كتب - علي الشرقاوي:
ليست القاهرة مدينة.. إنها أم المدن، ليست القاهرة مباني وعمارات وفنادق كبيرة، إنها الناس، الحركة، الثقافة، الصحافة، الأوبرا، المسرح، الموسيقى، القاهرة أكثر من ذلك، إنها الروح التي لا تتوقف عن الإبداع ومواصلة الحلم الإنساني.
لهذه القاهرة، لصوت الناس نزلنا كما تنزل الطيور العاشقة، النوارس البحرينية التي جاءت من شرم الشيخ لنحيا في أحياء القاهرة بعض الوقت وتعود لأعشاشها مزودة بالفرح الطفلي المصري الطازج مثل طزاجة الحياة وسخونة الخبز البلدي.
الشقة تنتظر
خرجنا من المطار، نزلنا حيث سيارات التاكسي، قام الرويعي بالاتفاق مع أحد السواق ـ ليأخذنا إلى العجوزة، ومن ثم إلى برج الشرطة، صعدنا إلى البرج كما تصعد الفرحة إلى أعلى الرأس، وهو في الواقع عمارة قد سكناها أكثر من مرة بسبب موقعها المناسب، والإمكان التي فيها وباستطاعتنا أن نشاهد شيئاً من النيل من الشرفات التي تطل عليه.
ولأن الشقة المرغوبة لم تكن متوفرة لهذا اليوم، جلسنا في شقة أخرى مؤقتة، إلى أن يخرج المستأجر من الشقة التي اتفقنا عليها، وافقنا نحن الأربعة على ذلك وتركنا أغراضنا كما هي حتى لا نعاود ترتيبها، بعد أن أخرجنا منها ما نحتاجه لليلة واحدة.ثم خرجنا للعشاء.
أين مكتبات الأرصفة؟
في ميدان طلعت حرب نزلنا، وكان همي أن أمر على مكتبة مدبولي، وبالذات الكتب الموجودة على الرصيف، لأنه من الممكن قراءة العناوين مباشرة، والتعرف على شيء من الكتب عبر الغلاف الخلفي، كان المكان أمام مكتبة مدبولي نظيفاً، بحثت بعيني على الأرصفة الأخرى، لم أجد المكتبات التي كنت أمر عليها في السنوات السابقة، أين ذهبت مكتبات الأرصفة التي كنت أحب التعامل معها أكثر من دخول المكتبات التي تضع كتبها في الرفوف الزجاجية البعيدة عن اللمس.
ومن طبيعتي الخاصة، والتي لا أعرف لها سبباً مقنعاً للآخرين، هو أن ألمس الكتاب وأشمه قبل القراءة. اعتبرت هذا فالاً سيئاً بالنسبة لي، بعدها دخلنا مطعم فلفلة.
الأصدقاء متوفرون كالهواء
لأنني أفصحت عن زيارتي للقاهرة في صفحتي في الفيسبوك، اتصل بي بعض الأصدقاء المصريين. في مساء اليوم الأول اتصل بي الصديق الشاعر محمود شرف، والذي أعرفه منذ كان صغيراً، نتيجة لعلاقة الصداقة التي تربطني بوالده المرحوم الشاعر عبدالله السيد، وهو المصري الوحيد الذي استقبلني في بيته، وقد بت عدة ليال معه في قرية صناديد، ولعدة مرات، وقد أقول إنه البيت المصري الوحيد الذي أعرف الطريق إليه دون دليل، بسبب الزيارات التي أقوم بها للقاهرة. وفيه تعرفت على العديد من الشعراء المصريين الذين كانوا يزورن الشاعر عبدالله، لهذا أعتبر محمود وأحمد أبنائه هم بمثابة أبنائي.
محمود دعاني ومن معي إلى وجبة غذاء، إلا أن الانشغالات، منعتنا عن هذه الدعوة، وقد أخبرني محمود عن رغبته في استضافتي في برنامجه التلفزيوني «دفاتر قديمة» والذي يعرض في الساعة السادسة والنصف من كل ثلاثاء، فوافقت لأنني لا أستطيع أن أرد طلب صديقي وابن صديقي في أي أمر من الأمور، رغم قرارنا الجماعي أن نزور القاهرة بصمت.
حديقة الفندق
عن طريق رسائل الفسيبوك اتصلت بي الصديقة الشاعرة والصحافية سارة علام شلتوت، وقد التقيت بها أكثر من مرة في البحرين، وزارتني في مكتبة نون وشاركت في إحدى الأمسيات التي أقيمت في البحرين في شهر مارس 2014، ولأنني لا أريد أن أغلبها في البحث عن العمارة التي نسكن فيها، اتفقت معها على أن نلتقي بعد قرار الشباب الذين معي في حديقة فندق ماريوت.
رغم سكني ومروري كثيراً على فندق ماريوت، إلا أنني فوجئت بهذه الحديقة الجميلة، فكل زياراتي السابقة للقاهرة، كنت أتعامل مع المقاهي الشعبية، وليس مع مقاهي الفنادق.
جاءت الشاعرة سارة ومعها الكثير من الأحاديث الشيقة، والتي تعرفنا من خلالها على الكثير من المواضيع الغامضة الغائبة عنا، بعدها خرجنا معها للطريق، في حي الزمالك، لتغيير العملة، وهناك توقفت أمام إحدى متاجر بيع النظارات، دخلت المتجر وطلبت من البائع، إن كانت هناك خيوط للنظارات، أجابني بالإيجاب، طلبت خيطاً، وحينما سألته عن المبلغ، قال خذه مجاناً، استغربت من هذا، قال خذه هل يعقل هذا، تعبت أقدامي وأنا أفتش في شرم الشيخ عن هذا الخيط، وهنا أحصل عليه مجاناً. شكرت البائع على كرمه، ومازال الخيط في النظارة يشهد على هذا الكرم. ودعنا الشاعرة ساره شلتوت التي أصرت على عزيمتنا على أكلة مصرية في ظهرية اليوم القادم، وافقت على ذلك.
هل تصلح القاهرة دون زيارة الحسين؟
أكثر من مرة زرنا الحسين، لكن المرة الأخيرة كانت عبر المرور إلى حي الجمالية، فقد نزلنا قرب الحسين، ثم دلفنا إلى طريق آخر، ودخلنا حي الجمالية، الذي أبهرني شخصياً بنظافته، وحي الجمالية كما كتب الكثيرون هو حي يتمتع بشهرة تاريخية وعالمية لأنه يعتبر مجمع تراث القاهرة منذ بنائها. فيه الأزهر، وجامع الحاكم بأمر الله، والجامع الأقمر وغيرها، وفيه أسوار القاهرة، وبواباتها، والمدارس الأيوبية والمملوكية، وخان الخليلي، والصاغة، والنحاسين.
يقال إن التسمية نسبة للأمير « جمال الدين محمود الاستادار «من عهد المماليك البرجيه بعد ما بني في الحي مدرسة سنة 1409 وكانت من أعظم مدارس القاهرة. مساحة هذا الحي العريق تقريباً 2.5% من مساحة القاهرة الحالية. يحده من الشرق جبل المقطم الذي كان فوقه قلعة الجبل مقر إقامة وحكم سلاطين مصر، ومن الشمال حي الحسينية والظاهر، ومن الغرب أحياء باب الشعرية والموسكي، ومن الجنوب حي الدرب الأحمر.
يضم حي الجمالية 18 شياخة أهمها شياخة الجمالية وبرقوق وقايتباى والبندقدار ماسبيرو، والماسبيرو أو مؤسسة التلفزيون، كنت قد زرته في الثمانينات مع الفنان البحريني الكبير خالد الشيخ، حينما كان يسجل إحدى أغانيه، والآن أزوره كضيف على برنامج يعده ويقدمه صديقي الشاعر الشاب محمود شرف، ولأن الأصدقاء الذين معي خالد الرويعي وخليل الرميثي وأحمد المريخي، يتصورون أنني ربما أتوه في الطريق، أصروا على أن يكونوا معي، أوصلوني إلى مبنى التلفزيون، وقالوا إنهم سينتظرونني في حديقة فندق ماريوت، وكان محمود طلب مني أن أحضر جوازي وصورة منه للاستعلامات وقد أخبرهم بحضوري في الوقت.
في الرابعة كنت داخل مبني التلفزيون أنتظر صديقي محمود. جاء محمود وأخبرني أنه ستكون هناك حلقتان، حلقة تعرض مباشرة في الساعة السادسة والنصف، وفي الوقت الذي تعرض فيه الحلقة، نواصل اللقاء للحلقة الثانية، فقد كان هو على موعد سفر في صباح اليوم التالي لحضور أحد المهرجانات الشعرية العالمية.
بيت الشاعر
في الواقع ونحن نتحرك في حي الجمالية استوقفني بيت الشاعر، فاقتربت منه لأصور تحته، فأن يكون للشاعر بيت، فهذا هو قمة ما يطمح إليه الشاعر، والبيت هنا يحمل أكثر من معنى، بيت السكن وبيت القصيدة وبيت الحياة. وعرفت بعد ذلك بعض المعلومات التي تمنح البيت مكانته في القلب منها. ففي قلب القاهرة الفاطمية، وفي شارع المعز لدين الله الفا طمي، أحد أجمل شوارع مصر القديمة، يقع «بيت الشاعر».. أحد أهم المراكز الثقافية البارزة، ليس على مستوى مصر فحسب، بل ربما على المستويين العربي والعالمي أيضاً، نظراً لأنشطته المتعددة وموقعه المتميز. خصوصاً وأنه يمثل تراثاً حقيقياً تشعر فيه بأجواء الحارة المصرية القديمة، ويطل على مسجد السلطان قلاوون، ويحيط به «بيت القاضي» حيث ولد الأديب الكبير نجيب محفوظ.
افتتح البيت في بداية العام الحالي، وهو ملك خاص للإعلامي والشاعر جمال الشاعر، الذي أسسه على نفقته الخاصة، وأطلق عليه هذا الاسم لأن الشعر هو أساس الخيال والتأمل في جميع إبداعات الحياة، ثم إنه اختار هذا المكان، بالتحديد، في شارع المعز لدين الله، لأنه يحمل له ذكريات خاصة. ففي هذا الشارع صور كثيراً من الحلقات التلفزيونية على مدار 25 سنة، حتى صار واحداً من أهله، بالتالي، قرر أن ينشئ فيه مؤسسة ثقافية مفتوحة للجميع، وجاء فتح «البيت» بعد سنتين من التفاوض على شرائه وتأسيسه.
فكرة «بيت الشاعر» قائمة في الأساس لكي تصبح منبراً ثقافياً للشباب، بعدما كانت الثقافة لفترة قريبة تقتصر فقط على صفوة المجتمع ومثقفيه من الطبقة العليا، والبيت يتيح الثقافة والمعرفة للجماهير العادية بداية من الأطفال وحتى الشيوخ.
مطعم ومقهى نجيب محفوظ
مأدبة الكشري الطويلة المسار الكشري من خلال تعودنا عليه أصبح وجبة مهمة بالنسبة لنا، وقد تعودنا في المرات السابقة أن نذهب إليه في موقعه القديم، المطل على أحد شوارع في الدقي.
السائق قال لنا إنه لم يعد المطعم كعهده السابق يبيع الكشري، بعد أن تحول إلى مطعم خمسة نجوم، ومرقص، إلا أن البعض منا، تصور أن السائق لا يعرف المكان، لهذا وصلنا إلى المحل القديم، فوجدناه كما قال السائق، فطلبنا منه أن يأخذنا إلى المكان الذي لا يتغير في شارع جامعة الدول العربية.
مقهى ريش
أول مرة سمعت عن مقهى ريش من خلال أغنية الشيخ إمام بعد هزيمة حزيران 1967 (يعيش المثقف على مقهى ريش) وفي كل مرة أذهب إلى القاهرة لأعرف شيئاً عن هذا المقهى الذي دخل التاريخ.
وتذكر موسوعة ويكيبيديا، أن هذا المقهى (تأسس العام 1908) بالقاهرة كان أكبر تجمع للمثقفين والسياسيين في المنطقة العربية. يقع قرب ميدان طلعت حرب.
وشيد هذا المقهى ألماني، باعه العام 1914 إلى هنري بير أحد الرعايا الفرنسيين الذي أعطى له اسم «ريش» ليتشابه بهذا الاسم مع أشهر مقاهي باريس التي مازالت قائمة إلى الآن، وتسمى «كافيه ريش». وقبيل انتهاء الحرب العالمية الأولى اشتراه تاجر يوناني مشهور من صاحبه الفرنسي، ووسعه وحسن بناءه.حالياً يملك المقهى مجدي ميخائيل، وهو أول مالك مصري له.
وكان المقهى ملتقى الأدباء والمثقفين أمثال نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وأمل دنقل، ويحيى الطاهر عبد الله، وصلاح جاهين، وثروت أباظة، ونجيب سرور، وكمال الملاخ، وغيرهم.
زهرة البستان
وهو مقهى «زهرة البستان» ومكتوب على لافتة المقهى بخط بارز بجانب الاسم ملتقى الأدباء والفنانين. ومن أبرز رواد مقهى زهرة البستان الروائي مكاوي سعيد، واكتسبت زهرة البستان شهرتها من تجمع العديد من الأسماء اللامعة في الأدب والثقافة والفن بخاصة من الكتاب الشبان الذين ينتهزون فرصة تجمع الأدباء الكبار بها حتى يعرضوا أعمالهم الأدبية عليهم، حيث كان هذا المقهى ولايزال هو المحطة الأساسية للعديد من الكتاب الشبان وأدباء الأقاليم.
في مقهى 25 يناير
اتفقت مع الصديق الشاعر سيد يونس أن نلتقي في زهرة البستان، الساعة الثالثة، وأوصلني الأصدقاء إلى ميدان طلعت حرب وذهبوا إلى الحسين، فيما جلست أنتظر سيد يونس أمام مقهى زهرة البستان، واتصل بي ليقول لي إنه ذهب ليوفر لي كتاب قصيدة النثر من ترجمة الشاعر والمترجم محمد عيد إبراهيم، فقد كنت أبحث عن الكتاب ولكن لم أجده في طريقي.
أما في مقهى 25 يناير أخذني إليه سيد يونس التقينا بالشاعر محمود بطوش، سيد يونس ومحمود بطوش الاثنان من أبناء قنا في صعيد مصر حيث المحافظة التي أنجبت أمل دنقل وعبدالرحمن الأبنودى وعبد الرحيم منصور ويحى الطاهر عبد الله ويوسف جوهر وأنجبت رسام الكاريكاتير العالمي جورج البهجوري والتشكيلي الكبير سيد سعد الدين والمقرئ الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وهى من أنجبت الفنان الكبير أحمد بدير والنجمة هالة صدقي وهي المحافظة التي أخرجت بهاء طاهر حيث الأقصر إحدى مدن محافظة قنا قبيل تحويل الأقصر إلى محافظة وسيد يونس كاتب صحافي وشاعر ينتمي لتجربة جيل التسعينات حيث الكتابة الحداثية وهو قد شغل محرراً ثقافياً لمدة 13 عاماً بصحيفة الأسبوع المصرية حيث عمل مندوباً للصحيفة بوزارة الثقافة المصرية وقطاعات الوزارة المختلفة ليذهب محرراً ثقافياً أيضاً بصحيفة المدينة السعودية مكتب القاهرة يعمل حالياً مدير تحرير موقع وكالة أنباء المحروسة الإخبارية قام بعمل العديد من التحقيقات والحوارات الثقافية مع كبار مثقفي مصر والعالم العربي على مدار سنوات طويلة وشارك في عشرات المؤتمرات الأدبية سواء في مصر أو خارجها وقد تم تكريمه في أكثر من فاعلية ثقافية صدر له ديوان هواجس المدن عام 2004 ثم ديوان لا يخون نفسه العام 20011 وهما من إصدارات الهيئة المصرية العامة للكتاب وكان قد صدر له أعمال مشتركة منها ديوان بالعامية عرس القصيدة مع أبناء بلدته قوص حيث بلد البهاء زهير وشيخ شعراء قنا محمد أمين الشيخ وفنان الخط العربي حامد العويضي له تحت الطبع حالياً أكثر من كتاب منها مسافة في عقل هؤلاء وهي حوارات أجريتها ثم كتاب خير جليس وهو عن قراءات في اصدارات كتب مختلفة ومحمود بطوش هو ينطبق عليه التنشئة مثلما ينطبق على صديقه سيد يونس حيث بلدة الإبداع في جنوب مصر قنا. وقد بدأ بطوش عمله أيضاً صحافياً بجريدة الأحرار كمحرر ثقافي غير أنه اتجه للفعل الثقافي عبر العمل في الهيئة العامة لقصور الثقافة مودعاً الحياة الصحافية ومركزاً في منجزه كشاعر عامية متميز ومشارك فاعل في الحركة الثقافية في مصر والعالم العربي أسس ما يسمى ندوة التكعيبة وهي ندوة تقام على إحدى المقاهي الثقافية بوسط البلد القاهرة وشغل منصب عضو مجلس إدارة اتحاد كتاب مصر في الدورة الماضية وهو شاعر عامية له حضوره المتميز كشاعر وناقد شارك في العديد من المؤتمرات الأدبية سواء في مصر أو العالمي العربي وبطوش شاعر عامية يتميز أنه مرتبط بالجذور في كتاباته الشعرية مما صنع عنده حضوراً
معنى زيارة القاهرة
أن تزور القاهرة فأنت تزور أرض الحضارة والثقافة والحياة، تزور النيل وتزور المحبة التي تراها في كل الشوارع، وإن كانت زيارتنا قصيرة كالعادة، فإننا نتهيأ لزيارة أخرى في أقرب فرصة ممكنة. لهذا غادرنا القاهرة ونحن نقول: انتظرينا في المهرجان التجريبي.