كتب – جعفر الديري: للفنانين التشكيليين مذاهبهم في فهم الكون؛ بعضهم يجد فيه متّسعا للحلم، وآخرين يربطون بين حركات مجراته وأفلاكه وبين النفس وتقلباتها. وغيرهم يتناوله كعنوان من عناوين القدرة الإلهية اللامحدودة. على أننا يمكننا ملاحظة أن أغلب الفنانين حاولوا استيعاب ذواتهم ووجودهم من خلال الكون. فهو باتساعه اللامتناهي؛ يمنح فرصة للنفس للانطلاق إلى آفاق أرحب، باحثة عن بصيص ضوء في عالم مدلهم محدود بالصراعات والشقاء الإنساني. وإذا كان الفنان أحقّ الناس بمعالجة الكون بهذا الشكل، فإن الفنانين الفلسطينيين أحق من غيرهم بهذا الأمر؛ أملاً بالعثور على ملجأ آمن، بسبب ما يشاهدونه يومياً من فظائع تقوم بها آلة الحرب الإسرائيلية. وأحد هؤلاء الفنان الفلسطيني ناصر السومي. افتتح السومي أمس الأول معرضه (صدى الكون) في غاليري البارح. وبحسب تعريف البارح؛ فإن السومي فنان ورسام فلسطيني، يعمل بشكل أساسي في الفن التركيبي. ولديه قدرة إبداعية خلاقة على تحويل المواد العادية إلى تركيب فني متميز. مدفوعاً بحدسه، للتعبير عن مكنوناته من خلال أعماله الفنية، في محاولة لاستيعاب ذاته ووجوده في الكون الفسيح. أما مجموعة (صدى الكون) فهي مستوحاة من الكون وحركته الدائمة، حيث أثبت العلم أن نظرة الإنسان للكون كانت صحيحة، وأننا مرتبطون به كجزء لا يتجزأ منه. وكما يقول الفلكي هيوبرت ريفز “نحن غبار هذا الكون”. تذكرنا التنظيمات اللونية للسومي بإبداعات الفنان الأمريكي بول جاكسون، حيث اللوحات مرسومة بواسطة تنقيط ورش الأصباغ على لوح (جنفاص) كبير. إنها لوحات -كما يشير إلى ذلك الناقد مازن معروف- تشي “بنية مضمرة لدى الفنان في إحاطة هذه “الفوضى” اللونية، بكادر أنيق، هادئ، معافى من الصخب المبثوث في الألوان. إنها صيغ لونية لا تتدرج، بل تتآلف وفقاً لجمالية قاعدتها الكثافة والتكثيف كتقنية يُشدَّد عليها. حيث يحق لنا كمشاهدين للأعمال، أن نطلق مخيلتنا بعيداً عن العنوان الموضوع لكل لوحة، وهذا إن استطعنا بالطبع. فإذ يضع الفنان عنواناً لكل عمل، فإن في ذلك حتمية بأنه يوجه حواسنا وشغفنا باللون لتشكيل مخيلة جماعية متماسكة. ذلك أن الصلة المقامة بين العنوان وكل لوحة على السواء، هي صلة، تتضمن نية الفنان بضبط مخيلة المتلقي والسيطرة عليها، وتسيير هذا المتلقي ضمن مسوغ تخييلي محدد. بالتالي، فإن انفتاح المساحة التشكيلية اللونية أمامنا، لاحتمال مقومي التجريد والتعبير فيها، يعود لينكمش ويتباطأ في مقابله ما يبثه الفنان من رغبة، لتوجيه مسار المخيلة الفردية والتفكر بالعمل، إلى فضاء محدد، معلوم لديه، قصدي، ما يؤتي على بعض الحرية المعطاة للعين أمام الكم اللوني المتناسق أمامها، كما يحد من تشتت طاقة التفاعل بين هذه العين واللوحة”. «إن اللوحة النهائية -والحديث لا يزال للناقد مازن معروف- هي تتابع “منطقي” لحركة زمنية تتطور وتمضي في ضبط كيانها واستقلاليتها. هي حركة زمنية مقرونة بتعديلات، وإضافات، من خلالها تتم زيادة اللون في اللون الآخر، وبها، يتم شد المناخ المتوتر على السطح. من هذا التوتر، نخلص إلى هدوء منساب بدقة، وألق، وفي أحيان أخرى، يكون هذا الهدوء منزلقاً بخفة من تحت ذلك التوتر المنفلت. وهو ما يعزز من كيان كل مساحة على حدة، لأنها تتألق هنا في تناقضاتها. انفلات اللون، يقابله امتداد عمودي لدينامية متواصلة”. ناصر السومي من مواليد فلسطين، 1948م. درس الفنون الجميلة في دمشق وباريس من العام 1976م. وشارك في العديد من المعارض الفردية والجماعية في فلسطين، وفرنسا، والعالم العربي، وأوروبا، ومدن كثيرة حول العالم. وعرضت أعماله في متحف طوكيو، والمتحف الوطني في مدريد، ومعهد العالم العربي في باريس، ومتحف الفن المعاصر في تونس، والصندوق الوطني الفرنسي للفن المعاصر، والمكتبة الوطنية في باريس، ومتحف بغداد الوطني. وحصل السومي على العديد من الجوائز عن أعماله الفنية ومنها الجائزة الأولى في بينالي القاهرة، مصر العام 1996م.