عماد المختار

بات الاستثمار في الأمن السيبراني في البحرين مطلبا حيويا لحماية مؤسساتها ومواطنيها وبناها الأساسية من الهجمات الإلكترونية، لا سيما أن وجود 400 مؤسسة مالية بات يغري قراصنة المعلومات عبر الإنترنيت، إلى جانب أنه من المتوقع أن ينمو قطاع التجارة الإلكترونية في منطقة الخليج العربي إلى 20 مليار دولار في العام 2020 وفقاً لآخر تقديرات السوق التي أصدرتها شركة “إيه. تي. كيرني” للاستشارات الإدارية.

ورغم أن البحرين تقدمت أشواطا في مجال الأمن المعلوماتي واحتلت المركز الأول عربيا والحادي والثلاثين عالميا حسب تقرير الاتحاد الدولي للاتصالات العام الماضي في تبني أفضل الممارسات الدولية في الأمن السيبراني، تبقى في حاجة إلى استراتيجية فعالة في أساليبها وإجراءاتها والتقنيات التي تستخدم لحماية الفضاء السيبراني من العبث بالبيانات أو تعطيل الخدمات في حرب معلوماتية تدور في الفضاء السيبراني بين "الهاكرز" وخبراء الحماية.



حرب مكلفة

و في "الحرب السيبرانية" ينصح الخبراء بضرورة الإنفاق على الأمن السيبراني، رغم أن الأمن في نظرهم ليس أمنا مُطلَقاً، ولا هو حلّ نهائي لمشكلات الاختراق، حيث أكد نائب الرئيس للشراكات والاسترتاتيجيات "في آيرون" نت للأمن السيبراني بالولايات المتحدة، جميل جعفر، أن الهجمات السيبرانية تقع بشكل سريع ويتزايد عددها، في مقابل الجهود الدفاعية التي لا تجاريها في السرعة والعدد. إلى جانب أن "الأمن السيبراني" رغم أهميته لا يزال الإقبال عليه كتخصص متراجعا نواعا ما، إذ توجد على المستوى العالمي نحو مليون وظيفة شاغرة في الأمن السيبراني.

ويقولون الخبراء إن المُتاح هو رفع درجات الأمان فقط، لمواجهة حرب من أخطر الحروب وأشدها ضراوة، هي الحروب "السيبرانية" التي اندلعت ولن تتوقف، مع هذا الانتشار الرهيب للأجهزة الإلكترونية الرقمية التي تشير التوقعات إلى أن عددها سيرتفعُ إلى نحو 50 ملياراً في العالم، بحلول 2020، ويُتَوقّع أن يكون نصيبُ الفرد نحو 6 أجهزة.

فمواجهة هذه الحرب المتواصلة ستكون كلفتها الأمنية باهضة، وستواجه في تطبيقها تحديات كبيرة ومعقدة ومنها ما هو تقني واقتصادي واجتماعي وثقافي، ومنها إعداد كتائب من المُبدعين في هذا المجال الأمني، ليشاركوا في مواجهة هذه التحديات الراهنة والمقبلة، والتي يُعدُّ ضرب الاقتصاد أحد أهدافها، وعلى سبيل يذكر الرئيس التنفيذي لشركة "إن جي" الدولية يعقوب العوضي أن الهجمات الإلكترونية كلفت 57% من شركات الشرق الأوسط أكثر من 500 ألف دولار أمريكي من الخسائر مقابل 33 % عالميا.

فكيف يرى الخبراء الاستثمار في الأمن «السيبراني»؟ وهل هو استثمار واعد للمستثمرين بفرص واسعة ومشجعة في مجالات الاستثمار فيه؟

سوق واعدة

أصبح المجتمع البحريني اليوم مجتمعا رقمياً بامتياز، وينجز أعماله عن طريق استخدام الفضاء السيبراني بشكل متزايد، إذ هناك تحول نوعي في كم الخدمات التي يتم تقديمها عبر بوابة الحكومية الإلكترونية، إضافة إلى ما يطرح في عالم المال والأعمال ، حيث غدا الاعتماد على التقنيات الحديثة في معظم تعاملات الأسواق التجارية، ومن المتوقع أن يستمر الطلب على خدمات الإنترنت في الزيادة خلال السنوات المقبلة، نتيجة زيادة محتوى الإنترنت، واستمرار انتشار الأجهزة الذكية المحمولة والتطبيقات المتعددة.

وبناء على هذا التحول إلى المجتمع الرقمي، شدد الرئيس التنفيذي لشركة "إن جي" الدولية يعقوب العوضي على أهمية تعزيز الاستثمار في مجال الأمن السيبراني من أجل حماية المؤسسات الحكومية والخاصة وتأمين مشاريع البنية التحتية من أي تهديدات تقنية، لا تواجهها البحرين فقط وإنما العالم كله هدف كبير ومحتمل لقراصنة الإنترنت. ولذلك تكون الحاجة إلى شراكة عالمية، وفي هذا الصدد أضاف العوضي في تصريح له على هامش قمة أمازون في البحرين "لمسنا من شركائنا الدوليين اهتماما واسعا بالسير على خطى شركة أمازون في اتخاذ البحرين مقرا لشركاتهم، لاسيما أن "أمازون" عزمت على افتتاح مركز البيانات الخاص بها مطلع العام القادم، لافتا أن هذا الأمر مهم جدا ليس لشركات التقنية فحسب، وإنما لجميع الشركات الدولية العملاقة من بنوك وشركات نقل وخدمات والتي باتت تعتمد على الحوسبة السحابية في عملها، ومن شأن ذلك دعم جهود مجلس التنمية الاقتصادية في استقطاب المزيد من الاستثمارات التي تساهم في جلب الخبرات والمعارف والتقنيات الجديدة إلى البحرين.

وأشار العوضي إلى أن حجم الاستثمار في هذا النوع من الأمن في منطقة الشرق الأوسط سينمو بمعدل 14.2% سنويا على مدى خمس سنوات مقبلة. فيما نبه المدير بمكتب مجلس الوزراء للخدمة الرقمية الحكومية بالمملكة المتحدة د. كريس فيرغسون إلى ضرورة تعزيز المواجهة الجماعية للتحديات، بدلا عن الدخول في المنافسة غير البناءة، ذاكرا أنه على الحكومات أن تعمل بذكاء في هذا الجانب.

ومع هذا التدفق المعلوماتي الهائل،
يتوقّع خبراء التقنية تضاعف حجم الاستثمارات في تقنيات أمن المعلومات نهاية العام الحالي وذلك بالتزامن مع نمو عدد وحجم الهجمات الفيروسية، وخصوصاً فيروسات الفدية، ولذلك دعا العوضي إلى تسريع الانتقال إلى نظام السحابة الذي من شأنه توفير فرص مهمة للشركات التي تقدم منتجات تضمن أمن البرامج وحماية البنية التحتية القائمة على نظام السحابة، لافتا إلى أهمية تعزيز العمل مع شركات عالمية مشهود لها في تقديم خدمات نوعية في الأمن السيبراني، بما يحمي الشبكات وأنظمة التقنيات التشغيلية ومكوناتها من أجهزة وبرمجيات وما تحتويه من بيانات.

ويتوقع تقرير حديث لشركة «ريبورت بوير»، للأبحاث أن ينمو حجم الاستثمار في سوق الأمن السيبراني في منطقة الشرق الأوسط من 11.38 مليار دولار في عام 2017 ليصل إلى 22.14 مليار دولار بحلول عام 2022، بمعدل نمو سنوي مركب مقداره 14.2%، حيث ستكون هذه الزيادة مدفوعةً بعوامل مختلفة، مثل سعي الحكومات والشركات إلى تقليل مخاطر أمن تقنية المعلومات والتهديدات بما في ذلك البرمجيات الخبيثة وبرمجيات الفدية.



إن الفضاء السيبراني الذي أصبح جزءا حيويا من حياتنا المعاصرة، وما له من دور أساسي في ازدهار اقتصادنا، وتطوير تعليمنا، وتسهيل كثير من الأمور المتعلقة بحياتنا اليومية، ولا يزال يَعِدُنا بكثير من الفوائد والفرص، يتعرض لمخاطر جمة تهدِّد قدرتنا على الاستخدام الآمن لهذا الفضاء الرحب، فبسبب إمكانات الوصول لشبكة الإنترنت غير المحدودة، أتيحت للجهات التخريبية من منظمات وأفراد، ثغرات ونقاط ضعف تمكنهم من الوصول إلى بيانات الأفراد والشركات والجهات الحكومية وتشويهها أو تدميرها أو سرقتها والمساومة عليها. وهذه المخاطر بقدر ما تستوجب تعاونا بين القطاعين العام والخاص، من أجل وضع أنظمة وقوانين متسقة مع القواعد والأنظمة الدولية لتعزيز قدرتها على الحفاظ على الأمن السيبراني، تتيح فرصا واعدة للمستثمرين بهدف ضمان استمرارية عمل النظام المعلوماتي، وحماية سرية البيانات الشخصية وخصوصيتها، واتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية المواطنين والمستهلكين وكافة المؤسسات الاقتصادية من المخاطر في الفضاء السيبراني.