيث يطلق عليه البعض لقب ملك التجزئة، حيث تدير امبراطوريته المسماة لاند مارك، والتي تحولت فيما بعد إلى سنتر بوينت 900 محل منتشرة في 15 دولة، وبلغ مجموع حجم عملياتها العام الماضي نحو 3.2 مليارات دولار». ومن بين أغنى عشرة أثرياء هنود شملهم ذلك المسح، هناك مجموعة جاشنمال التي، كما تقول عنها المجلة، «تعود بدايات نشاطاتها إلى العام 1919م، لتصبح أسماً مألوفاً في كل بيت عبر الشرق الأوسط. بدأت المجموعة تجارتها في مدينة البصرة في العراق من خلال متجر وحيد. واليوم يرأس طوني جاشنمال مجموعة مقرها الإمارات بأنشطة متعددة عبر دول مجلس التعاون والهند. يدير ذراع التجزئة في المجموعة أكثر من 100 متجر في خمسة دول وتقدر ثروة المجموعة بحوالى 800 مليون دولار». ويحث الباحث والخبير في الشؤون الآسيوية عبدالله المدني على تنمية الاستثمار والتعاون الخليجي مع الهند، «لكون الهند بلداً مليئاً بالفرص الضخمة والخبرات والمهارات الضرورية لكنها تحتاج إلى المزيد من رؤوس الأموال التي تتوفر في الخليج أو يملكها خليجيون. إلى ذلك فإن الهند في ظل نموها وتزايد عدد سكانها باضطراد في حاجة إلى المزيد من الطاقة التي تتوفر أيضاً في الخليج بكميات هائلة وتستورد منها الهند حالياً ما يوازي 80 بالمائة من حاجتها (تصل حاجة الهند من النفط المستورد حالياً إلى 69 مليون طن سنوياً، وينتظر أن يرتفع الرقم بحلول عام 2010 إلى 190 مليون طن، وبحلول عام 2025 إلى 360 مليون طن، أما حاجتها إلى الغاز الطبيعي التي تقف اليوم عند 160 مليون متر مكعب يومياً فينتظر أن ترتفع إلى 390 مليون متر مكعب يومياً بحلول العام 2025)». هذا لا يعني أن العلاقات بين الطرفين تسير في خط بياني متصاعد مستمر، وهادئ فقط، فقبل عدة أعوام، على سبيل المثال، اضطرت الحكومة الهندية أن تتراجع عن «مطالبتها حكومة البحرين بوضع حد أدنى لأجور عمالها غير المهرة في البحرين بمبلغ 100 دينار بحريني ( 265 دولار)، وذلك عقب احتجاجات من المقاولين والمسؤولين الحكوميين». هذه الأرقام تكتسب مدلولًا سياسياً يغري الهند بالمطالبة بما هو أكثر من مجرد تعديل أجور عمالها غير المهرة، بل ربما تطالب لاحقاً، ولا تتراجع عن مطالب أخرى، أكثر استراتيجية وخطورة، ذلك لأنها لم تعد الهند التي يخبرها الكثيرون منا، فهي اليوم تحتل المركز السادس من حيث المكانة الاقتصادية، بعد الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، روسيا، أوروبا واليابان، وتحقق معدل نمو سنوي يتراوح بين 7 و 9 في المائة، وهي أيضاً عضو مؤثر في مجموعة «بريكس» الاقتصادية