مثلت كلمة البحرين أمام اجتماعات الدورة الـ69 للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي ألقاها معالي وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة في نهاية سبتمبر الماضي، تأكيدًا جديدًا من جانب المملكة على التزامها بثوابتها في دعم العمل الدولي من أجل الاستقرار والسلم والأمن والتنمية وحماية حقوق الإنسان.
وقد اهتمت المملكة من خلال كلمتها بإيضاح توجهاتها ورؤيتها في القضايا المختلفة، المحلية منها والإقليمية والدولية، حيث أبرزت خطواتها الإصلاحية التي انطلقت من المشروع الديمقراطي لجلالة الملك المفدى، والتزامها الراسخ بمواصلة مسيرة التنمية الحقيقية، وجهودها لإرساء دعائم سيادة القانون والتعددية والمشاركة السياسية الفعالة، والسبل المناسبة لمواجهة التحديات التي تتعرض لها المنطقة والعالم وتفرض العمل سويا من أجل مجابهتها.
وتكشف القراءة المعمقة للكلمة عن عدة أمور جوهرية، أولها: أولوية المواطن البحريني وتحقيق رفاهيته في رؤية ومدركات القيادة الرشيدة، وهو ما ظهر جليا في ثنايا خطاب معالي وزير الخارجية، الذي أبرز جهود البحرين لتحافظ على مكانتها المصنفة في قائمة الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة جداً، واحتلالها مقدمة الدول العربية في مؤشرات التنمية البشرية، وليس أدل على ذلك من نجاحها في التحقيق المبكر للأهداف الإنمائية للألفية التي حددتها الأمم المتحدة، واستعدادها للاستراتيجيات والخطط المرسومة لما بعد عام 2015.
وتبدو أهمية هذا الأمر بالنظر إلى أن شعار اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لهذا العام كان "إنجاز وتنفيذ خطة تنمية تحويلية لما بعد 2015"، وهو ما يحمل رسالة مهمة للمجتمع الدولي بإنجاز المملكة لتعهداتها في هذا الصدد، وربط هذا الإنجاز المحقق والمعلن للعالم أجمع بنجاح الخطط الإصلاحية لجلالة الملك المفدى الذي اعتمد استراتيجية واضحة للنمو والتقدم شملت كل المجالات، السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما انعكس على أداء كافة القطاعات، حيث لا يخفى هنا هذا الارتباط الوثيق بين رؤوس مثلث التنمية الثلاثة، حيث رعاية المملكة لمواطنيها واهتمامها بكل من يعيش على أرضها تفرقة أو تمييز وصعود المؤشرات التنموية واستمرارية ونجاح التجربة الديمقراطية الوطنية التي حظيت بإشادة وثناء وتقدير من جانب قوى المجتمع الدولي.
ثانيها: حرص البحرين على مشاركة المجتمع الدولي والتزامها الصريح والواضح للتصدي للتحديات التي تواجهه، خاصة بعد الظهور المتزايد للجماعات الإرهابية، ولعل هذا الدور الكبير للمملكة في محاربة الإرهاب والتطرف يؤكد على مدى رغبة المملكة في تعزيز الأمن والسلم الدوليين كركيزتين أساسيتين للنمو والنهضة وتقدم الحضارة البشرية، وهي مبادئ آمنت بها وكرستها البحرين على مدى تاريخها الحافل، ولعل دعوتها واستضافتها لمؤتمر دولي ينتظر عقده في الأسبوع الأول من نوفمبر القادم لتجفيف منابع ومصادر تمويل الإرهاب، دليل على ذلك.
كما يشار إلى أن البحرين لم تدخر وسعا ولم تجد وسيلة إلا وتبنتها لتأكيد حرصها على مجابهة مهددات الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي بالتعاون مع أطراف وقوى المجتمع الدولي، ويلاحظ مشاركتها الفعلية في عمليات المواجهة للتنظيمات الإرهابية، وترحيبها بقرار مجلس الأمن 2178 الذي يحد من تجنيد المقاتلين الأجانب، وجهودها لمحاربة الفكر المتطرف نفسه بالاستعانة برجال الدين والعلماء والمراكز والمؤسسات الدينية، فضلا عن مساعيها لإيقاف تمويل الجماعات الإرهابية وتجميد مصادرها المالية.
ثالثها: رؤية البحرين وإدراكها لمخاطر التهديدات السياسية، التقليدية منها والمستحدثة، وضرورة العمل على إزالة مسبباتها وبواعثها باعتبارها من أهم العوامل التي تؤجج الحروب والصراعات، ناهيك عن أنها أحد أسباب انتشار أفكار التطرف وعمليات الإرهاب، وهو ما يفسر رفض البحرين الصريح في ثنايا كلمتها أمام هذا المحفل الدولي الذي يحظى باهتمام وحضور كبير لما سمته الأطماع السياسية والسعي نحو الهيمنة وبسط النفوذ وعدم احترام سيادة الدول والتدخل في شؤونها الداخلية من خلال تصدير ثورات الفتنة والفوضى وتدريب الإرهابيين، كما يفسر موقفها الرافض لكل ما من شأنه أن يثير الضغائن والكراهية بين الشعوب، في إشارة للاحتلال غير المشروع لأراضي الدول الأخرىإن تأكيد البحرين على لسان كبير دبلوماسييها معالي وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة ، على ضرورة الوعي بمخاطر التهديدات السياسية التي يأن منها عالمنا المعاصر لدليل على إدراكها الحصيف بخطورة انعكاس مثل هذه المهددات على المجتمع الدولي بأسره من خلال العديد من مظاهر التوتر، وقد حاولت المملكة أن تشير إلى المعاناة التي تعانيها بعض دول المنطقة والعالم وكيفية الخروج من أزماتها بدون تدخل خارجي، كما أبرزت مواقفها الثابتة من إخلاء الشرق الأوسط، بما فيه منطقة الخليج العربي، من أسلحة الدمار الشامل وبخاصة السلاح النووي، كما أبدت انزعاجها من قضايا تغير المناخ، وانتشار الأمراض، وتفاقم مشكلات اللاجئين، وغيرها، مؤيدة دعوة الأمين العام لضرورة التوصل إلى اتفاقية عالمية حول المناخ في مؤتمري ليما وباريس القادمين، ودعم صندوق المناخ الأخضر للتخفيف من آثار تغير المناخ.
إن هذه الرؤية العميقة التي قدمتها مملكة البحرين لمشاكل المنطقة والعالم وكيفية معالجتها سعيًا لترسيخ الاستقرار في المنطقة يؤكد الدور الدولي المهم لمملكة البحرين كمملكة تسعى دائمًا إلى الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم ولا تتوانى عن مشاركة المنظمات الإقليمية وعلى رأسها مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والمجتمع الدولي وعلى رأسه الأمم المتحدة في تحقيق ذلك.
إنها رسالة البحرين إلى العالم ونتمنى أن يستمع إليها الجميع لتدارك المخاطر وتفادي الأزمات التي تلوح في الأفق والعمل على تحقيق التنمية المستدامة من أجل حاضر ومستقبل البشرية