لقد شهد العالم في السنوات الأخيرة تقدماً لم يسبق له مثيل في جميع المجالات، أدى إلى تغيير مفاهيم كثيرة كانت سائدة، ولقد شهدت البحرين فترة نمو كبيرة، أنشأت العديد من المشاريع في جميع الأنشطة الاقتصادية، ومنذ ذلك الوقت، أكدت الأهداف الاستراتيجية التنموية، سعي الدولة نحو تحقيق هدف تنويع مصادر الدخل، وهيأت المناخ الاستثماري المناسب، والبيئة الملائمة، بنمو مؤسسات صغيرة ومتوسطة من خلال توفير مرافق البنية الأساسية للمشروعات المختلفة وسنّت القوانين والأنظمة واللوائح التي تهدف إلى تنظيم وتطوير العمل في قطاعات الاقتصاد الوطني المختلفة.

وهنا لابد من الحديث عن هدف مملكة البحرين والمتمثل في تحويل اقتصادها إلى مجتمع حضري صناعي، والذي نراه الآن في السياسة والاستراتيجية التي يضعها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، فقد سار البناء الاجتماعي المتجدد في السنوات الثلاث الأخيرة بوتيرة سريعة جداً قبل أن تنفذ الموارد النفطية غير القابلة للتجدد والفكرة المتضمنة لهذه الاستراتيجية هي أن بإمكان اقتصاد البحرين أن يبني بدون مشكلات كبرى مجتمعات استهلاكية حديثة قادرة على إشباع الطلب الداخلي وعلى تكوين فائض كبير للتصدير.

ولقد نشأ في المملكه وبالأخص بعد العمل بالمشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، وهذا المشروع الإصلاحي الذي فتح للاقتصاد الحريه في جميع المجالات، ونشأت مؤسسات صغيرة ومتوسطة تقوم بدور كبير في تحقيق التنمية الاقتصادية وزيادة معدلات النمو الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل، وأصبح القطاع الصناعي أكبر مساهم في إجمالي الناتج المحلي، حيث تجاوز معدل مساهمة قطاع التمويل والعقارات.

والحقيقة أن الإنجازات الصناعية لم تتركز في القطاعات الصناعية الأساسية بل تجاوزتها أيضاً إلى القطاعات الصناعية الأخرى المتوسطة والصغيرة، والتي نمت نمواً كبيراً خلال السنوات القليلة الأخيرة مدفوعة في ذلك بقوى الدفع المتمثلة في المبادرات الفردية.

وعلى الرغم من توافر المقومات الأساسية لنمو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، لا يمكن تجاهل العوائق والصعوبات التي تعترض نموها، والمؤشرات تشير إلى وجود عقبات حقيقية تواجه الصناعة البحرينية الناشئة، وتحد بالتالي من القدرة التنافسية للمنتج المحلي، فالصناعات الصغيرة والمتوسطة قد توفرت لها فرص استثمارية في مجالات الإنتاج والخدمات المختلفة من الأنشطة الصناعية والتجارية والخدماتية، ولكن عدم توفر المواد الأولية ونقص المهارات البشرية مع توجه الاستثمار الخاص نحو أنشطة الخدمات من التجارة وقطاع المال والعقار أدى إلى عوائق في عملية نمو الصناعة، بالرغم من أن تلك الجهود الحثيثة التي بذلت في مجال الصناعة إلا أنه للأسف لم يتمخض عنها تغيير هيكلي يعتد به في الهيكل الاقتصادي حيث ما زال قطاع النفط يحتل المكان الاستراتيجي ويلعب الدور الحاسم في تحديد مستويات الدخل والتوظيف والإنفاق فيها، فانطلاقاً من واقع التحليل للصناعات التحويلية بحسب العلاقة القائمة بين حجم الطاقة الإنتاجية وحجم الطلب المحلي يمكننا أن نميز بين ثلاثة أنواع من الصناعات، النوع الأول، هو الصناعات التصديرية، التي ينبغي أن تقام على أساس التخصص، فهذا النوع من الصناعات الثقيلة، يحتاج إلى كثافة رأسمالية مرتفعة، وطاقات إنتاجية ضخمة، حتى يتوافر لها التشغيل الاقتصادي الأمثل، والنوع الثاني هو ما يمكن أن نطلق عليه الصناعات الإقليمية، التي يستلزم تشغيلها الاقتصادي توافر حد أدنى من الحجم الإنتاجي، ومن ثم توافر أسواق متسعة تستوعب هذا الحجم، ومن ثم الإنتاج بكلفة متوسطة منخفضة، وإذا ما نجحت هذه الصناعات، فقد يتسنى لها أن تنافس الصناعات المماثلة في السوق العالمي، أما النوع الثالث، فيمكن أن نطلق عليه الصناعات المحلية، وهو يشمل تلك الصناعات، التي يمكن أن تعمل بشكل كفء داخل حدود الدولة، لسد حاجة السوق المحلي. وعند النظر إلى سوق البحرين والذي يعاني في الأصل من صغر السوق المحلية وما ينتج عن هذا الصغر من ضرورة قيام وحدات إنتاجية محدودة العدد في كل نشاط من الأنشطة الصناعية بغرض الوصول إلى الحجم الاقتصادي الأمثل لهذه الوحدات نجد التنافس الشديد بين وحدات إنتاجية متعددة على حصص صغيرة من السوق لن تحقق لها أي قدر من وفورات السعة الداخلية ولن يتحقق لها بالنتيجة عائد مناسب من نشاطها الصناعي مما يدفعها إلى عدم اتباع الأساليب الإدارية الحديثة مع عدم وجود تنظيم إداري واضح لسير العمل في أقسام وإدارات المؤسسة الصناعية.

ومن هذا تتحصل الصعوبة التسويقية والتي تعتبر من أهم المعوقات التي تواجه الصناعات الصغيرة والمتوسطة، ولهذا جهود الصناعيين يجب أن تتجه نحو البحث عن الفرص التسويقية وتطوير المنتجات وتكيفها مع متطلبات وأذواق المستهلك العالمي وعمل الدعاية والإعلان اللازمين والاتصال بقنوات التوزيع القادرة على إيصال المنتج إلى أسواق الاستهلاك المناسبة له.

أي أنه لابد من العمل على أسس مدروسة طويلة الأجل للبقاء في الأسواق العالمية وتنمية الصناعات التصديرية وعدم الاكتفاء عند حد اغتنام فرصة هنا وفرصة هناك. فحكومة حضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى، قامت بدورها في توفير بيئة عمل بكل حرية فيما بين البحرين والعالم ويبقى دور التاجر البحريني في المبادرة ودخول الأسواق.

* محلل في الشؤون الاقتصادية والعلوم السياسية