كتب كثيرون من أصحاب الرأي في مصر والبحرين وغيرهما من الدول مقالات حول الذكرى المئوية لميلاد الرئيس الأسبق محمد أنور السادات الذي ولد في 25 ديسمبر 1920 وحظي عبر السنين بوجهات نظر مختلفة من القطاعات العديدة في المجتمع المصري والعربي بل والدولي وبخاصة نتيجة مبادرتين قام بهما وهي حرب أكتوبر1973، في العاشر من رمضان، ثم مبادرة زيارة القدس في 19 نوفمبر 1977 سعياً للبحث عن السلام.

وكباحث مصري عاش تلك الفترة المظلمة منذ 1967 حتى 1973 عندما تحقق نصر أكتوبر «العاشر من رمضان»، ثم بوادر الانفتاح والعقلانية بمبادرة القدس. ولا أفشي سراً أنني صدمت من زيارة الرئيس السادات للقدس وكنت أثناء الحدث في لندن لدى أحد أصدقائي الفلسطينيين وشعرت بالحزن والأسف خجلاً من تلك المبادرة. وعندما عدت لموقع عملي في النرويج حيث كنت دبلوماسياً مصرياً أعدت التفكير في الأمر ووجدت أنه ليس هناك أحسن من ذلك، وخلصت إلى أن السادات صاحب رؤية استراتيجية منها ما هو صادق وممتاز وقليل منها تشوبه الشوائب، وبعد دراسة متأنية خلصت إلى أن قراري الحرب والسلام في خانة القرارات الصائبة، بينما قرارات الانفتاح الاقتصادي، كانت نصف صائبة، بالتوجه للرأسمالية المتوحشة، وكذلك قرار الارتماء في حضن جماعات إسلامية أطلق الجني من عقاله فأدى لبروز جماعات متطرفة إسلامية ومسيحية وزاد من التصادم بين الاثنين وهما عنصرا الأمة المصرية اللذان تعايشا عبر العصور معاً. وحقاً كانت ثورة 1919 نموذجاً للوحدة الوطنية عندما رفعت شعار «الدين لله والوطن للجميع»، وعندما خطب القساوسة في المساجد وخطب الشيوخ في الكنائس، وعندما رفع شعار تعانق الهلال والصليب، وكان سعد زغلول هو قائد الوفد المصري في ثورة 1919، ومكرم عبيد أصبح نائب رئيس حزب الوفد. وهكذا برزت الهوية المصرية الواحدة والمتماسكة.

أما قرار السادات بالإفراج عن الجني فكان قراراً غير صائب وساعد في انطلاق التطرف والتعصب في مصر، والذي أدى لمقتل السادات نفسه بيد أحد المتطرفين في يوم الاحتفال بنصر أكتوبر المجيد. ومصر هي الوطن الذي عرف بالسلام والتسامح والوئام عبر العصور منذ دخول الإسلام الذي هو دين التسامح. أما المسيحية فهي دين المحبة كما أن السيد المسيح عليه السلام «الذي نحتفل بذكرى ميلاده في هذه الأيام وهي الخامس والعشرين من ديسمبر وأيضاً في السابع من يناير لاختلاف حساب التقويم القبطي عن التقويم الميلادي الروماني، نقول إن السيد المسيح عيسى عليه السلام، جاء لمصر مع أمه السيدة العذراء مريم، وعاش فيها وبارك أرضها. كما أن النبي محمد عليه الصلاة السلام ارتبط بمصر فالسيدة هاجر أم إسماعيل جد النبي محمد مصرية والسيدة ماريا القبطية تزوجها الرسول وأنجب منها ولده الوحيد إبراهيم، الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى وهو طفل صغير. ولعل لذلك حكمة من الله سبحانه وتعالى ولكن بعض المسلمين بعد ذلك لم يفهموا مغزى هذه الحكمة وتصارعوا على السلطة بصورة غير سليمة. وهذا أشد ما يؤلم كثيراً من المسلمين العقلانيين. وحقاً كتب أحد الأكاديميين المصريين وهو د.علي الدين هلال مقالاً بجريدة الأهرام في أوائل ديسمبر 2018 عن ضرورة التفرقة بين تاريخ المسلمين وبين تاريخ الإسلام، وإن مصطلح تاريخ الإسلام ليس دقيقاً، والصحيح أنه تاريخ المسلمين، وشتان بين المصطلحين، كما أنني في كتابي المعنون «الإسلام والمسلمون في القرن الحادي والعشرين: التحديات والاستجابات»، المنشور من المكتبة المصرية اللبنانية بالقاهرة عام 2007، تناولت فيه تفصيلاً كيف أساء المسلمون أو بعضهم للإسلام وخرجوا عن قيمه الصحيحة ونظرته للأديان الأخرى، وفهموا خطأ نقد القرآن لسلوك بعض معتنقي الأديان والصحيح أنه ليس نقداً للمسيحية أو اليهودية أو غيرها وإنما نقد لسلوك بعض أتباع تلك الديانات، وهو سلوك سار عليه بعض المسلمين بالابتعاد عن صحيح الدين، وهذا يفسر لنا الصراع الذي عاشه تاريخ المسلمين وتاريخ المسيحيين وكلاهما حمل شعاراً دينياً. وللحديث بقية.

* مستشار رئيس مجلس أمناء مركز «دراسات»