طالب صندوق النقد الدولي، دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بدراسة إعادة توجيه الدعم، مبيناً أن توزيعه الحالي يفتقر إلى الفعالية وينحاز إلى غير الفقراء.
وأكد صندوق النقد أن البحرين ودبي وقطر بدأت قريباً برفع أسعار الوقود والكهرباء سعياً لتخفيف العبء على الميزانية ومعالجة الاختلالات الاقتصادية، بينما تخطط الكويت لإلغاء دعم الديزل.
ولم تظهر الأرقام ارتفاعاً بأسعار الوقود والكهرباء في البحرين، عدا الديزل الذي كان من المقرر تطبيقه منتصف يناير الماضي بواقع 20 فلساً للتر سنوياً حتى العام 2017، حيث أصدر وزير المالية الوزير المشرف على شؤون النفط والغاز الشيخ أحمـد بن محمد آل خليـفة قراراً حينها يقضي بوقف القرار.
وفي تقريره بعنوان: «إصلاح الدعم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: عرض موجزاً للتقدم في الآونة الأخيرة وتحديات الفترة المقبلة»، والذي يتناول 25 تجربة إصلاح عالمية لتحديد عوامل النجاح، أكد الصندوق أن إصلاح الدعم اكتسب زخماً جديداً بالمنطقة، ولا سيما في الدول المستوردة للنفط، وإن امتد هذا الزخم إلى بعض الدول المصدرة للنفط أيضاً.
ولضمان استمرار التقدم، طالب الصندوق دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي بدأت إصلاح الدعم أن تستكمل جهودها لزيادة شبكات الأمان الاجتماعي وتنفيذ آليات لتحديد الأسعار تلقائياً وإعادة هيكلة قطاع الطاقة.
وطالبها بوضع خط زمني واضح لرفع الأسعار المحلية بالتدريج إلى مستوى الأسعار الدولية وإبعاد الاعتبارات السياسية عن عملية التسعير من خلال استحداث أو تنفيذ آليات أكثر دقة في تحديد الأسعار تلقائياً مع إمكانية اقترانها، ومعالجة الدعم في قطاع الطاقة الأمر الذي قد يتطلب إعادة هيكلة القطاع الذي يتسبب في خسائر لشركات الكهرباء المملوكة للدولة.
أما الدول التي لم تبدأ بعد في الإصلاح فينبغي أن تبدأ في وضع أسسه، لاسيما عن طريق زيادة الشفافية والوعي بشأن تكلفة الدعم وإعداد البنية التحتية اللازمة لشبكات الأمان الاجتماعي.
الدعم بالمنطقة باهظ الكلفة وغير فعال
يؤدي الدعم دوراً خاصاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث ظل الدعم المعمم للأسعار جزءاً من «العقد الاجتماعي» لعدة عقود. وغالباً ما يحل الدعم محل التحويلات النقدية وغيرها من أشكال الدعم المباشر للدخل التي لا تستخدم على نطاق واسع.
ويُلاحظ أن شبكات الأمان الاجتماعي - باستثناء الدعم - ليست متطورة بشكل كاف وعادة ما تعاني قصوراً في التمويل، إذ تمثل متوسطاً يقل عن 0.7% من إجمالي الناتج المحلي من الإنفاق العام.
ونتيجة لذلك، غالباً ما تتكيف حكومات دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مع الصدمات عن طريق زيادة الدعم أو زيادة التوظيف والأجور بالقطاع العام، مثلما حدث لمواجهة زيادة المطالب الاجتماعية التي صاحبت موجة التحولات السياسية عبر دول المنطقة.
وفي كثير من الدول المصدرة للنفط، يُنظَر إلى المستوى المنخفض لأسعار الطاقة باعتباره انعكاساً لانخفاض تكلفة الاستخراج الأمر الذي لا يعتبر من قبيل التكلفة على الميزانية.
وفي بعض الدول، يوجد شعور متأصل باستحقاق الدعم كما تعتبر أسعار الطاقة المنخفضة حقاً للمواطنين وعنصراً أساسياً من عناصر الشرعية التي تمثل بديلاً للمشاركة السياسية.
وللدعم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تكلفة بالغة الارتفاع، فبالنسبة للمناطق الأخرى، أكد التقرير أن متوسط الإنفاق على الدعم أعلى بكثير - مقدراً على أساس الفجوة بين الأسعار الدولية والمحلية - وهو عبء متزايد يصعب تحمله.
وكان دعم الطاقة يستحوذ على النصيب الأكبر في الإنفاق. فقد كانت، تكلفة دعم الطاقة قبل خصم الضريبة 236.5 مليار دولار في عام 2011 أي ما يعادل 48% من الدعم العالمي (4.6% من إجمالي الناتج المحلي الإقليمي).
ووصلت هذ التكلفة إلى 204 مليار دولار (8.4% من إجمالي الناتج المحلي) في الدول المصدرة للنفط و 33 مليار دولار (6.3% من إجمالي الناتج المحلي) في الدول المستوردة للنفط.
وفي عام 2012، توضح التقديرات المتوافرة للديزل والبنزين أن الدعم قبل الضريبة على هذه المنتجات، والذي استأثر وحده بنصف الدعم الكلي على الطاقة في المنطقة بلغ 3.8% من إجمالي الناتج المحلي الإقليمي.
كذلك يشيع تطبيق الدعم على الغذاء، وإن كانت تكلفته أقل بكثير، حيث يبلغ حوالي 22 مليار دولار أو 0.7% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2011.
المقصود من الدعم
تحقيق عدة أهداف
نظراً لشبكات الأمان الاجتماعي غير المتطورة، تعتمد الحكومات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اعتماداً كبيراً على الدعم لتعزيز الدخول الحقيقية ومكافحة الفقر من خلال توفير أسعار في المتناول على المنتجات الاستهلاكية التي تستخدم على نطاق واسع ولحماية السكان من الصدمات التي تسببها التقلبات الكبيرة في أسعار السلع الأولية وأسعار الصرف، ولا سيما في البلدان المستوردة للنفط.
وفي الدول المنتجة للنفط، يمثل الدعم أداة أيضاً لتوزيع الثروة الطبيعية بين السكان. وفي كثير من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تساعد الحكومات صناعات معينة وتدعم توظيف العمالة في القطاع الخاص عن طريق دعم المنتجين، من خلال توفير مُدخلات الطاقة بأقل من سعر السوق على سبيل المثال.
غير أن الدعم غالباً ما يفتقر إلى الفعالية وينحاز لغير الفقراء. والدعم المعمم للأسعار - وهو أكثر أشكال الدعم شيوعاً في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا - لا يستهدف الفئات المستحقة ولا هو مردود التكلفة كأداة للحماية الاجتماعية.
فعلى الرغم من أنه قد يصل إلى الفقراء إلى حد ما، فإن أكثر المستفيدين منه هم الأغنياء الذين يستهلكون قدراً أكبر من السلع المدعمة وخاصة منتجات الطاقة، ففي مصر على سبيل المثال حصلت الشريحة التي تمثل أفقر 40% فقط من دعم البنزين في عام 2008.
وبالإضافة إلى ذلك، يفرض الدعم - وخاصة على منتجات الطاقة - تكاليف للرعاية الاجتماعية عن طريق تشويه الأسعار النسبية في الاقتصاد، ما يزيد من الاستهلاك المفرط وسوء توزيع الموارد.
ويؤدي هذا بدوره إلى تخفيض الموارد القابلة للتصدير ومن ثم يحد من تراكم الثروة لدى البلدان المصدرة للطاقة، ويضعف الحساب الجاري لدى البلدان المستوردة للطاقة.
كذلك يؤدي الاستهلاك المفرط إلى تفاقم الاختناق المروري والظروف الصحية والبيئية وإلى عدم كفاءة التخصص في الإنتاج المحلي، وهو ما يحدث غالباً في الصناعات الأقل استخداماً للعمالة والأكثر كثافة في استخدام الطاقة.
وعلى الرغم من إمكانية استخدامه لمساندة القطاع الإنتاجي على المدى القصير، أكد التقرير أن للدعم أثراً خافضاً للنمو الممكن على المدى الطويل، من خلال تشوهات الأسعار وقصور الاستثمار في القطاعات كثيفة الاستخدام للعمالة وذات الاستخدام الكفء للطاقة، ومزاحمة الإنفاق الإنتاجي على رأس المال البشري والمادي، وزيادة عدم المساواة المرتبط بعدم الكفاءة في مساندة الفقراء.
الإصلاحات الأخيرة مشجعة
أطلقت ضغوط المالية العامة موجة من الإصلاح تَركز معظمها في الدول المستوردة للنفط. ومنذ عام 2011، كانت مصر والأردن وموريتانيا والمغرب والسودان وتونس واليمن هي التي حققت أعلى مستويات التقدم في إصلاح الدعم.
وركزت الإصلاحات على رفع أسعار الوقود وتعريفات الكهرباء، بينما كان الاهتمام أقل بدعم الغذاء انعكاساً لتكلفته البسيطة نسبياً على المالية العامة وحساسيته العالية من الناحية الاجتماعية.
وعلى الرغم من تشابه السمات المميزة لتجارب الدول في هذا الصدد، فهي تختلف في إعدادها للإصلاح وسعة نطاقه وسرعة التكيف معه، حيث كان الإصلاح في معظم الدول قائماً على خطط جيدة الإعداد بوجه عام تمثل جزءاً من استراتيجية أوسع نطاقاً لضبط أوضاع المالية العامة، وكانت تدعمها في بعض الحالات حملات للتواصل الجماهيري.
وتلاشت المكاسب المحققة في بعض الدول التي أجرت زيادة حادة في الأسعار، بسبب ارتفاع أسعار النفط الدولية وانخفاض أسعار الصرف. وفي المقابل، اعتمدت الأردن وموريتانيا والمغرب وتونس آلية لتعديل الأسعار للوصول بأسعار الوقود المحلية إلى المستويات الدولية.
وكان الإصلاح مصحوباً ببعض التعويض، إما عن طريق استحداث أو تعزيز تدابير مخفِّفة تستهدف الفئات المستحقة، مثل التحويلات النقدية، أو تدابير أقل فعالية مثل زيادة الأجور في القطاع العام. وفي كل هذ الدول ، ساند صندوق النقد الدولي جهود إصلاح الدعم عن طريق المشورة بشأن السياسات والمساعدة الفنية.
وقد تحقق تقدم أيضاً في الدول المصدرة للنفط، وإن كان بدرجة أقل. ولأن ضغوط المالية العامة الحالية أقل بروزاً في كثير من الدول المصدرة للنفط، فإن إصلاح الدعم لم يصل إلى درجة الإلحاح حتى الآن، لكنه أصبح محل نظر متزايد.
ففي عام 2010، بدأت إيران عملية إصلاح شاملة للدعم لا تزال جارية حتى الآن. وفي نفس العام، قامت السعودية بزيادة متوسط سعر الكهرباء للمستخدمين غير الأسر المعيشية.
وفي معظم الدول المصدرة للنفط، يمثل حجم برامج الدعم وحده عقبة رئيسة أمام الإصلاح، كذلك يساهم القلق بخصوص الاستقرار السياسي بدور مهم في هذا الصدد، لأن كثيراً من الحكومات ترى في إصلاح الدعم مصدراً ممكناً للاضطرابات ولا سيما في السياق الحالي.
وبالإضافة إلى ذلك، بالنسبة لبعض الدول الكبيرة المصدرة للنفط، مثل ليبيا والعراق، يصعب كثيراً بدء برنامج لإصلاح الدعم بسبب عدم الاستقرار السياسي وسوء الحالة الأمنية.
وربما كانت عوامل الاقتصاد السياسي هي أكبر التحديات. ومن الممكن أن تتخذ العقبات شكل مقاومة من جانب مجموعة صغيرة ولكنها منظمة من الخاسرين المحتملين بسبب الإصلاح؛ كما يمكن أن تتمثل هذ العقبات في الفترة الزمنية الفاصلة بين الخسارة الفورية للدعم والمنفعة التي تتحقق في المستقبل من الإنفاق الاجتماعي الأكثر كفاءة ودقة في استهداف المستحقين؛ والافتقار إلى الثقة في قدرة الدولة على تطبيق وإدارة شبكات للأمان الاجتماعي مع عدم إساءة استخدام الوفورات.
ويمكن معالجة مظاهر المقاومة تلك من خلال التصميم الملائم لبرامج الإصلاح، بما في ذلك تقديم حجج موضوعية للإصلاح؛ وزيادة الشفافية والاستفادة من حملات التواصل الجماهيري؛ وتكوين تحالفات تضم المستفيدين من الإصلاحات؛ وإدخال إصلاح الدعم في خطة إصلاح أوسع نطاقاً.
لايزال هناك عمل كثير
يُجري التقرير تحليلاً عبر الدول يتناول 25 تجربة إصلاح في مختلف أنحاء العالم لتحديد عوامل النجاح، ثم مضاهاة هذه العوامل مع تجارب الإصلاح الأخيرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وبالنسبة لحكومات الدول التي بدأت الإصلاح، تتيح هذه العملية بعض المؤشرت للبناء على التقدم الذي تحقق بالفعل، عن طريق استكمال زيادة شبكات الأمان الاجتماعي التي تستهدف المستحقين بدقة؛ وضع خط زمني واضح لرفع الأسعار المحلية بالتدريج إلى مستوى الأسعار الدولية؛ إبعاد الاعتبارات السياسية عن عملية التسعير من خلال استحداث أو تنفيذ آليات أكثر دقة في تحديد الأسعار تلقائياً - مع إمكانية اقترانها، ومعالجة الدعم في قطاع الطاقة «الأمر الذي قد يتطلب إعادة هيكلة القطاع» الذي يتسبب في خسائر لشركات الكهرباء المملوكة للدولة.
وفي الدول التي لم تبدأ الإصلاح بعد، هناك تدابير يمكن اتخاذها لتمهيد السبيل أمام عملية الإصلاح مستقبلاً. وعلى وجه الخصوص، يمكن للحكومة تحسين الشفافية بشأن تكاليف الدعم والمستفيدين منه، وجمع بيانات ومعلومات عن استهلاك الأسر المعيشية والفقر بما يساعد على إقامة شبكات الأمان الاجتماعي أو تحسينها.
وأوضحت حالات الإصلاح السابقة أن الأمر يستغرق عدة سنوات حتى يتم الإعداد لإصلاحات الدعم جيدة التصميم، وبناء توافق الآراء المطلوب بشأنها، ثم تنفيذها. ومن ثم، ينبغي أن تبدأ الحكومات التحرك الآن حتى تتيح لنفسها فرصة بناء إصلاح مستمر وطويل البقاء.
وبالنسبة لكل الدول، من المهم معالجة الأثر الاجتماعي للإصلاح، إذ يجب أن يتحرك صناع السياسات والأطراف الدولية المعنية بحرص وأن يختاروا مزيج الإصلاحات وتسلسل خطواته بما يحقق التوازن الصحيح بين المكتسبات على صعيد المالية العامة والكفاءة من ناحية وإجراءات تخفيف الأثر من ناحية أخرى، ولاسيما في مصر والأردن وليبيا والمغرب وتونس واليمن حيث لا تزال التحولات السياسية جارية.
ويعني هذا، على سبيل المثال، البدء بزيادات الأسعار الأقل تأثيراً على الفقراء والمضي لاحقاً في رفع الدعم تدريجياً عن المواد الغذائية الحساسة من الناحية الاجتماعية.