كتب – جعفر الديري:
عند جميع الباحثين والمؤرخين اعتقاد بأن البحرين، هذه الجزيزة الصغيرة، رائدة بين دول الخليج الشقيقة، ومن أبرز علامات ريادتها الفنون كالمسرح، والسينما.
لقد عرفت البحرين السينما منذ وقت مبكر، وكان من المفترض أن يقابل هذا الريادة؛ حضور سينمائي لافت، لكن ما حدث أن التجارب السينمائية تراجعت، مقابل علو شأن التجارب الخليجية!.
في هذا الاستطلاع لـ «ملفى الأياويد»؛ طرحنا جملة من الأسئلة الخاصة بالشأن السينمائي، على مجموعة مختارة من المشتغلين بالهم السينمائي، من قبيل؛ متى شهدت البحرين حضوراً سينمائياً حقيقياً برأيك؟ أين الخلل فيما تشهده الساحة من تراجع؟ لماذا نوصف دائماً أننا أصحاب الريادة فيما نحن في المؤخرة اليوم؟ هل أنت راضٍ عن مستوى ما يقدمه الشباب، وماذا تقترح للنهوض بالسينما، فخرجنا بالآراء الآتية...
يعتقد المخرج محمد إبراهيم أن السينما البحرينية رغم كل المشكلات التي تعاني منها الأوضاع السينمائية الإنتاجية في المنطقة، إلإ إنها بالمقارنة مع غيرها فهي رائدة وكان لها وجودها، ولا ننسى وجود شركة وولت ديزني في البحرين قبل أكثر من 30 عاماً عندما أنتجوا فلم حمد والقراصنة في البحرين، البحرين تملك في رصيدها تقريباً 7 أفلام روائية طويلة وهذا إنجاز بالنسبة لبعض الدول المجاورة، البحرين حققت العديد من الجوائز السينمائية في بعض المهرجانات بغض النظرعن طبيعة الأفلام سواءً كانت طويلة أو قصيرة ولكن هذا يدل على خصوبة الأرضية الفنية البحرينية.
ليست البحرين فحسب
لكن إبراهيم يعتقد أيضاً أن البحرين والدول الخليجية ومعظم الدول العربية لم تشهد حضوراً سينمائياً حقيقياً في الساحة السينمائية، فعندما نتكلم عن السينما فنحن نتكلم عن صناعة، والصناعة هذه غير موجودة لدينا ويعود ذلك لعدة عوامل أهمها عدم وجود قاعدة جماهيرية ضخمة للأفلام السينمائية بشكل عام، فإذا أعدنا النظر إلى بعض الأفلام الروائية التي تم إنتاجها في السنوات الأخيرة سنجد هذه الأفلام لم تحقق شيئاً من الربحية وربما منتجو هذه الأعمال خسروا لعدم قدرتهم على تعويض الميزانية المرصودة للفلم نفسه! ولعل الفلم البحريني حكاية بحرينية للمخرج القدير بسام الذوادي كان يعاني من المشكلة نفسها ولم تحقق الشركة البحرينية للإنتاج السينمائي الأهداف المادية المرجوة.. ولكن من جانب آخر بالفعل هنالك حراك سينمائي متطور ويسير نحو التقدم أكثر من خلال عزيمة المخرجين والمنتجين ومن خلال التصدي للأفلام الروائية الطويلة والاعتماد على التمويل الشبه ذاتي ومن خلال بعض الجهات الحكومية أو الخاصة.
ويرى إبراهيم أن هناك إنتاجاً وهنالك نظرة فنية أكثر من كونها تجرية.. وفي الحقيقة الحديث متشعب ويطول حول الوضع السينمائي المعقد لدينا.. في مصر مثلاً الوضع مختلف فهنالك سينما حقيقية.. هنالك صناعة للسينما.. هنالك جمهور.. مهتمون حقيقيون.. كليات.. دور عرض.. أُكثر من 20 مليون مهتم بالشاشة العملاقة.. هذا يعني أن هنالك ربحية وإنتاجية واستمرارية.
مشكلة الإنتاج
ويجد إبراهيم أن الخلل فيما تشهده الساحة من تراجع، لاعلاقة له فقط بالبحرين، بل بمعظم الدول العربية كما أسلفت مسبقاً، فالمشكلة الإنتاجية هي أكبر المشكلات التي تعاني منها السينما لدينا، نحن لا نملك رقعة جماهيرية ضخمة للأفلام التي تعرض في دور العرض .. المعادلة السينمائية الإنتاجية تقول كلما زاد عدد المتابعين للأفلام كلما زاد الدخل وزادت الربحية وزادت الإنتاجية بعدها. لو تم افتتاح السينما في السعودية واليمن في المنطقة أتوقع هذه المعادلة ستختلف وسيكون هنالك حراك سينمائي ضخم وأكثر حيوية وأكثر إنتاجية لأن الرقعة الجماهيرية ستكون ضخمة للسينما ولكن تجري رياح العادات والعرف في بعض المجتمعات بما لا تشتهي السينما!
ومع ذلك يقول إبراهيم: ما دام هنالك حراك سينمائي مستمر فأنا راضٍٍ .. شيئ جميل أن نصنع ونحاول ونسعى حتى لو كانت هنالك العديد من العقبات الإنتاجية، أتمنى أن يكون هنالك دور للقطاع الحكومي في دعم الأفلام الروائية الطويلة تحديداً كما دعمت الآن فلم الشجرة النائمة وهذا الشيء يحسب لهيئة شؤون الإعلام والجهات الداعمة الأخرى، فهيئة شؤون الإعلام لم تنظر إلى الجانب الربحي هنا بل نظرت بنظرة ثاقبة إلى دعم الحراك السينمائي البحريني.
تجارب ليس إلا
بدوره لا يرى المخرج والفنان طاهر محسن أن الاعتقاد بوجود سينما في البحرين، اعتقاد صحيح، نحن مخطئون، هناك كثير من المحاولات بعضها رديء وبعضها يبقى كمحاولة، حتى لو استطعنا أن نعود بذكراتنا إلى «حمد والقراصنة « مروراً بتجارب المخرج بسام الذواذي مروراً بالتجارب الأخرى التي شهدتها البحرين، نجدها تجارب لا ترتقي إلى مستوى صناعة الفيلم والسينما لأنه لا يوجد عندنا سينما، ولم تحصل البحرين على أحقية الحضور السينمائي لأنها تجارب خجولة وتعد على أصابع اليد، وتبقى تجارب لا يمكننا أن نجعلها تجارب حقيقية، فهي تفتقد لكثير من اللمحات السينمائية لكنها تبقى في إطار المحاولة.
ويضيف محسن: نعاني أيضاً من عدم وجود ممثلين يجيدون التقنية السينمائية، وبعضهم لا يخرج عن نطاق المسرح في أدائه التلفزيوني، وحتى في نطاق المسرح لا يخرج عن أدائه، مع ذلك تبقى المحاولات في إطار تصاعدي.
ويشير محسن إلى أنه ورغم أن التجارب البحرينية ربما كانت في البداية أفضل من بقية بعض دول الخليج، لكننا لم نتطور، فنحن أفضل حالاً من البقية التى لم تبدأ، لكن أخواننا في الكويت سبقونا بعدة أفلام، فرغم أنها أفلام قليلة، لكنها أفلام حقيقية، حتى لو تم الاستعانة بكوادر فنية خارجية من بلدان عربية وأجنبية، كذلك كانت هناك أفلام شارك فيها معظم الممثلين المصريين العرب وهي تبقى في إطار السينما وأفضل حال منا لكنها توقفت.
المطلوب ثقافة سينمائية
ويشدد محسن على الحاجة لثقافة سينمائية، فنحن لا نجيد هذه الثقافة كذلك لا نعرف كيفية دخولها وتسويقها، كما هو حال بقية الأعمال التلفزيونية والمسرحية، وقد أصبحنا نتيحة لعدم الاستمرارية، غير عارفين بطريقة تسويقها، بالتالي أصبحت عبئاً مالياً دون مدخول، فهي ليست كالتلفزيون أو المسرح، وقد توقفت في كثير من البلدان، لكن تبقى حاضرة في مصر أو غيرها نظراً لوجود السوق ولوجود الصناعة الحقيقية لها وبالتالي أصبحت في مستوى عال من التسويق والمردود المالي الجيد.
ويواصل محسن: الحقيقة أننا متراجعون في كثير من الميادين والمجلات، من ضمنها المسرح، فنحن متراجعون جداً فيه، رغم أننا كنا في الريادة، نحن متراجعون في التلفزيون، لكننا لم نبدأ بشكل حقيقي، فنحن فعلاً اصبحنا خلف المسرح نظراً لعدم وجود الدعم ولعدم وجود البيئة الحاضنة ولعدم وجود الكثير من الأشياء، لكن السينما لم نبدأها بشكل صحيح، نظراً لغياب الوعي لدى العاملين، ولا أعتقد أن هذه التجارب التي يقوم بها الشباب والهواة هي سينما فهي أصلاً لا ترتقي إلا إلى التصوير الفوتوغرافي، فهناك مجموعة من الشباب كمجموعة تصوير فيديو لبعض الأشياء الجميلة. هذه ليست تجارب أو صناعة!، هذه مجرد نزوة شباب هاوٍ لا يجيد الأدوات الصحيحة يعبث تارة فيصيب لقطة من اللقطات، يعمل على جانب وينسى بقية الجوانب، أو يغفل عنها أولا يعلم كيفية الدخول إليها، هذه تجارب هواة كتجارب التصوير الفوتوغرافي، بعض التجارب لها علاقة بالرياضة أو غيرها، فهذه ليست تجارب.. إن ما يفعله الشباب هواة جميل بجمال الشباب، ولكن ليس فناً حقيقياً.
بيئة حاضنة
ويلفت محسن لأهمية تدشين بداية حقيقية، إلى بيئة حاضنة، وراعٍ وفكر ومعرفة بطريقة الدخول لهذا العالم الغني بالإمكانات، الغني بالمردود المالي، شرط أن أعرف كيف نسوق له وكيف نستفيد منه وكيف يتم صناعته. عندها يمكن اقتحامه من خلال التجار ومن خلال الحكومات من خلال الكثير، لأننا فعلاً شعب يحب السينما، نرتاد السينما دائماً، كذلك أخواننا في السعوديه دائماً يأتون لزيارة صالات السينما، فلماذا لا نستغل ذلك؟ لماذا لا يتم تبني هذا المشروع الضخم بشكل فعلي وحقيقي جميل واستثماره، لكي لا يكون حال السينما، كحال المسرح الذي يصرخ وينادي أنه أوشك على الموت وهو في مرحلة إنعاش سريري!.
تراجع عام
أما المخرج والممثل حسين العصفور، فيلمس تراجع الإنتاج السينمائي في البحرين، ملموساً منذ فترة طويلة وذلك في اعتقاده يعود لغياب الجودة في المنتج، فعدم الاهتمام بالتفاصيل والفكرة واقتصار الطرح على الحالة العاديه والمتسرعة في التصوير يؤدي إلى نتيجة متواضعة.
ويضيف العصفور: طبعاً البحرين كانت رائدة في الاشتغال في الفن بشتى أنواعه، وهناك تراجع في عموم القطاعات الفنية وأحد الأسباب الرئيسة قلة الدعم والأرضية، لكن في السينما ربما يكون الوضع من ناحية الدعم والتسهيلات أفضل من بقية الفنون، وليس كالمسرح على سبيل المثال، والمشكلة الكبيرة في السينما هي تسرع المخرجين الشباب والجدد خصوصاً في طرح أعمالهم، وافتقاد هذه الأعمال للقيمة والفكرة الجيدة والاهتمام بالكادر والتفاصيل، فنحن نرى اليوم عدداً كبيراً من التجارب السينمائيه ولكن للأسف لا شيء منها يبقى في الذاكرة، فبعض التجارب التي يقدمها الشباب جيدة، لكن أغلبها تفتقد للدراية والاهتمام بالموضوع والفكرة والكادر، وتوحي بالاستعجال والتساهل ففي كثير من التجارب تشعر بوجود مصور فقط ولا تشعر بوجود مخرج.
ويرى العصفور أن توافر الدعم وصالات العرض والأرضية أمر مهم، لكن الأهم في موضوع السينما هو مزيد من الاهتمام من قبل الشباب، فلا ضير في التمهل والاطلاع والاحتكاك، فالفلم القصير على سبيل المثال ربما يكون قصيراً في مدته، لكن المفترض أن يكون ثرياً في الفكرة مكثفاً.