^ الحقيقة أنَّ الحاصل في البحرين والأخبار التي نسمعها والمشاهد التي نراها لحظة بلحظة أمر مهول .. رجال الأمن يُحرقون ويُستهدفون بغرض القتل بكل وسيلة ممكنة، حتى باستدراجهم وإغراقهم في البحر .. والتحدي اليومي لمشاعر الناس وتقصّد إيذائهم ..لا الثورات العربية ولا أيّ صراع معاصر استهدف فيه الأمن ورجاله بهذه الطريقة.. صار عادياً أنْ تسمع كل يوم عن منزل احترق بمولوتوف طائش، أو سيارة أو نقل عام .. وعادي جداً أنْ يمر اليوم بسلسلة من أنباء الإعفاءات والطعون في الأحكام، وتغيّب متهمين وتأجيل في محاكمات ينتظر منها أنْ تضع النقاط على الحروف، وتقول لنا بصراحة هل هناك قانون في هذا البلد أم لا؟ اللغة التي تدور بها السجالات الآن لا تتناسب مع معارفنا السابقة، لكن الناس يتعلّمون بسرعة ولا أظن الشعب البحريني يريد أو سيسمح مرة أخرى، بأنْ يجد نفسه فجأة وسط عالم لا يعترف به، لا حكومته ولا المنظومة الدولية .. أزمة العام الماضي واستمرار سياسة فرض الرأي والإقصاء قد آتت أكلها، وشرع كل فرد بطرح تساؤل: لماذا أنا غير مرئي؟ وكيف يدار حوار حول مستقبل بلدي وأنا خارج المعادلة .. ولماذا يملك غيري حصانة لا أملكها .. وتلك التساؤلات مشروعة وهي تعد طفرة مسبوقة في الوعي العام .. كنا نعلم أنَّ هناك معاملة خاصة، لكن لم نكن نتصور مداها .. وكنا نتصور تراجع سطوة القانون لكن ليس لهذا الحد .. اسأل اليوم أيّ طفل سيجيبك عن قوة الإعلام، والفرق بين من له صوت عالي ومن يتمتم بخجل، ثم يتراجع وينزوي ومن يصمت..وكلنا نعلم لماذا يحمل حقوقيون بحرينيون جنسيات أجنبية..ولم يدهشنا عندما طالبت الدنمارك بأحد رعاياها الذين أدانهم القضاء..فهذا من ضمن الغرائب التي اعتدناها في هذا البلد..نعلم تماماً ما تضفيه الجنسية الأوروبية أو الأمريكية من حصانة لحاملها..ونعلم كلنا أن قمة الحصانة ضد أي مساءلة تأتي مع العمل بمجال حقوق الإنسان، حتى لو كان مسيساً مؤدلجاً يخلق لبعض الناس حقوقاً ويجرِّد آخرين منها..ونعلم أنَّ خبرة وعضوية في منظمة حقوقية معروفة تجعلك أقوى من أنْ تمس حتى لو كنت تسقط النظام صبح مساء. ثم تأتي تكتيكات إحراج الخصوم كالإضراب عن الطعام التي قد تجعلك ببساطة فوق القانون، وإنْ لم يكن فعلى الأقل لديك عامل ضغط تتفوق به على مواطنك، الذي لا يحمل المولوتوف وليس بحقوقي ولا مزدوج الجنسية، ولا يتقن التحايل لتحقيق أغراضه ولو جاع عاماً، فلن يجد من يروِّج له في وكالات الأنباء والقنوات والصحف، وأروقة المنظمات الدولية، الوصفة المضبوطة لتكون مصفحاً ضد أنْ تكون مواطناً عادياً يحاسب إذا أخطأ هو أنْ تعارض فتلجأ سياسياً فتنال جنسية في الغرب، فتصبح حقوقياً فتفتح لك أبواب الإعلام ومكاتب المسؤولين وغرف الاجتماعات، وتعرض كل قضاياك وتحصد الجوائز وتوعد بالمناصب، الموضوع ليس سهلاً لكن يستحق العناء ..