فتحت حادثة سقوط البناية في منطقة السلمانية بالعاصمة المنامة منذ أيام ملفات عديدة نائمة، وفتقت جروحاً غائرة، وأعادت إلى الضوء قضايا لم يعد بالإمكان إهمالها أو تجاهلها لوقت أطول.

إن سقوط البناية المهترئة تلك وما نجم عنه من خسائر في الأرواح وعديد من الإصابات أعاد إلى الأذهان عشرات الحوادث المشابهة التي وقعت طوال السنوات السابقة، والتي ما لبثت أن تم نسيانها أو تناسيها، أو فلنقل تجاهلها وإهمالها، من قبل الجهات المعنية بمجرد مرور فترة قصيرة على وقوعها.

فحالما تقع الواقعة نجد نفس المشهد يتكرر.. نزول المسؤولين إلى موقع الحادثة.. تصريحات كثيراً ما تتشابه وتتقاطع في مضامينها.. تحليلات مبدئية لأسبابها.. وعود بالتحقيق والمساءلة.. ثم ما تلبث أن يتم طي ملفاتها وإدراجها في أدراج المكاتب المغلقة و... انتهى.

إن تكرار وقوع مثل هذه الحوادث يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن وزاراتنا ومؤسساتنا ومجالسنا البلدية، تمشي على «البركة»، وأنه ما من خطة مرحلية أو استراتيجية تعتمد عليها في إدارتها للملفات المنوطة بها. وإلا فما سبب بقاء ملف المباني الآيلة للسقوط محلك سر، على الرغم من خطرها الجم على حياة قاطنيها والساكنين حولها وحتى على المارة بجانبها.

منذ أشهر كتبت عبر هذه الزاوية مقالاً من حلقتين حول موضوع المباني الخطرة وسكن العزاب بعنوان «إلى متى؟»، وتضمن المقال أرقاماً ملفتة بشأن عدد العمالة التي تقطن في محافظة العاصمة حيث تشير الإحصائيات إلى أن نحو 320 ألف عامل أجنبي ينتشرون بين دوائر العاصمة العشر.. ولو قسمنا الرقم على تلك الدوائر بالتساوي لكان عدد العمالة القاطنة في كل منها يصل إلى 32 ألفاً..! وتشير إلى أنه في المنامة لوحدها يقطن فيها بحدود 75 ألفاً إلى 85 ألف عامل جلهم من الجنسيات الآسيوية ويتمركزون بخاصة في المنازل والمباني القديمة التي هجرها أهلها وتم تأجيرها على العمالة الآسيوية.

ولعل السؤال الجدير بالطرح هنا: لماذا يجب أن تقع الفأس في الرأس حتى تتحرك الجهات المعنية؟

وهل من المنطقي عجز تلك الجهات ومن بينها المجالس البلدية عن حلحلة هذا الملف، على الرغم من انقضاء أربع دورات بلدية تقريباً دون أن يفلح من توالى على كل تلك المجالس البلدية في حلحلة هذه القضية الشائكة؟!

أما الأمر الأكثر إثارة للاستغراب فيتمثل في افتقار الجهات المعنية للمعلومات بشأن مثل هذه المباني، فلا أقل من أن يتوافر لدى أمانة العاصمة والمجالس البلدية سجل بالمباني الخطرة ومحتوياتها وعدد قاطنيها حتى تكون الصورة واضحة لدى الجهات المعنية لدى التعامل مع أية حادثة تقع فيها.

ثم أين هو دور المجالس البلدية حيال الأعداد الكبيرة التي تقطن هذه المباني بما يفوق في كثير من الأحيان طاقتها الاستيعابية؟ حيث إنه من الملاحظ أن مشكلة هذه المباني لاتزال قائمة وبقوة حتى مع فرض قانون إيجار العقارات الجديد رقم «27» لسنة 2014 وما تضمنه من ضرورة تسجيل عقود الإيجار، إذ تنص المادة السادسة منه في الفقرة «أ» أن: «تنشئ الوزارة «العدل والشؤون الإسلامية» بالاتفاق مع الوزارة المعنية بشؤون البلديات مكتباً أو أكثر في كل بلدية يسمى مكتب تسجيل عقود إيجار العقارات يختص بتسجيل عقود إيجار العقارات...».

إلا أن ظاهرة الإيجار من الباطن، وتحايل المؤجرين واستهتار بعض الملاك سعياً وراء المكسب الوفير ساهم في استمرار سكن العزاب كمجموعات كبيرة في العديد من المنازل والبنايات حتى مع قدمها وتهالكها وخطورتها، حتى إن بعضها بات يؤجر بنظام تأجير «السرير على فترتين»، بغرض تحقيق مزيد من الكسب!

زد على ذلك أن كثيراً من المباني الآيلة للسقوط تقع في مواقع وعرة بسبب قدم أو سوء تخطيط المناطق التي تقع فيها غالباً، مما يزيد من صعوبة وصول الطوارئ إليها عند وقوع أية حالة طارئة. ومما يزيد من المخاوف بوقوع مزيد من تلك الحوادث هو ممارسات العمالة القاطنة فيها والتي تفتقر لأدنى شروط الأمن والسلامة.

نافلة القول: هل من مشروع وطني تشارك فيه كافة الجهات ذات العلاقة لحلحلة هذا الملف ووقف نزيف الأرواح المتمخض عن حوادث كان بالإمكان تلافيها؟

* سانحة:

حادثة سقوط البناية في العاصمة لن تكون الأخيرة في ظل وجود مئات المباني المتهالكة والآيلة للسقوط في كافة المحافظات، وبخاصة المنامة والمحرق، ولا بد من وقفة جادة حيال هذا الملف.