المشاركة السياسية
يحظى موضوع المشاركة السياسية باهتمام كبير لدى الباحثين في علم السياسة والتنمية السياسية بوجه خاص، لما يمثله من أهمية كبرى في بناء الدولة الحديثة. فالمشاركة وعناصر أخرى كالهوية والمؤسساتية تشكل البنية الأساسية -الشروط الأولية- لمثل هذا البناء. الإصلاح السياسي وتزايدت تلك الأهمية مع تزايد التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي في مختلف دول العالم في العقود الأخيرة، حيث تقوم المشاركة على مساهمة المواطنين في صنع القرارات السياسية الهامة في بلادهم، عبر اختيار من يمثلهم. بيد أن للمشاركة مستوياتها المتدرجة، التي تبدأ من مجرد الاهتمام بالشأن العام، إلى التصويت في عمليات الانتخاب والاستفتاء، وصولاً إلى الترشيح أو تولي المناصب العليا في الدولة. التنمية السياسية تلعب المشاركة السياسية، بمعنى مساهمة المواطن في الشأن العام، أدواراً ووظائف لا غنى عنها في التنمية السياسية للحد الذي جعل بعض الباحثين يقرر أنه كلما اتسعت رقعة وحجم المشاركة السياسية في مجتمع من المجتمعات كلما كان ذلك دليلاً على الوعي المجتمعي ومعياراً من معايير التطور والتقدم للأمام في مسيرة النمو السياسي للمجتمع، ويتفق هؤلاء الباحثون حول ما توفره فرص المشاركة السياسية من زيادة الوعي بمسؤولية الفرد تجاه المجتمع وأهميتها في عمليات البناء والتقدم. وتسهم في تحقيق ذلك العديد من العوامل والمتغيرات التي تعزز تلك الأهمية الوظيفية للمشاركة السياسية، ومن هذه العوامل: العوامل الاقتصادية والاجتماعية وارتبطت هذه العوامل بالثورة الصناعية ونمو المدن واتساع التعليم، وما أدى إليه ذلك من بزوغ قوي وطبقات جديدة من عمال وأصحاب المهن والأعمال المختلفة وفئات الطبقة الوسطى التي لها مطامحها وحواراتها ودورها في الحياة المعاصرة. العوامل الثقافية والفكرية ارتبطت بأدوار نخب المثقفين والمفكرين حول العالم، حيث برز دور جديد للكتَّاب ورجال الفكر والعلوم والثقافة. كما تأكدت تلك الأهمية مع ثورة الاتصالات والانترنت وتطور الطباعة والصحافة والمعلومات، ما ساعد على انتشار أفكار الإصلاح والديمقراطية وقضايا حقوق الإنسان وكرامته. عوامل سياسية ناتجة عن توسيع دائرة التدخل الحكومي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية وتقديم المزيد من الخدمات للأفراد والجماعات، وما زامن هذا الاتساع من تضخم دور الحكومات، الأمر الذي أدى إلى تصاعد المناداة بالمزيد من المشاركة السياسية وفق ضمانات سيادة القانون والمساواة أمام القانون. وترتبط المشاركة بالإطار السياسي والاقتصادي والاجتماعي الملائم، ذلك أن حجم المشاركة، وعمقها يتأثر بالمتغيرات المختلفة لهذا الإطار، وما قد يطرأ عليه من تحسن ونمو، كنسب التعليم ونوعيته، والدخل وتوزيعه والمهن والجنس والعمر وغيرها من العوامل. المشاركة والحرية تفترض المشاركة الحرية وتوافر الحقوق المدنية والسياسية لجميع المواطنين بصرف النظر عن انتماءاتهم الطبقية أو الثقافية أو العرقية، كما تفترض سيادة القانون واحترام الضوابط والقيم التي تشكل إجماعاً وطنياً، من هنا يرتبط المفهوم بالمواطنة، ما يؤكد تلك الطبيعة المتشابكة لمفهوم المشاركة. المشاركة أم المقاطعة كما إن تواتر المشاركة يمنح أفراد المجتمع وجماعاته ومنظماته خبرات لا غنى عنها في مسيرة العمل الوطني، بعكس المقاطعة، وأعمال العنف والتشهير بالآخر أو الحوارات الهابطة، أو الأعمال التي تحمل معاني أو أفكار للإثارة وإحداث الفتن والقلاقل أو التطرف، فهذه الأعمال تشكل تجاوزات، وتحمل تداعيات لا يمكن احتمالها في ظل ظروف نظم أو دول ناشئة، أو مجتمعات تعددية وغيرها من عوامل. تعددية المجتمع المدني من هنا نجد أن المشاركة تؤدي العديد من الوظائف والأدوار الإيجابية في النظم السياسية المعاصرة، وتحديداً علاقتها بالتنمية وبالمؤسسية وبالتعددية وبالمجتمع المدني، ذلك أن التنمية من شأنها إتاحة المزيد من الفرص للمشاركة، على الخصوص من حيث توسيعها بما يسمح بتعبئة المزيد من الجهود من أجل التنمية والبناء. المجتمع المدني كما إن المشاركة في إطار المؤسسات والجمعيات والمنظمات القائمة من شأنها تجديد دمائها وأنشطتها، وإسباغ الطابع المؤسسي على تلك الجمعيات والمنظمات، فلا ترتبط بأفراد أو مصالح محدودة وإنما ترتبط بأنشطة وبرامج وجهود مستمرة. فالمجتمع الذي تقوم فيه مؤسسات تستند إلى مشاركة واسعة، يحافظ دائماً على حيوية وتعددية مكوناته، بما يكفل تحقيق الاستقرار والرخاء، كما إن المشاركة تكفل قيام مجتمع مدني نشط وفعال، وتتيح للعناصر المختلفة فيه- خصوصاً المرأة والشباب -المزيد من الفرص للمساهمة في جهود التنمية وتكلفتها، وعوائدها وثمارها.
التنمية والاستقرار ويظل الهدف من المشاركة دائماً تحقيق التنمية والاستقرار للإنسان الذي هو أداة المشاركة، فعبر مشاركته البناءة تتحقق أهداف التنمية المستدامة. معهد البحرين للتنمية السياسية [email protected]