لعل أكبر تحدٍّ تواجهه دول الخليج هو تنمية الاقتصاد وتفعيل الإنتاج والابتعاد عن النفط كمصدر دخل رئيس. ولا تتم هذه العملية بتركيبة سوق غير صحية فرضتها ظروف الطفرة النفطية بحيث جعلت المواطنين يتكدسون في المكاتب الحكومية ويبتعدون عن الإنتاجية الفعلية وفي المقابل الأجنبي يعمل في القطاع الخاص ويكتسب المهارات وينتج.

وقد شرعت البحرين في تطبيق نظام الفيزا المرنة وقبلها ألغت نظام الكفيل وفتحت المجال للأجانب في التنقل بحرية في سوق العمل وجانب من التصريحات الرسمية كان يظهر الهدف من هذه الخطوة هو تصحيح لأوضاع سوق العمل بسبب وجود عمالة عددها كبير مخالفة للأنظمة أو ما يسمى بالعمالة السائبة، لكن وحسب باحثين اقتصاديين تعتبر هذه الخطوة أساسية في تنمية المعرفة المنتجة.

والمقصود بالمعرفة المنتجة هي المهارات العملية التي تجعل المرء مفيداً في سوق العمل وهي تختلف عن المعرفة الظاهرية التي يكتسبها الإنسان من خلال التعليم التقليدي. حيث وجد الباحثون أن تنقل العامل الأجنبي من موقع عمل إلى آخر يساهم في نشر المعرفة المنتجة وتجعله يساهم في نجاح أكثر من مؤسسة في القطاع الخاص بدلاً من أن يساهم في نجاح مؤسسة واحدة نتيجة نظام الكفيل الذي لا يسمح للعامل بالانتقال إلى رب عمل آخر إلا بشروط صعبة.

وجاء هذا الاستنتاج بعد أن ظهر جلياً أن العامل الأجنبي يملك معرفة تجعله قادراً على الإنتاج.

وصحيح أن السواد الأعظم من هذه العمالة يأتون بدون خبرة أو مهارة لكنهم يكتسبونها من خلال انغماسهم في الأعمال اليدوية الصعبة من نجارة وسباكة وصناعة وتصليح سيارات وغيرها وبعض الأعمال النوعية مثل البرمجة والهندسة الدقيقة والتي لا يقبل عليها المواطن في دول الخليج.

فمع السماح للأجنبي الموجود حالياً للتنقل بحرية يفترض أن ذلك سيساهم في نشر خبراته ومهاراته في السوق ولكن على أن يصاحب ذلك تضييق في جلب العمالة من الخارج وعدم إغراق السوق بها وكذلك دفع المواطن إلى الانخراط في الأعمال التي كان يتجنبها بحيث يستفيد من الأجانب الذين يمارسونها «إذا أعطوه المجال طبعاً».

ومن الجدير بالذكر أنه على الرغم من شبه زوال الأمية في الخليج إلا أن ذلك لم ينعكس على مستوى القدرة على الإنتاج لدى المواطن الخليجي. المليارات التي صرفت على التعليم والبعثات الداخلية والخارجية نجحت في رفع مستوى المعرفة الظاهرة كحفظ المعلومات وفهم النظريات وإعادة تدويرها ولكنها أخفقت في تطوير المعرفة المنتجة.

ويذكر الباحث عصام الزامل في بحثه «تأثير العمالة الوافدة في الاقتصاد السعودي»، أن «تنمية المعرفة المنتجة وبالتالي نمو الاقتصاد، مرتبط أكثر بالممارسة وليس بالتعليم التقليدي» ويثبت ذلك من خلال عدة أمثلة، أبرزها تجربة بنغلاديش في إرسال 126 متدرباً إلى كوريا الجنوبية لتعلم طريقة صنع الملابس في 1980 والذين أصبحوا فيما بعد «شرارة» لصناعة المنسوجات والملابس الجاهزة وقادوا تأسيس مصانع وصل عددها إلى 4000 مصنع بحيث ساهموا في رفع دخل الفرد عشرات الأضعاف.

ويربط الباحث أيضاً بين المعرفة المنتجة وريادة الأعمال معللاً أسباب ضعفها في الخليج على الرغم من البرامج التحفيزية السخية بنفس السبب مبيناً أن «هناك علاقة مباشرة بين ارتفاع فرص نجاح رائد الأعمال وبين خبراته السابقة المرتبطة بالمنشأة التي يرغب في تأسيسها. فكما أن المعرفة المنتجة لا تكتسب إلا من خلال العمل في القطاع الخاص، فإن المعرفة المطلوبة لريادة الأعمال لا يمكن اكتسابها إلا من خلال العمل في القطاع الخاص أيضاً».

وطالما القطاع الخاص في الكثير من مواقعه التي تحتاج إلى مهنية عالية وخبرة متراكمة حكر على الأجنبي وبعيد عن المواطن، فأصبح من الضرورة لتصحيح الوضع السائد القيام بالإجراءات التي قامت بها البحرين وأولها إلغاء نظام الكفيل.

قد تكون المعادلة مقلوبة للوهلة الأولى، لكن إذا نجحت نظريات الباحثين فقد نرى -مرة أخرى- نجاراً أو حداداً بحرينياً في المستقبل القريب.