قبل أكثر من سنة وتحديداً في أكتوبر 2017 تنحى السيد مسعود البرزاني عن رئاسة إقليم كردستان، على إثر الاستفتاء الذي أجراه في الإقليم بخصوص انفصال الإقليم واستقلاله عن العراق، متحدياً بذلك تركيا وإيران والحكومة المركزية في بغداد، وعلى الرغم من أن نتيجة الاستفتاء كانت تؤيد وبشكل كاسح توجهه بالانفصال عن العراق وإعلان إقليم كردستان دولة مستقلة، الأمر الذي أسهم في زيادة شعبيته حتى عند مخالفيه «سياسياً» من الأكراد «حزب الاتحاد - جماعة جلال الطلباني»، إلا أن الرجل أعلن تنحيه عن رئاسة الإقليم وعودته إلى صفوف «البشمركة» القوات العسكرية الكردية، بسبب العقوبات التي فرضت عليه من الحكومة المركزية وتركيا وإيران، الرافضتين لقيام أي دولة كردية.

كان بعض المحللين السياسيين يتحدثون في وقتها عن أفول نجم الرجل، لكن في الواقع ما فعله كان إجراء سياسياً يتبعه بعض السياسيين في العالم لا سيما أولئك الذي يعرفون قاعدتهم الشعبية ومحيطهم الإقليمي والدولي ووزنهم داخل ذلك المحيط.

عندما سمعت الخبر قفزت إلى ذهني قصة إيفان الرهيب، عندما صحا سكان موسكو يوم 12 ديسمبر 1564 على منظر مدهش، متمثل بوقوف مئات الزلاجات في ساحة الكرملين لتنقل قيصر روسيا إيفان الرهيب أو إيفان الرابع، مع عائلته إلى قرية جنوب روسيا وإعلانه التخلي عن العرش، لم يكن إيفان زاهداً بالحكم لكنه خسر بعض الحملات العسكرية التي انعكست عليه سلباً في الداخل، والتجار والسياسيون بدؤوا بالتآمر عليه واضطهاد الناس، ففكر القيصر بحل عبقري يقويه ويجعل سلطته مطلقة، وهو التخلي عن السلطة والرحيل، وإرسال بيانين الأول يعلن فيه تخليه عن السلطة بسبب سلوك السياسيين والتجار وتدخلات الكنيسة والبيان الثاني موجه لأهل موسكو يخبرهم أنه عمل لصالحهم وأنه يحبهم، عندما وصلت البيانات كان لها تأثير مروع على الناس الذين فهموا منها أن القيصر تركهم للتجار والنبلاء والكنيسة ليضطهدوهم، فهاج الناس وأضربوا وحملوا التجار والكنيسة مسؤولية تخلي القيصر عن العرش، وما هو إلا شهر واحد والأهالي أخذوا التجار والنبلاء وذهبوا إلى القيصر يرجونه العودة إلى الحكم، وبعد الرفض القاطع وافق بشرط الرجوع بسلطة مطلقة فوافقوا وعاد وسط احتفالات شعبية.

نتيجة الاستفتاء التي أجراها السيد البارزاني كان وقعها وقع الحملات العسكرية الفاشلة التي شنها إيفان الرابع، صحيح أن نتيجتها كانت في صالحه وتعبر عن إرادة شعبه، لكن مع العقوبات ينسى الناس موضوع الاستفتاء وكل ما يتذكرونه تعطل مصالحهم والجوع الذي يهددهم، كذلك هناك حزب الاتحاد المنافس للسيد البرزاني وحزبه واتهامه لهم بالخيانة بشكل مستمر، بالإضافة إلى أن كل المحيط بإقليم كردستان يشن عليه حملات إعلامية وعسكرية واقتصادية، فآثر بعمله الابتعاد عن إشعال فتنة داخلية وأوصل إلى شعبه رسالة مفادها أنه عمل لصالحهم ولتحقيق حلمهم بتأسيس دولة لكن المحيط وقف ضده، لكنه أعلن في الوقت نفسه أنه لن يتنازل عن نتيجة الاستفتاء، كما أنه أرسل رسالة لأمريكا مفادها أنه عائد إلى صديقه الحقيقي وهو الجبل وعليها أن تحمي قواعدها العسكرية الخمسة في كردستان التي لها حدود مع إيران.

انسحب البرزاني من رئاسة الإقليم لكن عملياً أفراد عائلته من الشباب يمسكون بزمام الأمور في الإقليم، ولذلك كنت على يقين أن السيد البرزاني سيظهر من جديد أقوى من ذي قبل.

خلال الأيام القليلة الماضية ومع أزمة إكمال تشكيل الحكومة العراقية وبداية تفرق التكتلات السياسية داخل العراق والتي يمثل بعضها إيران وظهور بوادر أزمة جديدة، ظهر السيد مسعود البرزاني على المشهد السياسي بقوة، والتقى في بغداد بأهم الوجوه السياسية من ضمنها التي بينه وبينها خلاف شديد وكانت زيارته محل ترحاب الجميع، ثم غادر بغداد وزار دولة الإمارات العربية المتحدة والتقى بالشيخ محمد بن زايد.

هذه الأحداث تدل على أن الرجل يمكنه فعل شيء في الأزمة السياسية الحالية، كما أنه شخصية يمكنها الحصول على الدعم السياسي الدولي لما سيتخذ من مواقف داخل العراق، وكل ذلك لا يمكن تصوره مجاناً دون الحصول على مكاسب سياسية كبيرة للأكراد وإقليم كردستان، ربما ستظهر الأيام القادمة عودته بقوة ونفوذ أوسع.