أقرت الولايات المتحدة علانية بأن السفير الأميركي في برلين يمارس ضغوطاً “يومية” على المؤسسات الألمانية لضمان “الامتثال” للعقوبات الأميركية المفروضة على إيران، رغم سعي الحكومات الأوروبية لحماية شركاتها من الغضب الأميركي.

ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية إلى الناطقة باسم السفارة الأميركية في ألمانيا كريستينا هيغينز قولها إن “السفير الأميركي ريتشارد غرينيل يتحدث إلى مجالس إدارات وقيادات صناعية منذ وقت لحضهم على الامتثال للعقوبات الأميركية”.

ودخلت المرحلة الأولى من العقوبات الأميركية على طهران في 7 أغسطس الماضي، بعد 3 أشهر من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، ومن المقرر أن تدخل المرحلة الثانية والنهائية من العقوبات في 5 نوفمبر المقبل.

ويأتي الاعتراف الدبلوماسي بالضغط على الشركات الأوروبية بعد إعلان غرينيل عقد صفقة مع صانع السيارات الألماني العملاق فولكسفاغن لتطبيق الإجراءات العقابية الأميركية.

وأكدت هيغنز أن “السفير يعمل بشكل يومي مع فريق السفارة للمتابعة مع الشركات الألمانية لضمان تنفيذ التزامات رؤسائها” بالعقوبات الأميركية ضد طهران.

وكان غرينيل قد أكد لقناة بلومبيرغ الاقتصادية الخميس أنه توصل إلى اتفاق مفصّل مع شركة فولكسفاغن هذا الأسبوع، يضمن احترام الشركة للعقوبات الأميركية ضد إيران.

وأصدرت فولكسفاغن أمس نفياً متحفظاً لاتخاذ قرار بوقف عملياتها في إيران بعد ضغوط السفير الأميركي. وأكدت أن موقفها لم يتغير من آفاق العمل مع إيران وأنها “متمسكة بالقوانين الوطنية والدولية ومتمسكة بنظم التصدير”.

لكن الشركة تركت الباب مفتوحاً حين قالت إنها “ستراقب تطورات الأوضاع السياسية والاقتصادية في إيران والمنطقة مراقبة تامة، وسوف تراعي الآثار المحتملة لإعادة العقوبات الأميركية على إيران”.

ويرى محللون أن بيان الشركة يسعى لحفظ ماء الوجه بسبب الموقف الألماني الرسمي المعارض للعقوبات الأميركية، وأنها ربما تأمل بالحصول على إعفاءات من واشنطن، لكن موقف السفارة الصريح يؤكد استبعاد حصول ذلك.



لكن بلومبيرغ أشارت إلى أنه حتى في حال التقيد التام بالعقوبات، فإن فولكسفاغن قد تكون قادرة على القيام ببعض الأعمال في إيران بموجب “استثناء إنساني”، في وقت أكد فيه مصدر قريب من المحادثات أن فولكسفاغن والحكومة الأميركية لم يتوصلا إلى اتفاق حتى الآن.

وتشمل المرحلة الأولى من العقوبات الأميركية التي دخلت حيز التنفيذ الشهر الماضي قطاع السيارات، إضافة إلى تجارة المعادن والبرمجيات الصناعية، الأمر الذي يفرض قيوداً مضاعفة على التعامل مع إيران في هذا القطاع.

وقد أعلنت معظم شركات السيارات الأوروبية إيقاف تعاملاتها مع إيران وخاصة مجموعتي رينو وبيجو ستروين، وهما من أكبر شركات السيارات حضوراً في إيران عن وقف جمع المشاريع في إيران.

وكانت فولكسفاغن قد أعلنت في يوليو من العام الماضي أنها ستبدأ بيع سياراتها في إيران للمرة الأولى منذ 17 عاماً، لكن المتحدث باسم الشركة أكد الجمعة لوكالة الصحافة الفرنسية أن الشركة “تأخذ بعين الاعتبار التأثيرات المحتملة والمتعلقة بإعادة فرض العقوبات الأميركية”.

ويعرف السفير غرينيل في ألمانيا بإثارة الجدل من خلال تعليقاته اللاذعة في مجالي الأعمال والسياسة، وكان قد أعلن على تويتر في وقت سابق هذا الشهر بطريقة احتفالية امتثال شركة بي.أي.أس.أف الألمانية العملاقة للصناعات الكيمياوية، وشركة إعادة التأمين “ميونيخ ري” للعقوبات الأميركية الجديدة.

لكن متحدثاً باسم بي.أي.أس.أف أكد الخميس أنها “ستستمر بالقيام بأعمال تجارية في إيران، واحترام كل القواعد القانونية”.

وأضاف أن نحو “نصف” الأرباح التي جنتها الشركة في إيران والبالغة 80 مليون يورو العام الماضي، جاءت من قطاعات تتأثر بالعقوبات الأميركية، مثل قطاعات الطاقة والسيارات والبتروكيماويات، لكن ذلك المبلغ لا يمثل سوى جزء من أرباحها السنوية التي بلغت العام الماضي 64.5 مليار يورو.

أما شركة “ميونيخ ري” فقد أكدت ما قاله السفير، وأعلنت أنها سوف تنسحب من إيران بسبب العقوبات حتى لا تعرض نشاطاتها في الولايات المتحدة للخطر.

وتجهد الحكومات الأوروبية في سبيل إيجاد طرق لشركاتها لمواصلة التجارة مع إيران، لكنها تجد صعوبة في إقناع شركاتها بمواصلة التعامل مع طهران، لأن تلك الشركات تفضل مصالحها الكبيرة مع الولايات المتحدة على المصالح الضئيلة المحفوفة بالمخاطر في إيران.

وأكدت الحكومة الألمانية الأسبوع الماضي أنها تدرس مع كل من فرنسا وبريطانيا خطة تسمح لإيران بتبادل البضائع مع دول الاتحاد الأوروبي عن طريق المقاصة، من أجل تحاشي تحويل الأموال من خلال القنوات المالية الدولية المعرضة للعقوبات الأميركية.

ويرى محللون أن الحكومات الأوروبية تحاول عدم إغضاب إيران والحفاظ على التزامها بالاتفاق النووي، لكنها لم تقدم شيئاً يذكر لمواجهة العقوبات الأميركية.