* محبو رشيد طه: الجزائر خسرت فناناً كبيراً

* رشيد طه ووري الثرى في مسقط رأسه بسيق الجزائرية

* غنى لأبي نواس وكان ذواقا لفن عبد الحليم وأم كلثوم



الجزائر - جمال كريمي، (وكالات)

ووري الثرى الجمعة جثمان الفنان الجزائري رشيد طه نجم الروك الفرنسي في الثمانينات وأحد أبرز مغني الراي والموسيقى الشعبية، في مقبرة خروف بمسقط رأسه بمدينة سيق قرب وهران بعد يومين على وفاته في فرنسا، عن عمر ناهز 59 سنة، إثر أزمة قلبية.

وجرت مراسم دفن الراحل رشيد طه بحضور المحافظ، والقنصل العام لفرنسا بوهران والمدير العام للديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة وكذلك ممثلين عن السلطات العمومية وعدد من الفنانين والمواطنين، فيما غاب وزير الثقافة عز الدين ميهوبي بسبب ارتباطاته الحكومية. وقال الوزير "ألتمس العذر من عائلة الفنان المرحوم رشيد طه لعدم قدرتي مقاسمتهم أحزانهم وحضور جنازته بمدينة سيق، كوني خارج الوطن في مهمة، علما أنّ ديوان حقوق المؤلف وفر وسائل النقل لعشرات الفنانين الجزائريين لتشييع الفنان الذي انتقل بالموسيقى الجزائرية إلى العالمية، إلى مثواه الأخير"، ومقابل ذلكم نعى الوزير الراحل قائلا "رحل رشيد طه وهو في سنّ العطاء الفني المتميز والمتفرد، وبعد مسار حافل بالإبداع الموسيقي الذي زاوج بين الروح الجزائرية والإيقاعات العالمية، مؤكدا مهاراته وحسه الموسيقي العالي، يرحل بعد أن أدى أغنية "الرايح" للمرة الأخيرة ليعود إلى وهران التي أحبها كثيرا.. تعازينا الخالصة للعائلة".

وبالمناسبة قدم السفير الأمريكي بالجزائر، تعازيه الخالصة لعائلة الفنان رشيد طه، ونشر السفير جون ديروشر عبر صفحته الرسمية على "تويتر" قائلا "أنا وزوجتي كارين نقدم تعازينا الخالصة إلى عائلة رشيد طه وزملائه ومعجبيه.. وإن موسيقاه مزجت بين الروك والإيقاعات التقليدية الجزائرية لقد كان رمزا للمعنى الحقيقي لحوار الثقافات.. لقد علمنا جميعا الروك في القصبة رحمة الله عليه".

يشار، أن الراحل ولد في 18 سبتمبر 1958 بمدينة سيق لعائلة عريقة من ذات المدينة وانتقل برفقة عائلته إلى فرنسا في سنة 1971 حيث برز في المجال الفني وأثرى الموسيقى العالمية الراي وأدى طبوعا موسيقية أخرى على غرار الشعبي والتكنو والروك البانك فضلا عن تجسيده أدوارا في مسلسلات تلفزيونية، وأعاد تقديم أغاني جزائرية دخلت للعالمية بفضله، خاصة رائعة الراحل دحمان الحراشي "يا الرايح"، والتي تغنى فيها بمآسي المهاجرين الجزائريين في ديار الغربة.

ويعرف عن طه أنه فنان ملتزم، حيث عالج في أغانيه موضوع تزويج القاصرات، وقال في حوارات تلفزيونية إنه ذواق لعبد الحليم حافظ وأم كلثوم، ولدرجة إتقانه الفن، أدى أغنية للشاعر الكبير أبو نواس، في إحدى حفلاته في فرنسا.

ورغم إقامته المطولة في فرنسا، إلا أن آراءه كانت صدامية معها، إذ قال ردا على سؤال لماذا منعت أغانيك في الفترة الأخيرة في وسائل الإعلام الفرنسية؟ فرد قائلا "اعتقادهم أن العربية تذكرهم بالإرهاب والعنف والتطرف".

ووصل جثمان المغني الذي توفي عن 59 عاما جراء نوبة قلبية، مساء الخميس إلى وهران "430 كيلومترا غرب الجزائر العاصمة"، قبل أن يُنقل إلى سيق على بعد حوالى 50 كيلومترا حيث سيدفن بعد صلاة الجمعة بحسب مقربين من الفنان الراحل.

وقد وجه أصدقاء المغني تحية وداعية له في باريس بحسب شركته للإنتاج "بيليف".

ولا يزال كثر في فرنسا، البلد الذي هاجر إليه رشيد طه في سن العاشرة، ينعون وفاة الفنان المولود في الجزائر في 1958 حين كانت تحت الاستعمار الفرنسي.

وأشادت وزيرة الثقافة الفرنسية فرنسواز نيسين برشيد طه قائلة إنه "كان يجيد الغناء وإعادة تقديم كل شيء بقالب جديد من "ذي كلاش" إلى "المغني شارل" ترينيه".

أما نظيرها الجزائري عز الدين ميهوبي فقد وصف وفاة رشيد طه بأنها خسارة كبيرة للفن والموسيقى الجزائريين، قائلا إن الفنان الراحل حمل دائما جذوره الجزائرية على المسارح العالمية.

ووصفت رئيسة بلدية باريس آن إيدالغو المغني الراحل بأنه "فنان يتمتع بحرية عميقة والتزام كبير".

كما وصف الكوميدي الفرنسي المغربي جمال دبوز المغني الجزائري بأنه "أخ" له قائلا إنه كان "مرشدا" من خلال "موسيقاه وقلبه ونصوصه".

وكان رشيد طه من الوجوه الفنية المحببة على ساحة الروك الفرنسي منذ بداياته في عام 1981 مع فرقة "كارت دو سيجور" التي شكلها في مدينة ليون مع أربعة موسيقيين آخرين وتولى قيادتها.

وشكلت الفرقة أحد أبرز الأصوات التي جسدت جيل الفرنسيين المتحدرين من أصول مغاربية وهي شاركت خصوصا في المسيرة الشهيرة للمطالبة بالعدالة ورفض العنصرية عام 1983.

وتميز رشيد طه مع فرقته وفي مسيرته الغنائية المنفردة منذ بداية التسعينات بمزجه الأنغام الشرقية مع أنواع موسيقية عالمية بينها الفانك والتكنو.

وعرف نجاحا كبيرا بفضل ألبومه "ديوان" الذي تضمن أغنيات شعبية من بينها "يا رايح وين مسافر".

وفي 2016، نال رشيد طه جائزة "فيكتوار" الموسيقية الفرنسية عن مجمل مسيرته قبل إطلاق مشروع "كسكس كلان" مع رودولف برغر. وهو كان يستعد لإصدار ألبوم جديد يتضمن أغنية بعنوان "أنا إفريقي".

ويقول الموظف الرسمي الجزائري أسامة "24 عاما" إن الجزائر "خسرت فنانا كبيرا" بوفاة رشيد طه في فرنسا لكن في شوارع العاصمة الجزائرية لا يعرف بعض الأشخاص لا سيما الشباب ،المغني الذي ولد في هذا البلد قبل أن ينتقل للإقامة في فرنسا.

رغم ذلك يقول أسامة الذي تأثر كثيرا بسماع نبأ وفاة المغني من أزمة قلبية خلال نومه ليل الثلاثاء الأربعاء "حتى الذين لا يعرفونه بالاسم سيعرفونه عندما يسمعون أغانيه".

وكانت موسيقاه مزيجا من الروك والبانك إلا أنه لم ينس يوما جذوره الجزائرية وراح يمزج هذه الموسيقى مع أنغام شرقية ولا سيما الراي التي رأت النور مطلع القرن العشرين في منطقة وهران، وتطورت وخرجت إلى العالم في الثمانينات والتسعينات.

وقد ساهم رشيد طه مع ألبومه "ديوان" "1998" الذي تضمن أغاني شعبية مستعادة في التعريف بهذا النوع الموسيقي الجزائري في العالم.

وعرفت أغنية "يا رايح وين مسافر" المهداة إلى المهاجرين والتي غناها أصلا أحد أرباب الموسيقى الشعبية دحمان الحراشي، نجاحا عالميا.

ويقول نعمان "40 عاما" الذي يعمل في مجال تنظيم الحفلات "لقد أحدث ثورة (..) مع أغنية دحمان الحراشي وباتت تسمع في العالم باسره. كل المراقص في العالم تبث أغنية "يا رايح"".

ويضيف "لقد ترك أثرا والجميع ممتن له على ذلك".

ولم يقم رشيد طه الكثير من الحفلات في بلده الأم. وقد عاد إليه بعد غياب دام 20 عاما في جولة عام 2006.

لكن نعمان يؤكد أن رشيد طه "عرف كيف يكون رابطا بين جزائريي الضفة الأخرى "للمتوسط" والجزائريين هنا".

وتؤكد سهام التي تعد شهادة دكتوراه بالأدب الفرنسي "نشعر بأننا فقدنا فنانا محليا وهذا أمر مؤلم".

أما إيمان المدرسة البالغة 25 عاما فتقول "كونه مهاجرا كان مصدر غنى وإضافة وكان ذلك يظهر بطريقة بارعة في أعماله".

وكان رشيد طه استعاد خصوصا أغنية "دوس فرانس" لشارل ترينيه مع فرقته الأولى "كارت دو سيجور" كما أنه أدخل أنغاما شرقية على أغنية "روك ذي قصبة" لفرقة "ذي كلاش".