^ إن المناقشة الحامية التي اشتعلت في مجلس النواب بخصوص موضوع ربيع الثقافة ما كان يمكن لها أن تسلك هذا المنحى المقيت لو أن ثقافة التعددية واحترام الذائقة الجمالية للآخر تسود حالياً في مجتمعنا البحريني بنفس القوّة التي كانت عليها قبل أعوام قليلةٍ، حيث كان شعار “الدين لله والوطن للجميع” عاملاً فاعلاً ومؤثِّراً في توطيد اللحمة الشعبية والوحدة الوطنية. أعتقد أنه قد آن الأوان اليوم لكي يقتنع البعض بأن بلدنا يمتاز بتعدد الثقافات والأعراق والمذاهب والأذواق، وإذا كانت تلك الفعالية الثقافية لا تعجب هذا الشخص أو الجماعة فمن غير العدل أو اللياقة الدعوة لمقاطعتها وليس لأحد الحق في التشهير بها، فمعتقدات الفرد شأن داخلي خاص به لوحده، وليس من حق أحد أن ينصب نفسه قيِّماً على الذائقة الجمالية للناس. أما محاولات إقحام المفردات والشعارات المبتذلة عنوةً في أثناء تقييم النشاط الثقافي بهدف تحجيمه فهي أيضاً مرفوضة، فتقرير ما إذا كان مضمون فعالية ثقافية معينة يتعارض مع القيم والعادات المجتمعية يجب أن يكون بيد الأفراد المختّصين الذين أُوكلت لهم مهمة الرقابة على المصنّفات والأعمال الفنية، هذا طبعاً في حالة وجود شكوى جديّة من الجمهور المشاهد بهذا الخصوص، ففي مثل هذه الحالة يتم دراسة الشكوى بتأنٍ، وإحالتها إلى لجنة من النقاد الفنيين المتمرسين للبتّ بشأنها، ورفع توصياتهم للجهات المسؤولة كي تتخذ القرار المناسب بشأنها. إن المشكلة التي نعاني منها اليوم، على ما أتصوّر، هو سعي البعض المحموم للتدخل والإفتاء في أيِّ مجال، بصرف النظر عن مدى إلمامه به أو تعاطيه معه على الصعيد اليومي أو المهني، فهذا يقدِّم دروساً للناس في السياسة رغم أن درايته بدهاليز السياسة ودروبها الخفيّة تعتبر سطحيةً في أحسن الأحوال؛ وذاك يدعِّي الإحاطة بالمسائل الاقتصادية المعقّدة رغم أن استيعابه للمفاهيم الاقتصادية والعلاقات القائمة بينها لا يزال دون المستوى المطلوب؛ وثالث يزعم قدرته على تقييم الأعمال الثقافية والفنية رغم قلة خبرته في هذا المجال، وضعف الثقافة العامة لديه، والسبب في ذلك كله يكمن، برأيي، في أن البعض لا يحترم مادة اختصاصه، ويعتبر نفسه فطحلاً في كل شاردةٍ وواردةٍ، لذا يبادر طوعياً بتقديم “ المشورة “، وهناك للأسف من يستمع إليه!