المحرق هي حاضرة مدن الخليج العربي دون منازع، هي عاصمة الفكر والتعليم والأدب والاقتصاد. بريق المحرق، لايزال خاطف الأنظار لمن عاش فيها ولمن عبر عليها، وعاش بين أزقتها. هي ظاهرة متميزة في ماضي من الزمان. الآن تستحضر موقعها مرة ثانية حالياً، بعد جهود حثيثة وكبيرة للمسؤولين في مملكة البحرين.

في حقيقة الأمر، اكتسبت مدينة المحرق هذا الموقع المتميز على المستوى الإقليمي، أذ كانت مدينة المحرّق القديمة هي عاصمةً للبحرين في الفترة ما بين 1810م وحتى 1923م. إذ خلال قرابة فترة القرن والربع، ازدهر فيها اقتصاد البحث عن اللّؤلؤ، كما أزدهر سحر وقوة مدينة المحرق، فضلاً بسبب تعدد المدارس الدينية المحلية بين أزقتها، وتعدد مراكز العلوم و التعليم والثقافة والأدب، كيف لا وشيوخ المحرق هم في الأصل أدباء وكتاب وشعراء، فضلاً عن رجالات المحرق الذين أيضاً ساهموا في حركة التنوير ونهضة التنوير برؤية عربية أصيلة. كما تميزت مدينة المحرق وازدهرت، بسبب نسيجها الاجتماعي الذي أضفى معاني وصفات اجتماعية حافظت عليها ونقلت من جيل إلى جيل، في ظاهرة جل أن تتكرر في المنطقة بأسرها.

دخلت المحرق عدة قواميس وكتابات المعرفة والعلوم والأدب والثقافة، فضلاً عن موقعها السياسي والاقتصادي حتى بداية العشرينيات وتحديداً عام 1923، عندما تم نقل موقع العاصمة من المحرق إلى المنامة. فبالرغم من تحول عاصمة البحرين من المحرق إلى المنامة، ظلت جزيرة المحرق حاضرة الزمان والمكان على مدى قرابة القرن.

مما يشد الانتباه للمهتمين بحركة المعرفة والأدب والتعليم، بل وكتابة تراجم المحرق عبر سنوات، يجد أن للمحرق دور أساسي على خريطة التعليم والتراث والثقافة والأدب استمر هذا الدور حتى اليوم، بالرغم من مراحل فتور وذهاب البريق خلال بعض السنوات، لكن أبى إلا أن يعود.

خرجت عدة كتابات عن المحرق ودورها خلال عدد من الكتابات من مفكرين ورحالة. كتب عنها الرحالة المؤرخ أمين الريحاني. وكتب عن المحرق المؤرخ النبهاني في التحفة النبهانية، ولعل فاق في الوصف حين زار مدرسة الهداية الخليفية بعد الانتهاء من الإنشاء فوصفها بكل معاني الجمال كتحفة عمرانية فريدة بنوافذها وأبوابها الخشبية التي عملت الإدارة الخيرية للتعليم حينها برئاسة الشيخ عبدالله بن عيسى وجلبت هذه الأخشاب من الهند، وصخور المباني الصلبة من أراضي البحرين البعيدة. كتب عن المحرق أيضاء أدباء مصر في «جريدة الفتح» والكويت وكتاب نجد، والتاجر ومقبل الذكير والمؤرخ الرميحي، كما وأرخ تاريخ المحرق بولمر وبلغريف عبر كتابات مستفيضة. وفي الوقت المعاصر، خرجت عدة دراسات أكاديمية أيضاً وكتابات حول المحرق في كتابات غربية وشرق أوسطية، فضلاً عن رسائل أكاديمية مطولة وقصيرة. بلغ عدد المراجع ذات صلة بتاريخ المحرق، لا يقل عن 10 رسائل أكاديمية محكمة وفق النظم الأكاديمية، كلها تتحدث عن المحرق وعمران بيوت وزخرف وطرقات المحرق، وثقافة الأحياء وفرجانها القديمة، والنسيج الاجتماعي «سوشال فابركس»، وكيف تكور وتكون هذا النسيج، بل وكيف نقل قدامى المحرق ثقافة هذا النسيج من جيل حتى جيل في ظاهرة فريدة من نوعها حتى يومنا هذا.

لكن مما يشد الانتباه، أن انتشار المؤسسات الثقافية في البحرين بشكل عام هي ظاهرة تتميز بها البحرين، لكن عندما تفيض المحرق بهذا العدد المميز للمؤسسات الثقافية والتعليمية في المحرق بذاتها، فهذا يشد الانتباه. يذكر الأستاذ المؤرخ خليل المريخي أن عدد المؤسسات والأندية الثقافية في المحرق كان قد قارب 10 مؤسسات، وهذا بطبيعة الحال خلال فترات عدة بدءاً من العشرينيات وصولا حتى الثمانينات، والتي ذكر منها بيت ومجلس شيخ أدباء البحرين، الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة، شعلة العلم ومركز إضاءة في الخليج العربي، فضلاً عن مؤسسات ثقافية وتعليمية ومكتبات عدة لا تزال حاضرة بتاريخها الموثق العتيد.

مدينة المحرق، تستحق قراءة أعمق لموقعها التعليمي والأدبي والثقافي والاقتصادي على خريطة الخليج العربي على مدى عدة عقود، وقراءة لموقعها وكيف تميزت فكانت مأوى عدد من كبار المفكرين والكتاب والرحالة.