القرار الذي اتخذه وزير التربية والتعليم د. ماجد النعيمي الذي نبارك له تجديد الثقة الملكية بتوزيره من جديد.. قرار ينم عن رؤية متقدمة تأخذ من ردود الفعل والرأي الآخر طريقاً لتقويم المسيرة التعليمية، بل أيضاً تشرك الرأي الآخر في دعم مسيرة التعليم في المملكة، فوقف الواجبات الدراسية في البيت، واقتصارها على وقت الدوام المدرسي الصباحي، أمر صحي يعيد للأطفال طفولتهم الضائعة، ويعطيهم الوقت لممارسة ما يحبون، بدل استهلاك الوقت بين «معلم منهك» صباحاً، و«معلم خاص» يقوم بترقيع ما يمكن ترقيعه.

طفولة أبنائنا كانت تخنق بكم الواجبات، وصارت تشوه بعدم فهم الدرس في المدرسة والاعتماد على مدرس آخر مسائي يسد نقص الصباح، وكل ذلك جعل من أبنائنا بين مطرقة الدرس ورحى التعليم وضياع قيمة التعلم.

فصل دراسي جديد بلا واجبات مسائية، يتبع قراراً سالفاً بمنع المشاريع والأنشطة المكلفة التي كانت تثقل جيوب أولياء الأمور، ويكون مصيرها قمامة المدارس آخر الأسبوع، والشاهد بوجوب التعامل مع هذه المشاكل بهذه الكيفية ليس سوى دليل تلمس فعلي لمواطن الخلل والعمل على حلها بديناميكة مطلوبة وقوة قرار حق الإشادة بهما.

مداخلة سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة حول التعليم وطرح فكرة التعليم المتقدم الذي لا يتجاوز 4 ساعات فقط في أحد أهم المحافل الشبابية التي جمعت المسؤولين والوزراء والشباب تحت سقف واحد ألا وهي قمة الشباب 2018، انتشرت بشكل ملفت خلال الدقائق الأولى، وكانت محط نقاش طويل، وفتحت حوارات اجتماعية على مختلف الأصعدة حول مستوى التعليم الحقيقي الذي نريده أو نطمح إليه، وهو ما يجعلنا أمام حاجة إلى إعادة النظر في الحشو الموجود في كتبنا الذي أفرز عقولاً غير قادرة على التفكير والنقد إذ اعتمدت على إرث تعليمي تلقيني يقوم في قياسه على الأجوبة النموذجية المعدة سلفاً، فعن أي تعليم وعن أي حقيبة مدرسية أثقلت عقول الأبناء وأعوت ظهورهم نتحدث!

الصورة تكتمل برأي أساتذة الجامعة الذين يقفون طويلاً عند طلاب غير قادرين على التفكير والتحليل وإبداء وجهات نظر مختلفة للنص، فكل نص بحاجة لمن يفجره تحليلاً ونقاشاً، فهل حققنا ذلك بأدنى مستوياته لا أعلاها!

وبعيداً عن نظام الجودة ومعاييره التي نسعى لأن نكون رواداً في تعزيز الجودة المستدامة لنرتقي بقطاعي التعليم والتدريب في مملكة البحرين إلى المستوى العالمي كرؤية، وبين واقع جعل من الطاقم التعليمي والإداري أبعد ما يكونون عن الطالب وهو على مقعد الدراسة، ليكونوا أقرب ما يكونوا لما سيملأ به جداولهم وما ستحويه ملفاتهم من بيانات، قد تكون مثالية كحبر على ورق فقط دون التطبيق الفعلي على أرض الواقع، الأمر الذي جعل المدرسة بعيدة كل البعد عن قلب الطالب ووجدانه وأقرب إلى استمارات التقييم التي أصبحت الشغل الشاغل لهم.

بين ما تحويه الأوراق والملفات والمراجعات، وبين شخوص يقفون على رأس المعلم ليربكوا أداءه ويقدمون التوجيه «وعددهم 7 حسب تصريح أحد التربويين في محفل تربوي ما»، هو الذي قلل من ثقة المعلم في أدائه، فبدل من أن يقدم المعلومة ببساطة وبطريقة جذابة تناسب الأطفال على مقاعدهم الخشبية وبما يدلل على مراعاته لاختلافاتهم وقدراتهم، أصبح يفكر في وسيلة إبهار يبهر بها مقيميه - كل حسب مزاجه - مع الأسف الشديد.

واقع الحال يجعلنا أمام مثلث المعضلة بين مدراء يدركون موقع العلة ولكنهم لا يستطيعون التصريح بها وعلاجها، وبين معلمين أصبحت لديهم مهام ومسؤوليات يعتبر الطالب آخر من في هذه القائمة، وبين طلبة يرغمون كرهاً كل صباح على الذهاب للمدرسة، بدلاً من الشغف والحب الذي نريده أن يكون.

وبعد كل ذلك نقول حان الوقت لأن يتنفس الصغار، حان الوقت لأن يقضوا وقتا حميمياً في البيت، وأن يقضوا أوقاتاً في أنشطة ليس لها علاقة بالمدرسة وأجواء التعليم، فالرياضة والهواية والرسم كلها خيارات متاحة الآن، وعلى المؤسسات الأهلية من مراكز اجتماعية وجمعيات وأندية استغلال هذه الفرصة السانحة لإنعاش المجتمع المحلي بزخم من البرامج النوعية لتستهدف كل الطلاب، وأؤكد «كل الطلاب»، فالأطفال لديهم الحق في الترفيه وعلى الجميع العمل من أجل توفير هذا الحق الذي يدرس لهم في كتب المواطنة، ليسهم الجميع في إنجاح مهمة صناعة الإبداع والموهبة.

إن كان التعليم يرتكز على تحسين حياة الناس وتحقيق التنمية المستدامة، حسب الأهداف الأممية، فعلى المجتمعات المحلية التزود بالأدوات اللازمة لتطوير حلول مبتكرة لقضاياها. وأختم بطرح أن هناك 617 مليوناً من الشباب ممن يفتقرون إلى المهارات الأساسية في الحساب والقراءة والكتابة عالمياً، فأين موضع أقدامنا في هذا العالم؟ وأين نريد أن نكون مستقبلاً؟